عاصر جابر بن زيد الظروف السياسية التي مرت بالأمة الإسلامية منذ الثلث الثاني من القرن الأول الهجري، فقد كان في سن الإدراك عندما حدثت الفتن بين الصحابة ابتداء من قتل الخليفة عثمان، فارتبط جابر بن زيد بالمحكمة الأوائل كالإمام أبي بلال مرداس بن حدير، وقد كان بلال من شوقه يخرج من عند أبي الشعثاء جابر بن زيد بعد العتمة، وبعض الروايات تفيد أن أبا بلال كان لا يبرم أمرا إلا بعد استشارة جابر. فكانا يخرجان سويا إلى مكة ويلتقيان بعبد الله ابن عباس وعائشة أم المؤمنين، يقول أبو سفيان محبوب بن الرُّحَيل: “دخل جابر وأبو بلال على عائشة فعاتباها على ما كان منها يوم الجمل فاستغفرت وتابت”. كما أنَّ عبد الله بن إباض لا يصدر إلا عن رأيه. ويبدو مما سبق أن جابر بن زيد انضم في وقت مبكر إلى جماعة القعدة التي كان يتزعمها أبو بلال مرداس بن أدية والتي كان من أهم مبادئها الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة دون التعرض للناس أو رفع السيف في وجه أحد، يقول يحيى بن معين: “وكان جابر بن زيد إباضِيَّا"، فإليه ترجع جذور تنظير قواعد أهل الحق والاستقامة أو ما عرفت بعد ذلك بالإباضِيَّة وفق أسس علمية رصينة ومنهج مدروس وتنظيم محكم قائم على السرية والكتمان وإعداد الدعاة، لم تقتصر جهود جابر بن زيد على الرجال وحدهم بل تعداهم إلى النساء، تقول هند بنت المهلب: “كان جابر بن زيد أشد الناس انقطاعًا إلي وإلى أمي، وكان لا يعلم شيء يقربني إلى الله -عزَّ وجلَّ- إلا أمرني به، يبدو ذلك من رسائله إلى سالم بن ذكوان وطريف بن خليد والحارث بن عمر وعبد الملك بن المهلب و عبد الله بن يحيى الكندي، ومع ذلك كان شديد الحذر في اتصاله بأصحابه حتى لا يتنبه إليه أحد من السلطة الأموية فكان مما كتب إلى عبد الملك بن المهلب في إحدى رسائله: (اكتب إلي بما كانت لك من حاجة في سر وثقة، كما كانت له رسائل إلى العلماء يأمرهم فيها بالمعروف وينهاهم عن المنكر. فقد ذكر أبو يعقوب الوارجلاني في الدليل والبرهان أن ابن شهاب الزهري عندما أخذ يدخل إلى بيوت الأمراء ويتردد عليهم استنكر العلماء ذلك عليه وخاصة عندما أصبح وزيرا للوليد بن عبد الملك فقد أرسل إليه جابر بن زيد رسالة يؤنبه على فعلته تلك. وذكر أن ممن كتب إليه وهب بن منبه، وقال أبو يعقوب : (وقفت على كتب هؤلاء الثلاثة)].