ولا معنى شريكه والمعاون له على أموره، وعلى ما لا يبلغه من حاجات نفسه إلا بغيره. وعلى قدر وضوح الدلالة وصواب الإشارة، يكون إظهار المعنى. والدلالة الظاهرة على المعنى الخفي هو البيان الذي سمعت الله عز وجل يمدحه، والبيان اسم جامع لكل شيء كشف لك قناع المعنى، ويهجم على محصوله كائنا ما كان ذلك البيان، وجميع أصناف الدلالات على المعاني من لفظ وغير لفظ، وهي التي تكشف لك عن أعيان المعاني في الجملة، قال أبو عثمان: وكان في الحق أن يكون هذا الباب في أول هذا الكتاب، وقالوا: البيان بصر والعي عمى، والعي من نتاج الجهل وقال سهل بن هارون: العقل رائد الروح، وقال صاحب المنطق: حد الإنسان: الحي الناطق المبين. وقال يونس بن حبيب: ليس لعيي مروءة، ولا لمنقوص البيان بهاء، ولو حك بيافوخه أعنان السماء. وقالوا: شعر الرجل قطعة من كلامه، وقال ابن التوأم: الروح عماد البدن، والبيان عماد العلم. ويكون وعيدا وتحذيرا. وبعد فهل تعدو الإشارة أن تكون ذات صورة معروفة، وقد قال الشاعر في دلالات الإشارة: أشارت بطرف العين خيفة أهلها … إشارة مذعور ولم تتكلم فأيقنت أن الطرف قد قال مرحبا … وأهلا وسهلا بالحبيب المتيم وللقلب على القلب … دليل حين يلقاه وفي العين غنى للمر … ء أن تنطق أفواه ترى عينها عيني فتعرف وحيها … وتعرف عيني ما به الوحي يرجع وعين الفتى تبدي الذي في ضميره … وتعرف بالنجوى الحديث المعمسا والعين تنطق والأفواه صامته … حتى ترى من ضمير القلب تبيانا هذا ومبلغ الإشارة أبعد من مبلغ الصوت. والجوهر الذي يقوم به التقطيع، ولا تكون الحروف كلاما إلا بالتقطيع والتأليف. مع الذي يكون مع الإشارة من الدل والشكل «1» والتقتل والتثني «2» ، قد قلنا في الدلالة بالإشارة. فمما ذكر الله عز وجل في كتابه من فضيلة الخط والإنعام بمنافع الكتاب، قوله لنبيه عليه السلام: اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. وأقسم به في كتابه المنزل، ولذلك قالوا: القلم أحد اللسانين. كما قالوا: قلة العيال أحد اليسارين. وقالوا: القلم أبقى أثرا، وقال عبد الرحمن بن كيسان: استعمال القلم أجدر أن يحض الذهن على تصحيح الكتاب، من استعمال اللسان على تصحيح الكلام. وقالوا: اللسان مقصور على القريب الحاضر، والكتاب يقرأ بكل مكان، وعظم قدر الانتفاع به قول الله عز وجل: فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وقال جل وتقدس: الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ. الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ وقال جل وعز: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِ ولولا معرفة العباد بمعنى الحساب في الدنيا لما فهموا عن الله عز وجل معنى الحساب في الآخرة. واختلال كل ما جعله الله عز وجل لنا قواما، وأما النصبة فهي الحال الناطقة بغير اللفظ، كل يؤدي عنك الحجة ويشهد لك بالربوبية موسومة بآثار قدرتك، فأوصلت إلى القلوب من معرفتك ما أنسها من وحشة الفكر، فهي على اعترافها لك، ومتى دل الشيء على معنى فقد أخبر عنه وإن كان صامتا، وقال عنترة بن شداد العبسي جعل نعيب الغراب خبرا للزاجر: حرق الجناح كأن لحيي رأسه … جلمان بالأخبار هش مولع وأنشدني أبو الرديني العكلي، يستخبر الريح إذا لم يسمع … بمثل مقراع الصفا الموقع يمدح سليمان بن عبد الملك: أقول لركب صادرين لقيتهم … قفا ذات أوشال ومولاك قارب «1» قفوا خبرونا عن سليمان إنني … لمعروفه من أهل ودان طالب «2» فعاجوا فأثنوا بالذي أنت أهله … ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب وقال علي رحمه الله: «قيمة كل امرئ ما يحسن» . وأحسن الكلام ما كان قليله يغنيك عن كثيره، صنع في القلوب صنيع الغيث في التربة الكريمة. ومتى فصلت الكلمة على هذه الشريطة، أصحبها الله من التوفيق ومنحها من التأييد، وقد قال عامر بن عبد قيس: «الكلمة إذا خرجت من القلب وقعت في القلب، وقال علي بن الحسين بن علي رحمه الله: لو كان الناس يعرفون جملة الحال في فضل الاستبانة، وجملة الحال في صواب التبيين، ولوجدوا من برد اليقين ما يغنيهم عن المنازعة إلى كل حال سوى حالهم. ومفتون بالعجب ومعدول بالهوى عن باب التثبت، وقد جمع محمد بن علي بن الحسين صلاح شأن الدنيا بحذافيرها في كلمتين، وكان ابن عمير أغلاهم. عن العباس ابن محمد قال: قيل لعبد الله بن عباس: أنّى لك هذا العلم؟ قال: «قلب عقول، وقد رووا هذا الكلام عن دغفل بن حنظلة العلامة. والدليل على ذلك قول الحسن: إن أول من عرف بالبصرة ابن عباس، قال: قيل للحسن: يا أبا سعيد، إن قوما زعموا أنك تذم ابن عباس. ثم قال: إن ابن عباس كان من الإسلام بمكان، إن ابن عباس كان من القرآن بمكان، قالوا: وقال علي بن عبد الله بن عباس: من لم يجد مس الجهل في عقله، قالوا: وذكر محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، بلاغة بعض أهله فقال: إني لأكره أن يكون مقدار لسانه فاضلا على مقدار علمه، كما أكره أن يكون مقدار علمه فاضلا على مقدار عقله. والمعنى الرفيع الكريم. لم تنق من أوضار كلامهم، وفي فساد البيان إلى أكثر من ترك التخير ومما يؤكد قول محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، وذكر المغيرة بن شعبة عمر بن الخطاب رحمه الله فقال: «كان والله أفضل من أن يخدع، وقال محمد بن علي بن عبد الله بن عباس: «كفاك من علم الدين أن تعرف ما لا يسع جهله، وكان عبد الرحمن بن إسحاق القاضي يروي عن جده إبراهيم بن سلمة، قال: سمعت أبا مسلم يقول: سمعت الإمام إبراهيم بن محمد يقول: يكفي من حظ البلاغة أن لا يؤتى السامع من سوء إفهام الناطق،