تشير الأدبيات إلى أن هجرة المهارات من بلدانها الأصلية إلى الدول المستقبلة تمثل خسارة بالغة لأوطانها، نظراً إلى الدور الهام الذي تقوم به هذه العناصر البشرية الماهرة في عمليات النمو في بلدانها الأصلية. مما يؤدي إلى ارتفاع مستوى مهارة القوة العاملة ومن ثم دفع النمو الاقتصادي(١٤). في ما يتعلّق بالأثر السلبي لهجرة العقول الذي تحدّث عنه الاقتصاديون: فقد ورد في دراسات الأمم المتحدة عبارة «النقل العكسي للتكنولوجيا» التي تستخدمها للدلالة على هجرة اليد العاملة عالية التأهيل من الدول النامية إلى الدول المتقدمة. وتنظر دراسات الـ (UNCTAD) إلى هجرة العقول على أنها نقل للموارد الإنتاجية من الدول النامية إلى الدول المتقدمة. فهذه الموارد الإنتاجية تتمثل بالأفراد الذين حصلوا على المعرفة والمهارات من خلال الاستثمار في التعليم والتدريب ومختلف الأنشطة ذات العلاقة الوثيقة. وبهذا المعنى فإن الخسارة في رأس المال البشري تنطوي على خسارة في القدرات الفنية على الابتكار وعلى توسيع نطاق المعرفة التكنولوجية والتطبيقية. الأمر الذي ينطوي على آثار اقتصادية وسياسية واجتماعية سلبية خطيرة على هذه الدول. كما تشكل هذه الهجرة للأيدي العاملة الماهرة خسارة كبيرة للدول المصدّرة لها وكسباً للدول المستقبلة لها. وفي دراسته التي نشرت عام ١٩٧٦ عن الاقتصاد السياسي لهجرة العقول» بحث كمال كبرة (Kamal Nayan Kabra) مختلف أبعاد مشكلة النقل العكسي للتكنولوجيا. حيث يعرض مباشرة هذه الظاهرة على أنها تدفق عكسي من شأنه تكريس اعتماد الدول الأقل نمواً على الخارج في مجال التكنولوجيا. ويبدو ذلك كأنه رسالة واضحة لاستمرار المعادلة الاستعمارية القديمة في شكل جديد عبر تلاقي حاجات الاقتصادات الرأسمالية الناضجة وحاجات الدول التي تعتمد على الخارج، ومسارات التنمية التي ينتهجها الاستعمار الجديد إزاء الدول النامية والتي تقوم فيها الشركات متعددة الجنسية بدور أساسي باعتبارها الأداة الكبرى للاستعمار الجماعي وكنتيجة طبيعية منطقية لتركز أنشطة البحث والتطوير في الدول المتقدمة، إذ إن تركز البحث والتطوير في الدول الصناعية يولّد طلباً كبيراً على الأفراد العاملين في مجال البحث والتطوير، وهذا الطلب لا يمكن مقابلته في معظم الأحيان من مخرجات المؤسسات التعليمية في تلك الدول. ومن ثم يعتبر هذا الطلب المتزايد على العاملين في البحث والتطوير في الدول المتقدمة عامل جذب كبيراً لهؤلاء العاملين من الدول الأخرى غير القادرة على تشغيل طاقاتها البشرية المتعلمة . حيث يخسر هؤلاء فرص الإفادة من هذه الكفاءات سواء من خلال الحصول على التدريب أو تبادل الأفكار . كما تضيف دراسة هجرة شيف ووانغ أن هجرة العقول تؤثر سلباً في قدرة الدول النامية المصدّرة للعقول على استيعاب التكنولوجيا ومن ثم على نمو الإنتاجية الكلية لعوامل الإنتاج، وعليه فمن المتوقع أن يترتب على هجرة العقول انخفاض نمو إنتاجية العوامل في معظم الدول النامية وبخاصة الدول الصغيرة منها. والثاني أن الدول الكبيرة تحقق مكسباً صافياً من هجرة العقول وليس خسارة، وهو ليس حال الدول الصغيرة التي يزداد فيها الأثر السلبي لهجرة العقول على الأثر الإيجابي فتبحث في تأثير الهجرة في النمو الاقتصادي وتكوين رأس المال البشري في الدول المصدرة للعقول، وأنه كلما ارتفع مستوى تعليم الفرد المهاجر ازدادت معدلات الالتحاق بالتعليم، أي تكوين رأس المال البشري، وفي ما يتعلّق بالأثر الإيجابي لهجرة العقول، يلاحظ أن دراسة إسترلي ونياكرو، لم تجد أي تأثير سلبي لهجرة العقول على النمو الاقتصادي ولا على رصيد رأس المال البشري في أفريقيا. التي تهدف إلى البحث في أثر هجرة العقول في النمو الاقتصادي في إيران