أولاً: الأبعاد النظرية لدراسة الصناعة (1): عند دراسة الصناعة من الوجهة السوسيولوجية يثور سؤال هام هو: ما هي الأبعاد الرئيسية التي ينبغي على الباحث أو المدارس في علم الاجتماع الصناعي أن يوجه إليها إهتمامه عند دراسته للمنشآت الصناعية؟ وتبدو أهمية هذا السؤال في كونه يعد المدخل الرئيسي الذي لا بد وأن ينفذ منه أي باحث أو دارس يريد أن يسير على نهج واضح عند دراسته للصناعة، كما أن الإجابة عليه تفيد في إلقاء مزيد من الضوء على العلاقة بين علم الاجتماع الصناعي وبين غيره من العلوم الاجتماعية التي تشترك معه في دراسة المنشآت الصناعية. عن الإدارة والعامل أن للمنظمة الصناعية وظيفتين إحداهما اقتصادية: تتمثل في القيام بعمليات الإنتاج، والأخرى اجتماعية: تتمثل في إشباع الحاجات الاجتماعية للأفراد والجماعات التي تعمل في داخل المنظمةویرى روتلر برجر وديكسون أن الاقتصاديين يهتمون بالوظيفة الأولى حيث يدرسونها وفقا لمصطلحات اقتصادية محددة كإصطلاح التكلفة والربح والكفاية الفنية والإنتاج، أما الوظيفة الثانية فتهم المتخصصين في علم النفس والاجتماع ، وما يرتبط بذلك من ضرورة تغيير المؤسسة الصناعية لأسعارها حتى تتمشي مع تقلبات الأسعار في السوق الخارجية ومشكلات التوازن الداخلي Problems of Internal Equilibrium وهي مشكلات اجتماعية في أساسها لأنها ترتبط بإيجاد نوع من التنظيم الاجتماعي يلبي رغبات الأفراد، وعلى الرغم مما بينهما من إختلاف فإن بينهما علاقة متبادلة بحيث يؤثر كل منهما في الآخر ويتأثر به فالآلات تؤثر على الأفراد بحيث أن كل تغير تكنيكى تصاحبه محاولات للتكيف المستمر من جانب العاملين في الصناعة، وأهداف موحدة ويلاحظ أن كل فرد من الأفراد الذين يعملون في المنظمة له خبرات شخصية واجتماعية مغايرة لخبرات الآخرين، ويتأثر سلوك الأفراد في المنظمة بكل من حاجاتهم البيولوجية والاجتماعية وترتبط الحاجات الاجتماعية بدورها بالتاريخ الشخصي للفرد، ولذا فإن فهم التنظيم البشري للمنظمة الصناعية يستلزم النظر إلى كل من الفرد والتنظيم الاجتماعي للمنظمة عن قرب فعلى مستوى الفرد يأتي الفرد إلى مكان العمل مزود بكثير من المشاعر والإتجاهات، وأنواع الأسر التي يتصل بها في المجتمع المحلي، ثم دراسة العمليات الاجتماعية التي يتعرض لها الفرد في مختلف مراحل حياته والتي يستطيع عن طريقها تحديد معاني جديدة للمواقف التي تواجهه فالأسرة وإن كانت تقوم بالدور الأول في عملية التطبيع الاجتماعي، إلا أن الخبرات الاجتماعية للفرد لا تقف عند هذا الحد، وإنما تزداد وتنمو نتيجة لتعدد الجماعات التي ينتمي إليها الفرد في مختلف مراحل حياته، وعلى مستوى التنظيم الاجتماعي للمصنع: فعلى الرغم من أن الفرد يعتبر نقطة البدء في الدراسة، وإنما هي عبارة عن تنظيم اجتماعي يتكون من المديرين والفنيين والمشرفين والعمال والمكتبة، ويتفاعلون معاً وفقاً لتوقعات محددة ومن خلال الإتصال والتفاعل تنشأ بينهم أنماط محددة من العلاقات يتكون منها التنظيم الاجتماعي للمنشأة الصناعية. وعلى الرغم من وجود إختلافات فردية بين العاملين في المنظمة إلا أن الأفراد لا يسلكون سلوكاً فردياً محضاً، وفي المنظمات الصناعية نجد أن هناك نوعاً من التقييم لسلوك الأفراد ومراكزهم ونتيجة للتنوع القائم في بيئة العمل، فإن من الممكن تصنيف جماعات العمل إلى فئات مثال ذلك السيدات المتزوجات الموظفون القدامي، كما تتأثر أنماط التفاعل بين مختلف الفئات بإختلاف الوضع الاجتماعي لكل فئة ، ويمكن قياس درجات التفاعل بين الفئات المختلفة على مقياس