ورجل علم بكل تأكيد . ولكن لا يمكن أن يكون الخوف حولي في كل مكان دون أن أصاب بالعدوى . هذا ما حدث حين انتهيت من قراءة هذه القصة . بل ولا زلت أحرص على أن أغطي جسدي بأكمله أثناء النوم لأشعر ببعض الأمان . لكني أرتجف رغم ذلك في كل مرة أسمع فيها مواء القطط في الخارج . أو عند سماع أي صوت مجهول آخر في غرفتي . فقد عشت خوف بطلة القصة لحظة بلحظة دون شك حتى أصبت بعدوى الخوف . أحيانا يصاب الناس بالرعب لدرجة مخيفة تصيبنا نحن بدورنا بالرعب. قصتنا هذه عن مريضة اسمها (سحر) . وهي فتاة تبلغ ال 16 من العمر . حيث أشرف شخصيا على علاجها منذ مجيئها وإقامتها في المستشفى في الشهر الماضي . والواقع أنني لم أطلب منها كتابة قصتها . بل سأنقل لكم مذكراتها تماما كما كتبتها . فقط مع بعض الإضافات التي قمت بها بنفسي والتعديلات البسيطة . حتى تخرج لكم المذكرات كقصة متكاملة تشرح لكم كل شيء . وسيكون لي تعليق في النهاية على أحداثها. فلنقرأ قصة (سحر) . ولنرى إن كانت ستسبب لكم الخوف كما فعلت معي. كما هو واضح من عنوان قصتي . أعترف أنني أخشى جدتي كثيرا . ولا أعلم في الواقع إن كان يجب أن ألومها على ذلك أم ألوم نفسي . أعتقد أنني لو وصفتها لكم فستشعرون نحوها بذات الشعور . إنها امرأة غامضة بالفعل . صامتة أغلب الأحيان على عكس العجائز وولعهم المعتاد بالثرثرة . تمتلك شخصية قوية للغاية و(كاريزما0* قلما تجدها عند من هم في مثل سنها . أما شكلها فهو ما يزيدها غموضا ورهبة . فقد حرق الشيب رأسها حتى بات شعرها أبيضا بأكمله . كما أن وجهها قد امتلأ بالتجاعيد التي لم تزدها جمالا وطيبة كما يحدث مع معظم العجائز . إذ ازدادت قبحا ورهبة !!!. إلا أنها لا تزال بصحة جيدة للغاية . فلا تحمل أي من الأمراض التي يحملها كبار السن عادة سوى أنها تعرج قليلا بفعل عيب خلقي . حتى أنها ترفض تماما فكرة وجود خادمة في بيتها . فتقوم بتنظيف البيت لوحدها بإصرار غريب دون مساعدة أحد. وما يزيدني خوفا منها هو غرابة أطوارها . فكثيرا ما كنت أشعر بها تدخل غرفة نومي في وقت متأخر جدا من الليل . وتقوم بتفريغ سلة المهملات في كيس كبير تحمله معها . ثم تمسح المرآة الموجودة في غرفتي بهدوء وآلية غير مفهومة . حتى أنها تمشي حول فراشي دون سبب واضح . وتصدر منها أثناء ذلك حشرجة مخيفة تسبب لي الكوابيس . وأشعر بها أحيانا تفتح أدراجي وتتجسس علي . إنها تفعل كل هذا في غرفتي أثناء نومي . وكأنها لا تضع في اعتبارها على الإطلاق إمكانية استيقاظي واكتشاف ذلك !!!. أعتقد أنها لا تكترث أصلا . خاصة وأنني لا أجرؤ على الاعتراض ولا حتى مناقشتها بما تفعله . وبت أشعر أن خوفي منها يتجاوز الخوف العادي . وربما يصل إلى درجة الفوبيا !!!. ورغم أنني أعيش معها لوحدي تحت سقف واحد . ربما لأنها صامتة كالقبر في أغلب الأوقات . وهذا ما جعل علاقتي بها