وكان من أبرز التطورات الحديثة في ميدان التربية المقارنة زيادة الاهتمام بالإطار النظري للدراسات المقارنة، إذ يرجع التاريخ العلمي للتربية المقارنة إلى الدراسة العلمية التي وضعها (مارك انطون جوليان) الفرنسي عام (1817م) بعنوان: " مخططات ونظرات أولية لدراسة التربية المقارنة"، التربية المقارنة عند المسلمين في الشرق: إن ظروف نشأة التربية المقارنة في الشرق العربي والإسلامي كانت مختلفة عنها في الغرب، ويرجع ازدهار هذه المرحلة إلى العصر العباسي، فأخذوا يتنقلـون بين البلدان ويسجلون انطباعاتهم عن تلك البلدان التي زاروها، - وفيات الأعيان لابن خلكان. - الرحلة المغربية للعبدلى. - المسالك والممالك لابن حوقل. وكان عرض أولئك العلماء والرحالة لما رأوه في تلك البلدان ليس عرضا سطحيا أو وصفاً عابراً وإنما كان وصفاً دقيقا لكل مناحي الحياة، ومدرساً يعلمه الفن الذي يريد تعلمه". وبلغ عدد طلابها حوالي ثلاثمائة موزعين على هذه الأروقة"، ومما قاله أيضاً في وصفها: "كـان يُدرَّسُ فيهـا المذاهب الأربعة لكل مذهب إيوان فيه المسجد وموضع التدريب، وهكذا ترتب كل مجلس من هذه المجالس الأربعة وبداخل هذه المدرسة حمام للطلبة ودار للوضوء". وإذا كانت هذه المرحلة تتميز بالوصف فقط، المرحلة الثانية: مرحلة الربط بين نظم التعليم ومجتمعاته: يعتبر العلامة عبد الرحمن بن خلدون (732 - 808 هـ) (1331-1405م) إضافة إلى كونه مؤسس علم الاجتماع وعالم معدود من علماء التاريخ سابق لجميع العلماء الغربيين بأكثر من خمسة قرون في مجال التربية المقارنة حيث إنه كان أول من ربط بين نظم التعليم والمجتمعات التي توجد فيها تلك النظم، وكان لهذه العلوم بينهم مجال رحب، وهى مكان التعليم الديني بالنسبة للتعليم بصفة عامة، ومحاولة فهم حقيقة الأحداث التاريخية كما هي في زمانها ومكانها، ولا يمكن لهذه العملية أن تقوم إلا بعد الانتهاء تماما من الوظيفة الاستردادية التي تعتبر اللبنة الأساس، وهو ما أصاب مع الأسف كثيرا من أحداث تاريخ أمتنا من الاختلاط وعدم وضوح الرؤية. وتأسيساً على ما سبق يمكن القول أن ابن خلدون في منهجه المتمثل في دراسة الظواهر الاجتماعية من منطلق أنها محكومة في سيرها بقوانين تشبه ما عداها من الظواهر الطبيعية، كان غير مسبوق من كوكبة علماء التربية المقارنة، وبالتالي يجب أن ينصب العمل النهائي للتربية المقارنة على الكشف عن هذه القوانين وتوظيفها بما يفيد إصلاح نظم التعليم في البلاد المختلفة. التربية المقارنة عند علماء الغرب 2- مرحلة وصف نظم التعليم في البلاد الأجنبية. المرحلة الأولى: مرحلة وصف الحياة في البلاد الأجنبية: كما بينا ذلك في الصفحات السابقة، أما دور الغرب في هذه الفترة فقد كان محدوداً، المرحلة الثانية: مرحلة وصف نظم التعليم في البلاد الأجنبية: وذلك بقصد إقامة مؤسسات تعليمية مشابهة، وتطبيق ما تعلموه على أيدي (بستالوتزى) في تحسين وتطوير أساليب التعليم في المدارس الألمانية. أحد الأساتذة في الأدب مقالاً عن تنظيم التعليم العام، وقد ظهرت الطبعة الثانية لمقال (باست) في عام (1814م)، ومن الملاحظ أن مارك أنطون جوليان الفرنسي بدأ في نشر مقالاته عن التربية المقارنة في ديسمبر من نفس العام في نفس الصحيفة، ولم يفعل ذلك أيضاً حين أعاد نشر مقالاته في عام 1817م، ففي عام 1817م وضع جوليان أول دراسة علمية منظمة لنظم التعليم تحت اسم (مخططات ونظرات أولية لدراسة التربية المقارنة). ويرى جوليان أن دراسة التربية المقارنة تحتاج لكي ترتقي إلى مستوى العلوم الحديثة أن يتوفر لها عنصران أساسيان هما: ويطلق على هذه المرحلة مرحلة النقل والاستعارة، وقد تميزت كتاباتها بما يلي: إذ كان الدارس يهدف إلى استعارة بعض جوانب النظم التعليمية الأجنبية لتعديل النظام التعليمي في بلده أو تحسينه. المرحلة الثالثة: مرحلة التعرف على نظم التعليم في إطار العوامل الثقافية للمجتمع: حيث اتجهت كثير من الدول إلى إعادة النظر في سياستها التعليمية، وكذلك الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، تفسيرية للعوامل المختلفـة عن طريق تتبعها وملاحظتها بهدف الإفادة منها، التي كانت تركز على القواعد التالية: 3- إضافة العامل الاجتماعي كمؤثر عام، 1. اتخاذهم القوى والعوامل أساساً لتغيير الأنظمة التعليمية، مع افتراض وجود علاقة قوية بين تلك العوامل والقوى ونظم التعليم، بينما أصبحت تلك العوامل نفسها في الوقت الحاضر موضوعاً للبحث. 