وقلت لها كما قال لها علي بن أبي طالب من قبل: «إليك عني، لو لم يكن في الأمر إلا أنْ أخسرَ دِيني فأربح دنياي أو أخسر دنياي فأربح ديني، أو تمتد حجابًا بيني وبين ربي، وأعلن فيه إسلامه بين هياجهم ونقمتهم، لأن التمسك محافظة المرء على العمل بأوامر الدين ونواهيه، والتعصب بغضه لمخالفيه في دينه بغضًا يحمله على محاولة النكاية بهم، والعبث بما حقن الله من دمائهم، لأن التهاون ترك المرء العمل بما فرض الدين عليه أن يفعل أو أن يترك، بحيث لا يعد تلك الفروق الدينية التي بينه وبينهم وسيلة إلى بغضهم، » وكيف يستطيع المسلم أن ينفرد بنفسه عن دينه في موطنٍ من المواطن أو مذهبٍ من المذاهب وهو رفيق طَيَّته ولصيق نفسه، ذلك أنَّ المسلم لا يستطيع ألَّا يعطف على أخيه المسلم عطفًا خاصًّا به فوق عطفه على غيره من أفراد البشر؛ لأنه مأمورٌ أن يكون منه بمنزلة اللبنة من اللبنة في البناء الواحد؛ دون أن يغضب لها؛ إلا إذا نظر فيما أحل الدين من البيع وحرم من الربا، وكما لا يستطيع أن يخرج عن أحكام الدين في شيءٍ من هذا، فلتنعموا أيها المسيحيون بالًا وَلِتَثْلُجُوا صدورًا، ولتعلموا أنَّ المسلم لا يستطيع أن يكون متعصبًا ما دام متمسكًا بدينه؛ لأن في تعصبه هدمًا لأعظم ركنٍ من أركان الدين الذي يتعصب له. وإنما هو متمسكٌ بدينه تمسككم بدينكم، أي إنهم يبغضون المسيحيين ولا يقاطعونهم، ويدعون عليهم بالهلاك ولا يمدون إليهم يد سوءٍ، ويتمنون لهم الخسران وهم يحمونهم مما يحمون منه أنفسهم وأولادهم. فهذا التعصب — لو تبينتم — مظهرٌ من مظاهر الحماقة والبَلَه لا أثر له في نفوسهم، لا يريد بكلمته هذه مصارحته برأيه فيه، بل خديعته عن دينه والهجوم على قلبه، وكانوا لا يدركون فرق ما بين التمسك والتعصب، ولا على إقامة الصلوات في أوقاتها في مجتمعٍ عام، أي تهمة التدين، لأني أعتقد أنَّ كلينا يعبد إلهًا واحدًا، » وربما كان يضمر له في قلبه في تلك الساعة من العداوة والبغضاء ما لو طارت شرارةٌ منه لأحرقتهما جميعًا وتركتهما رمادًا تذروه الرياح. وعندي أنَّ الأفضل من هذا الرياء الكاذب والدهان المصنوع أنْ يقول له: «إني أعتقد صحة ديني، لأني إنْ أحببت الذي يساعدني على حفظ مالي أو صيانة ولدي حبًّا جمًّا، فأَحْرَى بي أن أحب الذي يساعدني على حفظ ديني الذي هو أعز عليَّ من نفسي وولدي حبًّا لا حد له. ولا نفعها بضرها، والتباغض فيه شيءٌ آخر، وأنَّ الدين الذي يسوق العالم إلى الهلاك والفناء لا يمكن أن يكون دينًا إلهيًّا. إنَّ الإبهام والإغماض في التدين يقتل الدين في نفوس المتدينين قتلًا لا حياة له من بعده، ولو كان دون ذلك موته صبرًا، كما كان اطِّراحه وسيلة تقدم المسيحيين، فليذكر دائمًا كلمة ذلك الرجل العظيم السيد جمال الدين الأفغاني في قوله: «ترك المسيحيون دينهم فتقدموا، بين مهاجرٍ يأكل خبزهم، أو ينغص عليهم عيشهم بمشاغبتهم ومجادلتهم، كان آتيهم شرًّا من حاضرهم، أنا لا أريد بالجامعة الإسلامية أن يجتمع المسلمون على قتال المخالفين لهم في دينهم،