باردة للغاية . حتى أنني لا أذكر أنها عاملتني يوما بحنان أو حتى بقسوة أثناء طفولتي . فقط كانت تهتم بي وتحيطني برعاية كاملة لا تتجاوز ضروريات الحياة . تماما كما نفعل مع حيوان أليف نحتفظ به في منزلنا . مع الفارق الشاسع بالطبع كوننا نستأنس الحيوان الأليف ونحيطه ببعض الحب والاهتمام !!!. المشكلة أنني لا أجد مكانا آخر ألجأ إليه . كما أنني الابنة الوحيدة لوالديّ رحمهما الله الذين توفيا منذ سنوات طويلة في حادث مروري كنت أنا الناجية الوحيدة منه . فانتقلت بعدها لأعيش مع جدتي في بيتها بمنطقة (الفيحاء) وأكون تحت سيطرتها المطلقة . حتى أنها ظلت تمنعني تماما من زيارة صديقاتي وزميلات الدراسة كونها تخشى علي وتفعل هذا لمصلحتي على حد قولها. لذا فقد كبرت منعزلة عن العالم لا أحتك بأحد سوى جدتي . ولا أخرج من البيت إلا للذهاب إلى المدرسة . أو في فترات قليلة للغاية لا تتجاوز مرة أو مرتين في الشهر . إذ كانت تسمح لي في الذهاب بين الحين والآخر إلى السوق المركزي لشراء حاجيات البيت الرئيسية . أو أن أطلب سيارة أجرة للذهاب إلى أحد الأسواق لشراء بعض الثياب والاحتياجات النسائية. والتي لم تتجاوز التحدث عبر الهاتف مع زميلاتي في المدرسة ومشاهدة التلفزيون . أو الجلوس أمام شاشة الكمبيوتر الذي أصبح جزءا لا يتجزأ من عالمي . وبسبب عدم وجود حافز مهم للدراسة . رحت أهمل دراستي شيئا فشيئا . وخرجت أخيرا من المدرسة . لأعيش حياتي بعد ذلك بأكملها في البيت معتمدة على مساعدة الحكومة من خلال راتب والدي رحمه الله الذي يدخل شهريا في حسابي البنكي بطبيعة الحال. 2 وعلى عكس باقي الفتيات في مثل سني . لم تكن لي أي مغامرات عاطفية من أي نوع رغم الفرص العديدة التي كانت تسنح لي من خلال مواقع التواصل الاجتماعي أو حتى في مرات خروجي النادرة عندما أشعر بنظرات الإعجاب التي تلاحقني من الشباب . ولا أعلم في الواقع إن كان هذا بسبب جمالي . أم أنهم يبحثون عن أي فريسة مهما كان مستوى جمالها . لكن . خاصة لفتاة في مثل سني . فقد التقيت بذلك الشاب أثناء ذهابي إلى السوق المركزي منذ أكثر من شهر . لا أدري لماذا شعرت باهتمام تجاهه . ربما بسبب كلماته المعسولة الرقيقة التي خلبت لبي . لا أعلم . لكنه كان جريئا بحق حين توجه ناحيتي بكل أدب وثبات أثناء توقفي لوضع بعض السلع في عربة التسوق . وراح يدغدغ مشاعري ويقسم لي أنه لا يعرف ما جرى له حين رآني . وأنه ليس معتادا على معاكسة الفتيات بهذه الصورة . و . وجدت نفسي شيئا فشيئا أقع في حبائله . حتى خرجت من السوق المركزي . ورقم هاتفه النقال محفوظ في ذاكرة هاتفي. كانت هذه أول تجربة ومغامرة لي من نوعها . لذا فقد خرجت من السوق المركزي وأنا أرتجف بالكامل . شاعرة أنني مقبلة أخيرا على الإثارة . وعلى كسر الجمود الذي أعيشه في حياتي وسيطرة جدتي التي تخنق أنفاسي !!!. أتذكر