2. اهتمامهم بتحليل العوامل الخارجية أكثر من اهتمامهـم بمقارنة العوامل الذاتية المتعلقة بالتربية وأنظمتها ومشكلاتها، 3. وبصفة عامة يتضح من كتابات المشتغلين بالتربية المقارنة في النصف الأول من القرن العشرين، أو التجريبي (المرحلة التحليلية): وحيث التطور التكنولوجي الذي شمل ميادينه، ومن ثم وجد اتجاه يدعو إلى التجديد في المعالجة المقارنة للدراسات التربوية، ويطلق على هذه المرحلة اسم "المرحلة التحليلية" حيث يكون الهدف من العرض التحليلي لنظم التعليم الأجنبية هو المساعدة في تقييم نظمنا التعليمية، وبكثرة الكتابات عن مناهج البحث في العلم الجديد، والإنسانية، ومن ثم ينبغي الانتقال بالتربية المقارنة من مجرد دراسة من الدراسات الإنسانية، ولكن كل مرحلة تستند إلى جانب معين من الاتجاهات العلمية، 3. إنها أصبحت تقوم على التفسير والتحليل العلمي، ويرجع ذلك إلى وجهة نظر كل عالم من علماء التربية المقارنة، بهدف الوصول إلى تطوير النظم القومية للتعليم وتعديلها بما يتمشى مع الظروف المحلية". ويرى أن اختلاف هذه الظروف هي التي تسبب اختلاف نظم التعليم وسياساته، ولا يمكننا أن نجول بين النظم، ثم نتوقع لو غرسناها جميعاً في تربة بلدنا فإننا نحصل على نبات حي، وبدقة علمية هي التي تُهيئنا لأن نصبح أكثر صلاحية لدراسة نظامنا التعليمي وفهمه. تعريف إسحق كاندل الأمريكي 1933م: ودراسة هذه الفلسفات التربوية وتطبيقاتها السائدة في الدول المختلفة، ويقول كاندل في كتابه (دراسات في التربية المقارنة) إن القيمة الرئيسة للدراسة المقارنة لمشكلات التربية تتمثل في تحليل الأسباب التي أنتجتها، ويرى كاندل أن القيمة الرئيسة للمعالجة المقارنة للمشكلات التعليمية تظهر في:- ‌أ) تحليل العوامل والأسباب التي أوجدت هذه المشكلات. يرى الدكتور عبد الغني عبود في كتابه (الأيديولوجيا والتربية) أن التربية المقارنة تعنى دراسة نظم التعليم وفلسفاته، وأوصافه ومشكلاته في بلد من البلاد أو أكثر مع رد كل ظاهرة من ظواهرها، ومشكلة من مشكلاتها إلى القوى والعوامل الثقافية التي أدت إليها، بحثاً عن تلك (الشخصية القومية) التي تقف وراء النظام التعليمي بما فيه من ظواهر ومشكلات. ومن خلال استعراض التعريفات السابقة نخلص إلى هذا التعريف: أو تعديل، بما يتمشى مع الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية". كما يتضح من استعراض التعريفات السابقة أن التربية المقارنة موضوع مستقل بذاته فهي تهتم بالتربية في كل أنحاء العالم أي أنها تُعنى بالتربية من منظور عالمي، وهي تعني أيضاً بالدراسة التحليلية للقوى الثقافية بهدف التوصل إلى فهم معقول لجوانب التشابه والاختلاف بين الأنظمة التعليمية في البلدان المختلفة. انطلاقا من معطيات فلسفية وأيديولوجية معينة في بلد ما، مع الأخذ بالحسبان الخاصية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية لهذا البلد أو ذاك. وتعتمد عملية البحث على معطيات ومقومات أساسية تنطلق منها، وإذا كانت التربية المقارنة تعني دراسة النظم التعليمية ومشكلاتها في ضوء القوى الثقافية المؤثرة فيها, سواء ما يتصل منها بفلسفة التربية أو بالمناهج وطرق التدريس أو بالإدارة التعليمية أو الإدارة المدرسية أو بإعداد المعلمين أو بنظم التقويم أو بالإشراف. طالما تمّت هذه الدراسة في ضوء الإطار الثقافي المحيط بها والمؤثر فيها. ولذلك لم يكن غريبا أن تلقّب التربية المقارنة بملكة العلوم التربوية. لكن السؤال الذي يطرح نفسه إذا كان الباحث في التربية المقارنة يتناول كل هذه الميادين بالدراسة والتحليل. أما الباحث في التربية المقارنة فإنه لا يمكن تناول دراسته إلا من خلال الربط بين إطاره البحثي وبين الثقافة السائدة التي يتناولها في دراسته. والمقارنة تتعلق بشكل المعالجة لا بمضمون المقارنة فقط. بمعنى أن هذه المقارنة قد تكون تاريخية عندما تكون بين نظامين تعليمين أو أكثر في عصور مختلفة وفي مجتمعات مختلفة. إذن كل بلاد العالم وكل الثقافات تصلح للبحث والمقارنة,