الإسلام ثورة على الجهل والتخلفرغم عظمة الإسلام وسمو تشريعاته وعدالة أحكامه ووسطية منهجه في الحياة، فإن الافتراءات والأكاذيب الغربية التي تحاول النيل منه، وصرف المسلمين وغير المسلمين عنه تتواصل وتتكرر على ألسنة السياسيين ورجال الدين وأدعياء الفكر والثقافة، ولا يمل هؤلاء من التكرار ولا يتوقفون عن ترديد الأباطيل والأكاذيب على أمل أن تتحقق أهدافهم وينتشر باطلهم، لكن الإسلام الذي وعد الحق بحفظه وحمايته كان وسيظل شامخا قادرا على الصمود والتصدي لكل الأباطيل والأكاذيب والأوهام. ويكسب كل يوم رغم حملات التشويه قلوبا مؤمنة وعقولا مستنيرة هداها الله إلى طريق الحق والخير. من أبرز الافتراءات والأكاذيب التي يرددها خصوم الإسلام في الغرب وانخدع بها - للأسف - بعض المسلمين الزعم بأن الإسلام دين جامد يعادي الحياة، ويقف في طريق النهضة والتقدم، والدليل على ذلك ما تعاني منه المجتمعات الإسلامية الآن من تخلف وعدم قدرتها على ملاحقة الثورة العلمية والصناعية التي يعيشها الغرب. ومن هنا ينصح هؤلاء الخصوم المسلمين بضرورة عزل الدين عن حياتهم العلمية، والاكتفاء بالتعبد به في المساجد وفي المناسبات الدينية مثل شهر رمضان وموسم الحج. والواقع أن هذه التهمة التي يحرص خصوم الإسلام من المستشرقين والكتاب الغربيين على إلصاقها بالإسلام ظلماً وعدواناً تستهدف إفقاد المسلمين الثقة في دينهم، وصرف النخبة من العلماء والباحثين في مختلف المجالات عن توجيهاته لضبط أبحاثهم وإنتاجهم العلمي بالقيم الأخلاقية الإسلامية. فالإسلام من خلال تعاليمه وتوجيهاته وأحكامه في مختلف مجالات الحياة دين نهضة وتقدم وحضارة، ولو رجع هؤلاء الحاقدون إلى القيم الحضارية التي جاء بها الإسلام لصمتوا وتوقفوا عن اتهاماتهم الظالمة وأدركوا أن الإسلام استطاع أن يقيم أعرق حضارة ملأت الدنيا علماً ونوراً وثقافة وحضارة في حقبة قصيرة من الزمن وأن هذه الحضارة كانت الأساس الذي أقام عليه الغربيون حضارتهم المعاصرة. وما يؤكد أن التعصب والأحقاد المتوارثة هي التي تدفع بعض المستشرقين والكتاب الغربيين إلى إلصاق تهمة التخلف والجمود بالإسلام والتقليل من شأن الحضارة الإسلامية التي ملأت الدنيا علماً ونوراً، أن المصنفين من العلماء والمفكرين والباحثين الغربيين قد شهدوا بعظمة حضارتنا الإسلامية وأكدوا في كتاباتهم وأبحاثهم أن الإسلام بقيمه السامية استطاع إقامة حضارة متميزة وأن ما نشهده الآن من تخلف في مجتمعات المسلمين هو نتيجة إهمال هذه القيم الحضارية التي جاء بها الإسلام وليس العكس. يقول الدكتور أحمد الطيب رئيس جامعة الأزهر: اتهامات بعض الغربيين للإسلام بالتخلف وتشجيع بعض المسلمين على عدم إعمال عقولهم وأياديهم لتحقيق التنمية والتقدم في مختلف المجالات لا تنطلق من معرفة حقيقية بالإسلام وقيمه الحضارية، ولكنها تكشف عن جهل الغربيين برسالتنا الإسلامية، وهي في حقيقة الأمر رسالة حضارية متميزة، وهذا ما اعترف به الغربيون المنصفون سواء كانوا من كبار الساسة أو المفكرين والكتاب والباحثين والمثقفين العاديين الذين تعرفوا الى الإسلام وحضارته من المصادر الأساسية ولم يتأثروا بالمعلومات المتوارثة في الثقافة الغربية عن الإسلام ومعظمها صاغته عقول جامدة ومتخلفة، وكان لبعض رجال الدين المسيحي المتعصبين الدور الأكبر في ذلك ثم تبعهم المستشرقون الذين توارثوا هذا الكم الهائل من المعلومات الخاطئة عن الإسلام وأخذوا يروجون لها في كتبهم وأبحاثهم. المفكر الإسلامي الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف المصري يؤكد أن الإسلام جاء بقيم حضارية كفيلة في حالة تطبيقها بإقامة مجتمع حضاري متميز في كل شيء، فالقرآن الكريم - وهو دستور المسلمين الخالد والمصدر الأساسي للتشريعات الإسلامية - يشتمل على تقدير كبير للعلم والعلماء، وحث على النظر في الكون ودراسته وعمارة الأرض، والآيات الخمس الأولى التي نزلت من الوحي الإلهي تنبه إلى أهمية العلم والقراءة والتأمل، وهذا أمر كانت له دلالة مهمة انتبه إليها المسلمون منذ البداية، وهكذا فإن انفتاح الإسلام على التطور الحضاري بمفهومه الشامل للناحيتين المادية والمعنوية لا يحتاج إلى دليل. والقيم الحضارية الإسلامية - كما يوضح الدكتور زقزوق - متعددة ومتنوعة وشاملة لكل مجالات الحياة. وفي مقدمة هذه القيم قيمة العلم التي جعلها الإسلام أهم القيم التي ينبغي أن يحرص عليها الإنسان المسلم ويبذل في سبيل ترسيخ أركانها كل غالٍ ورخيص، وقد جعل الإسلام الأمية عارا يمثل وجودها تعطيلا لجهود التنمية والتقدم. وإلى جانب العلم ودفع الإسلام الإنسان إليه بكل الوسائل تأتي قيمة العمل، وقد كانت النصوص الإسلامية من قرآن كريم وأحاديث نبوية صحيحة تدفع الإنسان إلى كل عمل مفيد ونافع له ولأسرته وللمجتمع الذي يعيش فيه، فالعمل في فلسفة الإسلام إحدى مسؤوليات الإنسان الأساسية التي لا غنى عنها في هذه الحياة، فكل إنسان يريد أن يعيش حياة كريمة عليه أن يعمل وأن يبذل كل جهده للمساهمة في ترقية الحياة ولا يجوز - في نظر الإسلام - أن يكون الإنسان المسلم طفيليا يأكل من خيرات الأرض ويستفيد من جهد الآخرين دون عمل نافع ومفيد. وإلى جانب العلم والعمل احترم الإسلام عقل الإنسان وحقه في إعمال عقله في كل ما يحيط به في هذا الكون لاستثمار عناصر الكون الاستثمار الأمثل، وجاء الإسلام أيضا بقيم حضارية متميزة لضبط سلوك الإنسان ضبطا أخلاقيا وحضاريا فغرس في الإنسان كل معاني الانتماء والولاء للدين والأسرة والمجتمع الذي يعيش فيه وجعل التعاون والتكامل بين المسلمين فريضة وغرس في المسلم قيم احترام النظام واحترام الوقت وعدم إهداره فيما لا يفيد، إذ لا عمل ولا إنتاج في حالة إصابة المسلم بالإحباط، وحث الإسلام المسلم على النظافة والأمانة والوفاء والحياء والتواضع والتسامح والرحمة والبشاشة والصداقة وكلها قيم لازمة لصناعة الحضارة الراقية المتكاملة التي تحقق للإنسان كل مطالبه المادية والمعنوية. وحقائق التاريخ تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الإسلام بقيمه الحضارية المتميزة قد استطاع بعد فترة وجيزة أن يقيم حضارة رائعة كانت من أطول الحضارات عمرا في التاريخ ولا تزال الشواهد على ذلك ماثلة للعيان فيما خلفه المسلمون من علم غزير في شتى مجالات العلوم والفنون، وتضم مكتبات العالم آلافا مؤلفة من المخطوطات العربية الإسلامية تبرهن على مدى ما وصل إليه المسلمون من حضارة عريقة. يضاف إلى ذلك الآثار الإسلامية المنتشرة في كل العالم الإسلامي والتي تشهد على عظمة ما وصلت إليه الفنون الإسلامية. وحضارة المسلمين في الأندلس وما تبقى من معالمها حتى يومنا هذا شاهد على عظمة الحضارة الإسلامية في أوروبا نفسها، وكان ذلك هو الأساس الذي بنت عليه أوروبا حضارتها الحديثة. المفكر الإسلامي الدكتور أحمد كمال أبو المجد يؤكد أن مجتمعات المسلمين تعاني فعلا من التخلف والركود الحضاري، لكن إسناد هذا التخلف أو إلصاقه بالإسلام خلط فاضح للأوراق، فالمسلمون تقدموا عندما ارتبطوا بدينهم والتزموا بتعاليمه،