جيدا أنني لم أنتظر طويلا يومها . حتى دسست نفسي تحت اللحاف . ورحت أفكر قليلا وللمرة الأخيرة وأتساءل إن كان يجب الاتصال بذلك الشاب أم أتجاهل الأمر بأكمله . لكني في النهاية رضخت لمشاعري الباحثة عن الحب والرومانسية . رضخت للهرمونات التي تسرح وتمرح في دمي كوني لا زلت في سن المراهقة . وضغطت زر الاتصال أخيرا. كانت لحظات جميلة لم أعشها من قبل حين وضعت سماعة الهاتف بالقرب من أذني . ورحت أترقب الرد على اتصالي وقلبي يخفق بعنف . قبل أسمع أخيرا صوته الواثق وهو يرد على الاتصال متوقعا أنه مني كما قال فيما بعد . لنبدأ بعدها تعارفا بسيطا أشعرني بلذة ما بعدها لذة . ويبدأ هو في الحديث عن حياته الشخصية. لقد كان الشاب عاديا للغاية ولا يختلف عن باقي الشباب . إذ يدرس حاليا في كلية الحقوق . ويعيش بطبيعة الحال بين والديه وأفراد أسرته . أما أنا . فقد كنت متحفظة إلى حد ما في حديثي معه . إذ لم أخبره عن جدتي وغرابة أطوارها . فقط أخبرته بابتعادي عن الدراسة واكتفائي بالراتب الشهري الذي أحصل عليه من الحكومة . وأنني يتيمة الأبوين أعيش حياة مملة للغاية لا يوجد فيها أي نوع من الإثارة التي قد تحتاجها أي فتاة في مثل سني. لذا راح يتحدث بحماس ويحاول إقناعي أن أفعل شيئا مهما في حياتي . أو ربما مشروع تجاري . و . بعد ساعتين أو أكثر من الحديث المتواصل معه حول شتى المواضيع . أنهيت الاتصال بعد أن شعرت بالنعاس . وبعد أن أخبرني بأدب شديد أنه مضطراً للذهاب أيضا كونه سيستيقظ مبكرا للذهاب إلى الكلية. أنهيت المكالمة وقلبي يخفق بعنف شاعرة ولأول مرة في حياتي أن ذلك الشاب قد حرك المياه الراكدة المحيطة بي من كل جانب وأن هناك من يستمع إلي . وربما سيشاركني أسراري ويعدني بالتواصل معي . إذ لم أكن أحب الحديث عن حياتي الشخصية مع زميلات الدراسة . خاصة وأنني ابتعدت تماما عنهن مؤخرا بعد رسوبي المتكرر وفصلي من المدرسة . لكني لم أكترث . فعلى الأقل هناك حافز في حياتي الآن . هناك دافع !!! . هكذا كنت أقول لنفسي. أفكر بهذا الكلام وأنا أقترب شيئا فشيئا إلى الغرق الكامل في عالم الأحلام والساعة تتجاوز الثالثة صباحا ربما . قبل أن أستيقظ فجأة وأتسمر في مكاني !!! . يا إلهي . كم أخشى تلك اللحظات المخيفة . إنها واحدة من زياراتها الغريبة التي تقوم بها في وقت متأخر أثناء نومي . وأنا في الواقع لا زلت أجهل ما تفعله في غرفتي إلى جانب تنظيف سلة المهملات ومسح سطح المرآة . إذ لم أجرؤ أبدا على سؤالها . إنني فقط أشعر بها تهيم حول فراشي وكأنها تمشي دون هدى . وأحيانا تقوم بتفتيش الغرفة كما ذكرت سابقا !!!. ثم . شعرت بها تقترب مني . أو تقترب من فراشي إن صح التعبير . هذا غريب . اللعنة . أرجو ألا تكشف وجود رقم ذلك الشاب في هاتفي . وجود رقم غريب غير مسجل في ذاكرة الهاتف قد يثير ريبتها !!! . ترى ما