في الفترة (۱۹۷۵ - ۲۰۰۸)، فقد توصلت إلى أن هجرة المهارات تؤثر إيجاباً في معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي) كما توضح دراسة أندريه مونتفورد من خلال نموذج نظري، كيف أن هجرة العقول يمكنها أن تزيد الإنتاجية في اقتصاد الدولة النامية المصدّرة للعقول، بمعنى أن احتمال هجرة العقول، من خلال زيادتها لنسبة المتعلمين تراكم رأس المال البشري ، يرفع مستوى الإنتاجية ومن : معدل النمو وذلك يعني أن إقبال الأفراد على التعليم طمعاً في تحقيق عوائد من الهجرة المحتملة، قد يوازن الأثر السلبي لهجرة العقول. أما دراستا باين ورفيقيه فتمثلان تقدماً هاماً في الأدبيات المتعلقة بمكاسب هجرة العقول. أن احتمالات الهجرة تشجع على تكوين رأس المال البشري في الدول الفقيرة، وهناك دراسات جمعت بدورها بين النوعين من الآثار السلبي والإيجابي لهجرة العقول، حيث ترى دراسة البنك الدولي أنه يمكن لهجرة العقول أن تخلق حلقة مفرغة في الدولة، مصحوباً بمستويات منخفضة من رأس المال البشري وبفجوة ضخمة في التكنولوجيا. ومن ثم تساعد هجرة العقول الدول الغنية على أن تصبح أكثر غنى على حساب الدول الفقيرة. وهناك عاملان أساسيان مسؤولان عن وقوع الدول الفقيرة في هذه المصيدة وهما: انكماش قاعدة رأس المال البشري المحلي، علماً بأن الابتكار يعد أحد العوامل الأساسية لتحقيق تحسّن مستمر في الإنتاجية. هناك عدة عوامل يتم من خلالها تفاقم الآثار السلبية السابقة، ومن جهة أخرى، فإن حدوث عجز في بعض القطاعات والمهن الهامة مثل المدرّسين والمهندسين والأطباء والممرضات قد يؤثر في إنتاجية فئات أخرى ويقلل سرعة تراكم رأس المال البشري في الدولة. إلى أن ارتفاع العوائد المتوقع تحقيقها في حالة الهجرة يمكن أن يؤدي إلى تشجيع الأفراد على القيام بالاستثمار في رأس المال البشري. وبما أنه من المحتمل بقاء جزء من الأفراد الذين قاموا بهذا الاستثمار في وطنهم الأصلي، إلا أن رأس المال الإضافي المتراكم قد يكون غير مفيد في البلد الأصلي لأن الأفراد قد يقومون باختيار مجالات للدراسة غير مطلوبة في بلدانهم وإنما تحتاج إليها الدول المستقبلة. وتؤدي أيضاً إلى الحد من الفقر فضلا عن أن هذه التحويلات تؤدي أيضاً إلى تقليل معدلات تسرب الأطفال من المدارس وترفع معدلات الالتحاق ونسبة الأطفال الملتزمين بالحضور في المدارس، كما أن هؤلاء إذا قاموا باستغلال المعرفة الإضافية التي حصلوا عليها وما اكتسبوه من رؤوس أموال في الخارج بشكل جيد، وبخاصة أن عودة هؤلاء المهاجرين (الكفاءات المهاجرة) من الدول المتقدمة تساعد على انتقال وانتشار التكنولوجيا المتقدمة إلى الدول النامية، وأيضاً . كما يمكنهم أيضاً المساهمة في تطوير المؤسسات في أوطانهم. وتفترض أن الأفراد يختلفون في مهاراتهم ويتخذون قرارات التعليم في إطار من عدم التأكد بشأن فرص الهجرة في المستقبل. وتميز تلك الدراسة بين نوعين من التأثيرات على النمو الأول أثر مفيد يحدث قبل الهجرة وتطلق عليه أن احتمالات الهجرة تشجع على الاستثمار في التعليم بسبب ارتفاع العوائد المتوقع الحصول عليها في الخارج، والثاني أثر ضار دون شك يحدث بعد الهجرة وتطلق عليه وهو أثر استنزاف العقول بسبب تدفقات هجرة الأفراد المتعلمين . أي يرتفع مستوى رأس المال البشري في المتوسط، ويرجع هذا أساساً إلى أن احتمالات الهجرة يبدو أنها تلعب دوراً هاماً في قرارت التعليم التي يتخذها الأفراد. أما دراسة باين ورفيقيه ، فتبحث في كيفية توازن الآثار الإيجابية والسلبية لهجرة العقول، ولذلك قامت بتقدير أثر احتمالات هجرة الكفاءات في مستويات رأس المال البشري في ١٢٧ دولة نامية. ثم حاولت تلك الدراسة تقدير الأثر الصافي لهجرة العقول في كل دولة،