جيش واحد لدولة واحدة من أكثر المھام حساسیة التي تولّیتها في حیاتي بناء جیش موحد للدولة الجديدة. الجیش دائماً ھو الرادع للأعداء الخارجیین، وھو الضامن للتماسك الداخلي، وھو الحامي من الفوضى وقت الأزمات الكبرى، وھو الفاصل وقت النزاعات، وھو الحامي لكافة المكتسبات، وھو الضامن للاستقرار الذي تبحث عنه الاستثمارات. وفي حالة دولة الإمارات، كان التحدي الرئیسي بناء جیش رادع لأعداء الخارج وضامن لاستقرار الداخل، أي قبل العام . 1976 كانت خطتي التي وضعتھا قبل ثلاثة أعوام تمضي بطريقة منتظمة بفعل حماسة الرجال، وبفضل الروح الجديدة التي كانت تسري في الدولة، وبدعم الشیخ زايد والشیخ راشد اللذين باركا الخطة بعد أن عّدلا علیھا وراجعاھا مراراً معي. فور تأسیس الاتحاد في 2 ديسمبر ، 1971 ُ بدأت العمل على إدارة عملیة تسلّم المھام من القوات البريطانیة، كنت أعرف قاعدة سلاح الجو الملكي في الشارقة حق المعرفة. وفي 22 ديسمبر، تسلمت منھم "قوة ساحل عمان" التي تحولت إلى "قوة الدفاع الموحد" المكونة من سلاح الجو الملكي وكتیبة المشاة التي ضمت نحو 2500 فرد. وكانت ھذه القوة قد شكلتھا بريطانیا في العام 1951 لبسط الأمن والاستقرار في المنطقة الممتدة من أبوظبي إلى رأس الخیمة باستخدام بريطانیین ممن خدموا في الھند وعدد محدود من الأفراد تمت استعارة معظمھم من الفیلق العربي في الأردن، والموسیقى العسكرية، ومدرسة تعلیم الصغار. وقد شكلت تلك القوة نواًة صلبة لقواتنا المسلحة التي توسعت لتضم قوات دفاع الإمارات لاحقاً المحلیة التي أنشئت من قبل حكام الإمارات كقوة دفاع أبوظبي وقوة دفاع دبي والقوة المتحركة برأس الخیمة والحرس الوطني بالشارقة والحرس الوطني لأم القیوين. الھدف الأول الذي سعيت لتحقیقه بصفتي وزيراً للدفاع ھو توحید قواتنا المسلحة قبل حلول العام . 1976 عملت لفترة طويلة على ھیكلیة القیادة والاستراتیجیة العسكرية الخمسیة، وبالفعل ُ التزمت بالإطار الزمني الذي كنت قد وضعته لنفسي. كانت ّ لدي قوة قادرة على الدفاع عن الوطن في حال تعرضنا لھجوم، وھي موجودة في مواقعھا منذ عام. وبقي علي فقط الانطلاق لتنفیذ ھذه الاستراتیجیة وبدء العمل بموجبھا. حظیت بتعاون كامل من قادة الإمارات، بخاصة الشیخ زايد والشیخ راشد للخروج باستراتیجیة تعبر عن الإمارات كافة، وتثمر عن تشكیل جیش قوي لشعبنا. فقد حظیت بدعمھم الكامل، وبتشجیعھم أيضا. تمكّنت من تحديد الآلات والتكنولوجیا التي نحتاجھا، كما حرصت بنفسي على تجربة وفحص كل قطعة من المعدات والآلات التي كنا نجلبھا. كنت قادراً على رؤية وتحديد ما الذي سینجح في صحرائنا، وما الذي سيكون فعالا ومناسبا للتضاريس المختلفة، وما الذي سیقاوم أشعة الشمس الحارقة وينقذ حیاة رجالنا في الوقت نفسه. ولذلك كانوا على يقین – كما كنت أنا – بأن المیزانیة التي وضعُتھا لا تتضمن ّ أي ھدر على الإطلاق. في ذلك الوقت، كان لدي نواة من الرجال الذين تدرجوا في الرتب خلال ثلاث سنوات من التدريب والتعلیم وفقاً للبرامج التي وضعُتھا، وكنت قد أجريت محادثات على مستوى عال مع جیوش المنطقة، وأرسلت مجموعات صغیرة تتكون الواحدة منھا من عشرين رجلاً للمشاركة في دورات تدريب العملیات في المنطقة. كان لابد أن يفھم ضباطي انظمة تلك الجیوش، ويتعرفوا على كیفیة التعاون معھا، ولذلك قمنا بتجربة الأسلحة والأنظمة وھیاكل القیادة الخاصة بتشكیلة واسعة من جیراننا من الأردن ومصر والسودان. إلى بريطانیا تقدما وإيطالیا وفرنسا. وھكذا، وبفضل مجموعتي النخبوية التي حققت تقدما ملحوظا بالفعل، ُ أدركت أنني سأتمكن من تفويض بعض صلاحیاتي لھم خلال فترة زمنیة وجیزة، ومعنى ذلك أنه سیتسنّى لي العمل على إنشاء وزارة الدفاع والتي كانت تتطلب وقتاً أطول. كنت أعرف أن مأسسة الوزارة تعتمد في المقام الأول على العلاقات والشبكات التي كنّا سنقیمھا وننشئھا خلال أقصر وقت ممكن. لذلك، ُ بدأت بعقد عدد ھائل من الاجتماعات مع نظرائي وزراء الدفاع في بلدان المنطقة. كما كان ھناك مبعوثون من طرفي يتنقلون ذھاباً وإياباً بشكل يومي. وعلى الرغم من ضغط العمل إلا انني حرصت ألا أفوت تدريب صباحي في ساحة العرض مع رجالي، لأنني كنت حريصاً على متابعة التطورات بدقة، والاطلاع على المستجدات أولاً بأول. كان العمل لتسع عشرة ساعة جزءاً من حیاتنا الطبیعیة. ورأى رجالي بكل شفافیة أننا اخترنا أفضل المعدات العسكرية المتوفرة آنذاك، ما أضفى السعادة على الجمیع. كانت دبابات "سكوربیون" (Scorpion (مناسبة للغاية من حیث الوزن وخفة الحركة التي تتطلبھا تضاريسنا الصحراوية. وقد وصلت مروحیات "بیل" (Bell (من تكساس، وكلھا قمت بفحصھا بنفسي. بقدر ما كانت تلك الأيام عظیمة، فقد انطوت على الكثیر من التحديات والمخاطر. عندما كان رجالي يلبون النداء للقتال كنت أقاتل إلى جانبھم. وتوترات إقلیمیة، وتھديدات مستمرة. لكن كنا نعرف أننا نمضي في الطريق الصحیح، وأن قواتنا المسلحة لا تزيدھا السنوات إلا قوة وتقدماً وتطورا وبحكمة زايد وراشد وجھود المخلصین من أبناء القوات المسلحة ومعنوياتھم العالیة استطعنا،