الذي تفعله الآن ؟!! . إنها لا تزال واقفة إلى جانب الفراش حيث أستمع إلى أنفاسها المتقطعة وحشرجتها . قبل أن أشعر بها تخرج من الغرفة . هذا لا يطاق . لا يمكن أن أخشى جدتي إلى هذا الحد مهما كانت غريبة الأطوار . كل ما فيها يخيفني . لا أذكر أنني أردت محادثتها بشيء إلا وأجد نفسي متلعثمة متوترة . فأتراجع عن ذلك وأعزل نفسي مرة أخرى في غرفتي . أعترف أنني حاولت مرات كثيرة منذ طفولتي أن أكسر ذلك الخوف المرضي . لكني أعجز تماماً . في ص باح اليوم التالي . وراحت تنظر إلي بجمود دون أي مشاعر . لتقول بصرامة كعادتها كلما تتحدث في أي موضوع: لقد عرفت أنك كنت تتحدثين عبر الهاتف مع شاب ما في الأمس . لا تنكري . أعلم أنك حاولت خداعي بإيهامي أنك نائمة . لكنك لا تستطيعين خداعي أبدا . م . ماذا قلت له ؟!!. ردت بصرامة مقيتة: لقد أمرته بالابتعاد عنك طبعاً وإلا سيكون حسابه عسيرا !!! . لن يوجد الأمان في حياتك إلا هنا في منزلي ومعي أنا . أنا أفوقك سنا بمراحل وأعلم جيدا كيف يمارس الناس كل أنواع الغش والخداع . إنك بمأمن معي . وأنك تعيشين في بيتي وتحت سقفي !!! . أنا صمام الأمان الوحيد في حياتك. سأتزوج يوما دون شك . ردت بالجملة الخالدة التي ترددها كل أم . وربما كل جدة: فليتقدم لخطبتك إذا !!!. لم أجد ما أقوله أمام كلامها هذا . فخرست تماما . قبل أن تستدير أخيرا وتخرج من غرفتي !!! . يا إلهي . إنني أخشى حتى من غلق باب غرفتي بالمفتاح . لأنها لن تسمح بذلك وستغضب مني لو فعلت . لكن . تبددت تلك الخواطر من ذهني عندما تذكرت كلامها عن اتصالها بذلك الشاب وتهديدها له . وشعرت بلوعة حقيقية خوفا من انتهاء علاقتي به رغم أنني لم أتحدث معه سوى مرة واحدة . لا أدري لماذا . هل لأنه أول شاب أرتبط به في حياتي ؟!! . هذا بالطبع إن جاز إطلاق كلمة (ارتباط) على مكالمة هاتفية واحدة . وجدت نفسي أتجه إلى هاتفي النقال . أرجوك . أرجوك أن ننسى ما حدث بيننا في الأمس . وأنا لا أريد التورط بمشاكل من أي نوع !!!. قاطعته هامسة بلوعة ورجاء شديد: أعرف . لقد أخبرتني بذلك للتو . أرجوك . أرجوك لا تتركني . لا أستطيع الابتعاد عنك !!!. لا يوجد أي نوع من الارتباط بيننا . لماذا تتحدثين وكأن بيننا قصة حب طويلة الأمد ؟؟!. المعذرة . لكنك أول شاب في حياتي . وأنا لم أعرف طعم الارتباط قبل هذه المرة . وأشعر بالراحة النفسية حين أتحدث معك . إنني بحاجة إليك . ثم حسم أمره وطلب مني أن أحدثه أكثر عن نفسي وعن حياتي الخاصة . فقد شعر - على حد قوله - أن هناك الكثير من الغموض المحيط بي وبجدتي . و . هذه المرة . فذكّرته مرة أخرى بأنني يتيمة ولم أكمل دراستي . وأعيش على إعانة الحكومة . وكم هي امرأة مخيفة في كل ما تفعله ولا أبالغ لو أنها تمارس السحر !!! . نعم . قلت له هذا صراحة !! . لقد كنت أتحدث بانفعال دون أن أشعر بنفسي . حتى أنني بكيت كثيرا أثناء كلامي . لكنه رغم كل شيء . سأكون واضحا في كلامي . لا توجد لدي أي نية في الزواج إن كان هذا ما تظنيه . فنحن صغارا في السن . أريد أن أكون قريبا منك . أريد أن أكون على تواصل معك . لكن ليس إلى درجة الارتباط . أرجو ألا يضايقك كلامي . إحم إحم . بصراحة تخيفني !!! . وها أنت قد أكدت كلامي للتو . فلا تلوميني لو شعرت ذات الشعور ناحيتها. عند هذه النقطة تحديدا . تغيرت نبرة صوته فجأة . وراح يتحدث بحماس ويطلب مني أن أدافع عن نفسي وعن حريتي واستقلاليتي . وألا أقلل من احترام جدتي بنفس الوقت . وهي معادلة صعبة بالطبع ومن شبه المستحيل تحقيقها بالنسبة لي . ربما لأنني عرفت أخيرا أنني فتاة طبيعية . فلست وحدي التي تخشى جدتي وتجدها غريبة الأطوار . إنه يخشاها كذلك . يا إلهي . سر مخيف أشعر أنه من الأفضل ألا أحاول كشفه أصلا !!!. ووعدته بأن أتخذ كل التدابير في المرة القادمة كي لا تشك جدتي بشيء ولا توقعه في مشاكل هو في غنى عنها. أمسكت بعدها بهاتفي النقال بكلتا يدي . ورحت - بحزم شديد - أمسح تاريخ المكالمة . نعم . لقد تأثرت بكلامه . وقررت أن أقاوم جدتي . هذا الشاب هو النور الوحيد في حياتي ولن أدعه يرحل عني . أعرف أنه لا يفكر بالارتباط وربما تركني الآن ليتحدث مع فتاة أخرى . هذا احتمال وارد كما تعلمون . لكن . ربما سأكسب قلبه مع مرور الأيام . هناك أمل . هناك هدف في حياتي على الأقل . هكذا رحت أردد لنفسي !!!. مرت بعدها بضعة أيام لم يطرأ فيها أي جديد . سوى أنني وجدت نفسي قادرة أخيرا على خداع جدتي . إذ لم تتغير عادتها في التسلل إلى غرفتي في أوقات متأخرة من الليل والتفتيش بين حاجياتي . لكنها لم تجد شيئا يثير الشك . إذ لم أكن أحتفظ بأي شيء يدل على علاقتي بذلك الشاب . حتى أنني حرصت على محو رقم هاتفه تماما من ذاكرة هاتفي . كان هذا قبل أن أكتشف أنني حمقاء إلى درجة لا تصدق وأنني لا يمكن أن أخدع جدتي أبدا !!! . لقد تبينت لي تلك الحقيقة عندما كنت أجلس معها في غرفة المعيشة نتناول العشاء بصمت مهيب كعادتنا دائما ودون أي حوارات عائلية كما يحدث على الأرجح في كل بيت . قبل أن أراها تنظر إلي بعين ثاقبة مخيفة وبشكل مفاجئ . لقد احتفظت برقمه منذ ذلك اليوم عندما اتصلت به وهددته بعدم مطاردته لك . لم أود أن أتسبب بأي مشكلة حينها على أمل أن تعي ما تفعلين وتعودي إلى صوابك . فقد اتصلت به مرة أخرى واعترف لي - تحت التهديد - أنه لا زال على اتصال معك . إنك غير قادرة على تحمل المسئولية . سآخذ منك هاتفك النقال . لست بحاجة إليه . وحتى مسألة خروجك تلك يجب أن أفكر بشأنها . ربما لا تحتاجين إلى الخروج من البيت أصلا !!!. انتفضت بقوة أمام هذا الكلام . حتى عجزت تماما عن النطق للحظة . هذا مستحيل . هذه العجوز خبيثة إلى حد لا يصدق . قلت لها بشفتين مرتجفتين وقد انهارت