الحكم في الجاهلية وليدة حوادث الدهر وتجاربه ، وما تواضعت عليه في ناموسها الفطري من الآداب الخلقية والاجتماعية، ترشد البدوي إلى منافعه، وتبعده عن مضاره تزين له الفضائل التي تحمدها الحمية الجاهلية كتعظيم القوة وتحقير الضعف، وظلم البعداء والحلم على الأقرباء، ولم تسمح لهم بيئتهم الطبيعية والاجتماعية بأن يخرجوا في آرائهم إلى نظم إصلاحية عامة، لا كلية شاملة تتوخى خير الجماعة، وتعنى بعلاج مشاكلها، ووضع الشرائع و القوانين لتقويمها وصلاحها. نطقوا بالحكمة وضربوا الأمثال على تفاوتهم في القلة و الكثرة، تواطأوا عليها كما تواطأوا على مختلف المعاني والتعابير، وقلما وقعت على فلسفة شخصية يتميز فيها الواحد منهم عن الآخر مع ما يبدو عليها من سذاجة وضعف في الأحكام وتعليل الأسباب.