للبعد الاجتماعي، فبين مدير الشركة وعامل المصعد يقوم نوع من البعد الاجتماعي، وكذلك الحال بين رئيس العمال والملاحظ والعامل غير أن هناك فارقاً في درجة البعد الاجتماعي في الحالتين ويشبه البعد الاجتماعي إلى حد ما البعد الفيزيقي، فقد يعمل الأشخاص في أماكن متقاربة، غير أن البعد الاجتماعي بينهم قد يكون كبيراً أو العكس. وكما أن لكل موظف أو عامل موقعاً فيزيقياً، فإنه له في نفس الوقت وضعاً اجتماعياً معيناً. ولا يتسم الوضع الاجتماعي بالجمود، بمعنى أن الفرد قد ينتقل من مركز أدنى إلى مركز أعلى أو أن تقدير وضعه الاجتماعي قد يتغير من وقت إلى آخر. ولما كان كل فرد في المنظمة الصناعية يكتسبها مكانته الاجتماعية عن طريق أدائه لعمل معين، وإنما هي وليدة التفاعل الاجتماعي بين الفرد وبين غيره من الأفراد الذين يتفاعل معهم في كافة الجماعات التي يعيش أو ينتمي إليها. وإنما يحمل معه هذه المشاعر أينما ذهب ومن الصعب عليه أن يسلك سلوكاً معيناً بدون أن يعبر عن هذه المشاعر والأحاسيس ت. كما يشتمل التنظيم الرسمي على الأجهزة والسياسات والقواعد والتنظيمات الظاهرة التي تحدد علاقة الفرد بغيره من الأفراد من ناحية، والآخر اجتماعى: الغرض منه تحقيق التعاون بين العاملين في ربح المؤسسة ث دراسة التنظيم غير الرسمي: تشير كل الدراسات التي أجريت في المؤسسات الاقتصادية إلى أن التنظيمات التي تقوم في تلك المؤسسات لا تتمشى مع الخرائط التنظيمية الرسمية. في الوقت الذي ترتبط فيه تلك المشاعر والإنفعالات والقيم بتكوين الجماعات غير الرسمية. ويستدلون على ذلك بما حدث في تجربة "بنك "الأسلاك" إلا أن ذلك لا يحدث إلا إذا وجد تناقض بين العاملين في المؤسسة وبين التنظيم الرسمي بها. وإنما تنشأ أيضاً على المستوى الإداري العالي. : يوجد نوع من التنظيم يتمشي مع كل للمنظمة ج دراسة التنظيم الإيديولوجي من التنظيمين الرسمي وغير الرسمي ويعرف باسم التنظيم الأيديولوجي، وبعض هذه الآراء والمعتقدات يمكن التعبير عنه بصراحة ووضوح ، كما أنه قد يحدث في بعض الأحيان إنفصال بين هذه الأفكار وبين الواقع الاجتماعي الذي تعبر عنه. فيشيران إلى أنه لما كان المصنع نسقاً اجتماعياً يتكون من مجموعة وحدات يقوم بينها نوع من الترابط والتساند الوظيفي، غيرها كأن يتغير التنظيم الاجتماعي أسرع من التنظيم الرسمي، أو يتغير التنظيم الأيديولوجي أسرع من أنماط التفاعلات وألوان السلوك التي تعبر عنها تلك الأفكار والمعتقدات أو أن التنظيم التكنيكي يتغير بسرعة أكبر من التنظيم الاجتماعي، وفي هذه الحالة تحدث حالة من عدم التوازن وعدم الإستقرار وقد حاول الباحثون في مختلف الدراسات التي قاموا بها أن يؤكدوا على التفاوت في سرعة التغير بين التنظيم المادي للمصنع والتنظيم الاجتماعي، وربطوا بينه وبين مقاومة الأفراد للتغير من حيث أن التنظيم المادي الجديد قد يتسبب في فقدان الأفراد لمكاناتهم الاجتماعية. ولما كانت هذه المكانات ترتبط بها مشاعر وأحاسيس وقيم إعتاد عليها العاملون فإن من الصعب عليهم أن يتقبلوا التغيير بالنسبة لأشياء الفوها واعتادوا عليها وثمة إحتمال أخر لحدوث حالة عدم التوازن، ويتمثل في العلاقة بين التنظيم الأيديولوجي والمواقف الفعلية للعمل. فالتنظيم الأيديولوجي قد يعبر عن بعض قيم التنظيم الاجتماعي الرسمي دون أن يعبر عما يجول بمشاعر الأفراد وما يعتمل في نفوسهم، وينتهي رولز برجر وديكسون من هذا العرض إلى تأكيد أهمية التنظيمات غير الرسمية وما يرتبط بها من قيم ومعتقدات في تحقيق التعاون والتضامن بين العاملين المنظمة،