تماما فكرة خداعها ومقاومتها: ولكن يا جدتي . أنا لا أخرج كثيرا أصلا . خروجي من البيت نادر للغاية . لا يمكن أن أقضي الوقت كله في البيت. ردت بحنق: لست أنت من تقررين ذلك . أنا صاحبة الكلمة في هذا البيت . سأقوم بالاتصال في إحدى شركات التوصيل كي تقوم بجلب كل ما نحتاجه إلى البيت . سأسمح لك فقط بالذهاب إلى ماكينة السحب الآلي لتسحبي من رصيدك ما يكفينا طوال الشهر. هذا غريب للغاية . تنحنحت وقلت بتردد وبصوت مبحوح: ولكن يا جدتي . أنا من أصرف على البيت من خلال راتب والدي رحمه الله . ألا أستحق الحصول على شيء من الحرية نظير ذلك ؟!! . ألا أستحق أن أعيش حياتي كباقي الفتيات ؟!!. قالت بعصبية وكأنها تستنكر جرأتي هذه: أما بخصوص ذلك الشاب . فسأحذره للمرة الأخيرة باللجوء إلى الشرطة لو حاول الاتصال بك مرة أخرى . هل هذا مفهوم ؟!!!. رددت بلوعة وأنا أبكي: لا ذنب له بأي شيء . إنه شاب مهذب للغاية لم يسيء إلي من قبل !!!. ردت بحزم مخيف غاضب: الموضوع انتهى . أطرقت برأسي إلى الأرض . إن جدتي ستدمرني . ستنهي مستقبلي . إلى متى أخشاها بهذه الطريقة الغريبة ؟!! . ليتني أملك الجرأة لمواجهتها . قبل أن أسمع صوتها المخيف مرة أخرى وهي تطلب مني أن آتيها بهاتفي النقال !!! . إنها لا تنسى شيئا . ثم وضعته على المنضدة أمام جدتي دون أن أتفوه بحرف . وأن حياتي لا معنى لها. أي فكرة ؟!! . فكرة الهرب طبعا . فأنا أستلم إعانتي من الحكومة . وربما أستطيع العثور على شقة مثلا بسعر مناسب لأعيش حياتي كحال باقي الفتيات . يجب أن أفكر جديا بذلك . نعم . سأهرب . أمام الانترنت . سأجد إجابات على كل أسئلتي دون شك . فمن يدري . ربما ستقوم جدتي بإبلاغ الشرطة عني إذا ما هربت من البيت . لكن . هناك دائما مخاطرة في أي نقلة جديدة لحياة أي إنسان . وأنا مستعدة لتحمل نتائج تلك المخاطرة . خاصة وأنني أموت ببطء كل يوم بسبب هذه الحياة الرتيبة . إنني أعيش بلا مستقبل . بلا طموح . بل وبلا حاضر . وأدس نفسي تحت اللحاف عازمة على البدء برسم خطة الهرب منذ الغد . تماما كما تظنون . فقد أيقظني شيء ما . حركة مريبة في غرفتي في ساعات مبكرة جدا من الفجر . ربما في الثانية صباحا !!! . أحدهم يسير حول فراشي . أشعر بها الآن تتجه إلى سلة المهملات لتقوم بتفريغها . ثم تضع كيس القمامة على الأرض لتأتي بالقرب مني وهي تلهث بصوت مبحوح مخيف للغاية . حتى أن أمعائي تقلصت من هول الموقف !!! . إياك أن تفكري في الهرب !!!! . أعلم أي أفكار حمقاء قد تطرأ في ذهنك . فأنا أعرف كيف أكشف أسرارك . لكن . إن جدتك هي أفضل من يهتم لأمرك في هذا العالم . ولا تعرفينها أنت لصغر سنك !!!. لكن الفضول قتلني قتلا هذه المرة بعد ما سمعته منها . كيف عرفت بأمر نيتي في الهرب ؟!! . هذا مستحيل !!! . ووجه جدتي الجامد ينظر إلي . كدت أن أرد عليها . لكني عجزت