فيأتي ماءً ويغسل يديه ووجهه ورجله ، ثم يأتي أهل تلك الحِلَّة فَيُخبرُها عن الحِلَّةِ التي فارقها ، ويُريهم أنَّ الأرضَ طُوِيَتْ له ، فلمَّا عَلَت سِنُّه رَغِبَ عن ذلك وزَهِدَ فيه ،وأقبل على الشِّعْرِ وقد وُسم بتلك السَّمَةِ. أَنَّه لَمَّا خَرَجَ المُتَنَبِّي بأرض (سَلَمْيَةَ) ؛ مِن عَمَلٍ حِمْص في بني عَدِي الكَلبيين ، قَبَضَ عليه ابن علي الهاشمي في ضَيْعَةٍ له يُقال لها (كُوتَكِين) ، وَأَمَرَ النَّجَّارَ فَجَعَلَ فِيرجْلِهِ (قُرْمَةٌ) (۱)، فقال المتنبي :زَعَمَ المُقيم بكوتكين بأنه من آل هاشم بن عبدِ مَنَافِ فَأَجَبْتُه : مُذْ صِرْتَ مِن أبْنَائِهِم صَارَتْ قُبُودُهُمُ مِن الصَّفْصَافِولمَّا أَنْ صَارَ مُعْتَقِلًا في الحَبْس كتب إلى الوالي : (المتطبب)بيدي أيها الأمير الأديب لا لشيء إلا لأني غريب أو لأم لها إذا ذَكَرَتْني دَمُ قَلْبِ بَدَمْعِ عَيْنٍ مَشُوبُ إنْ أَكُنْ قَبلَ أَنْ رأيتُكَ أَخْطَأْتُ فإنِّي على يديك أتُوبُ عَائِبٌ عَابَني لديك ومِنْهُ خُلِقَتْ في ذوي العيوب العيوب. وحدثني الثقة عنه حديثاً معناه : أنَّه لمَّا حَصَلَ في بني عَدِي ، وقد تَبَيَّنُوا دعواه : ها هنا ناقةٌ صعبة ، فإنْ قَدِرتَ على ركوبها أَقْرَرْنَا أَنَّكَ مُرْسَلٌ. وأَنَّه مضى إلى تلك الناقة ، فتَحَيَّلَ حَتَّى وَثَبَ على ظهرها ، فَنَفَرَت ساعةً وتَنَكَّرَتْ بُرهةً ، وَمَشَتْ مَشْيَ المُسْمِحَةِ ، وأَنَّه وَرَدَ بها الحِلَّةَ وهو راكب عليها ، فعجبوا له كلَّالعجب ، وصار ذلك من دلائله عندهم. وأنَّ بعض الكتاب انقَلَبَت على يده سِكِّين الأقلام في فَجَرَحَته جُرحاً مُفْرطًا ، وأَنَّ أبا الطيب تَفَلَ عليها من ريقه، وشَدَّها غير منتظر لوقته ، وقال للمَجْرُوح : لا تَحلَّها في يومك ، وأنَّ ذلك الكاتب قَبِلَ منه ،