تماما . فرغم أن الظلام كان يغطي معظم ملامحها . أحيانا ما لا نراه بوضوح يخيفنا أكثر مما نراه واضحا جليا . لكن . الأهم من كل هذا هو كيف ؟؟!!! . كيف عرفت جدتي بنيتي في الهرب ؟!! . مهلا . أتذكر أنني حدثته عن نفسي وعن أدق أسراري . وأخبرته عن مشاكلي مع جدتي ورغبتي في الهرب من البيت وتأجيل تلك الفكرة باستمرار !!!. يا لها من طريقة متسلطة قذرة لتفرض سيطرتها علي !!! . إنني أكرهها . أكرهها للغاية . أكره تلك العجوز اللعينة . ليتني أقدر على مواجهتها . ليتني !!! . إنها ذكية للغاية ومن الحمق أن أفكر بالكذب عليها بعد الآن. لذا فقد هززت رأسي إيجابا . أنا . أنا آسفة يا جدتي . س . س . هذا الجيل لا تنفع معه سوى الصرامة والقسوة !!!. تركتني بعدها لتخرج من الغرفة . أما أنا فقد قررت أخيرا أن أرفع راية الاستسلام بالفعل وأستمع إليها . وألا أفعل ما يغضبها على الإطلاق !!! . أريدها أن تكون راضية عني . لا أحتمل غضبها . أخشاها كالموت ذاته . سأطرد من ذهني كل فكرة قد تغضبها . هذا عهد أقطعه على نفسي من الآن فصاعدا . عهد لن أنقضه أبدا !!!!. عزيزي القارئ . هذه القصة قد تبدو لك غريبة للغاية . ولكن . هناك أمور كثيرة مهمة نجهلها حول بطلة القصة وجدّتها . أمور لم تكن تعرفها (سحر) نفسها . ففي اليوم التالي . ولو قدر لنا أن نشاهد ما يدور في ذلك البيت . فسنجد أن (سحر) تعيش حياتها بصورة قد لا تثير الريبة للوهلة الأولى . لكن . راقبوا حياتها جيدا . نعم . تماما كما ترون !!! . إنها تتجه يوميا في ساعات متفرقة إلى ذلك الدولاب . وترتدي ثوبا قديما لا تلبسه سوى العجائز . ثم تضع على رأسها باروكة بيضاء . مع بعض المساحيق على وجهها حتى لتبدو كامرأة عجوز مخيفة المنظر !!!! . لتبدأ بعدها بالتصرف وكأنها امرأة عجوز . بالضبط . هو ما سيتبادر إلى أذهانكم !!! . ف(سحر) تعاني من مرض نفسي خطير . تعاني من ازدواج الشخصيﯿ . إنها تتقمص شخصية جدتها مرات عديدة كل يوم . وتتخيل بعدها أحاديث وحوارات كاملة تتم بينهما . تماما كما رأينا في القصة . عالم ترسم من خلاله وجود شخصا آخرا في البيت إلى جانبها . شخصا يحاورها ويفرض رأيه عليها دائما كما تبين لنا في أحداث القصﯿ*. *يعتبر ازدواج alîxçiâ (Multiple Personality دّيسىردِر"ة اضطراب نفسي خطير للغاية . حيث يظهر من خلاله المريض بأكثر من شخصية . بل وقد تتعدد الشخصية المبتدعة من قبل المريض من اثنتان لتصل إلى مائة شخصية في الحالات المعقدة النادرة . ويحدث الانتقال أغلب الأحيان من شخصية لأخرى فجأة وخلال ثوان أو دقائق على أسوأ تقدير . وقد تكون الشخصية الأخرى تناقض تماما شخصية الإنسان الحقيقية . كأن تتحول الفتاة الرقيقة إلى أخرى قاتلة مثلا. ويعتقد خبراء علم النفس أن هذا المرض النفسي غالبا ما ينتج بسبب الإيذاء الجسدي للإنسان في طفولته . أو الخلافات الزوجية الشديدة التي تخيف الطفل كثيرا وتشعره أن مصيره بأكمله مهدد كونه يعتمد في حياته كلية على والديه . أما علاج المرض فعسير للغاية ويعتمد على جلسات طويلة من العلاج النفسي لتفريغ الصدمات النفسية المكبوتة. وجدير بالذكر أن هذا المرض النفسي نادر الحدوث . وغالبا ما يكون تشخيصه صعبا وخاطئا ويتم ربطه عادة بالتلبس بالجن . مما يؤدى إلى توجه أهل المريض إلى جهات أخرى طلبا للعلاج . **أظهرت التجارب العلمية أنه إذا أخذنا شخص ما وأوصلنا دماغه إلى جهاز لقياس نشاط الدماغ . ثم طلبنا منه النظر إلى جسم محدد . فسينتج من دماغه نشاط محدد في منطقة محددة من المخ . وإذا طلبنا منه إغلاق عينيه وأن يتخيل نفس الجسم الذي رآه . مما جعل العلماء يطرحون سؤالا بالغ الأهمية . ما الذي يرى ؟؟!! . هل هو الدماغ أم العين ؟!!. وهو يحكم عليها دائما ويراقب تصرفاتها ويحاول أن يحميها من نفسها . وهو شبيه بضمير الإنسان الذي يحاول من خلاله تجنب الأخطاء والموبقات . إن ما يحدث لبطلة قصتنا هو نتاج عقد نفسية طويلة سببها على الأرجح خلافات والديها التي لم تتوقف ليوم وفاتهما . بل أن الحادث المروري الذي تسبب بوفاة والديها كان قد حدث بعد خلاف نشب بينهما في السيارة . مما أدى إلى بكاءها وصراخها كطفلة صغيرة لا يتجاوز عمرها آنذاك ال 10 سنوات . وهذا ما جعل والدها يفقد تركيزه ويرتكب ذلك الحادث الذي أودى بحياته وحياة والدتها . ليتركاها وحيدة مع جدتها وهي العائل الوحيد لها. لقد تفاقمت مشكلة (سحر) النفسية عند انتقالها للإقامة مع جدتها التي كانت بدورها امرأة صارمة قاسية متسلطة . مما حرمها من الحنان والاستقرار الذي قد يحتاجه أي طفل . وهكذا كبرت الفتاة . والشعور بالضعف والضياع يسيطران عليها . قبل أن تتوفى جدتها في البيت . نعم . هل ترون تلك الحديقة الصغيرة الموجودة في ساحة البيت الخلفية ؟!! . لقد دفنت (سحر) جدتها هناك بعد أن توفيت أمامها منذ بضعة سنوات ولم تتقبل فكرة موتها . فجدتها هي العائل الوحيد لها كما علمنا . لكنها وفي نفس الوقت . امرأة صارمة قاسية جدا . لذا فقد انتحلت (سحر) شخصية الجدة . ثم راحت تراقب نفسها وأفعالها من خلال تلك الشخصية. كيف عرفت كل هذا ؟!! . بعد قراءة مذكرات الفتاة وبعد جلسات مكثفة من العلاج النفسي والتنويم المغناطيسي . حيث ساعدني ذلك على كشف الكثير من أسرار (سحر) لأعرف في النهاية أنها فتاة مزعزعة نفسيا وأنها مصابة بمرض ازدواج الشخصية. فقد كان هذا من خلال الشاب الذي كانت تتواصل معه عبر الهاتف . هو من أبلغ عنها بعد أن تحدثت إليه (سحر) بشخصية الجدة . إذ شعر حينها أن صوت الجدة غريب للغاية ومخيف جدا . وما زاد شكوكه هو ما أخبرته به (سحر) حين كشفت له كل أسرارها وتحدثت عن خوفها الشديد من جدتها وتسلطها الغريب على حياتها وتصرفاتها المريبة . فأقدم الشاب على مغامرة مذهلة .