أحمد المديني في «كتابة أخرى»: التحرر من القوالب التقليدية وضوابط التجنيس ابراهيم خليل إلا أنه ناقدٌ، وباحث في الأدب العربي الحديث عامة، وهو «كتابة أخرى، سرد عربي مختلف» (دار الأمان ـ الرباط) وهذا العنوان يشير ـ بلا مواربة ـ لهدف المؤلف، وسائد. وفي الكتاب فصول يتناول فيها نماذج من القصة القصيرة، إلى بناء جديد يتجاوز التقليد، الذي طبعت به هاتيك الكتابات، وأحمد الصفريوي، ومحمد الأشعري، ويضم الكتاب إلى جانب هؤلاء كتابًا من مثل مبارك ربيع، وطارق إمام من مصر، عدا عن روايات أخرى لا داعي لذكرها ذكرًا لا يضيفُ جديدًا لما سبق. أو شبه شاملة، لحاضر السرد العربي اليوم من زاوية البحث عما جدّ فيه وتراءى من أساليب تجعل من هذه السردية سردية جديدة. مؤكدا دلالاتها على الاتجاه الجديد الذي يختلف به هذا القاص وينماز عن غيره، فهو من مواليد 1927. وانثيالات تتوهج شعرا ومجازا. مؤكدا أنه ـ أي شاكير- صائد كلمات، وعازف إيقاعات، ورسام يستهويه إعلاء المجرّد على المشخص، وهذا في رأي المديني يضع قصص الكاتب في الموضع الذي يجعل المتلقي يتلذذ بالانفصال عن التقاليد الجامدة. ويشبّه المديني قاصا آخر مغربيا هو أنيس الرافعي بالمختبر الذي يسعى لإيجاد كتابة جديدة باستخدام المحاليل التي تضفي على السرد نكهة ومذاقا جديدين كل الجدة. وأما التي تسْتثير المديني وتستحوذ على عنايته فهي الموسومة بعنوان «اعتقال الغابة في زجاجة» (2011). متحررة من التجنيس. إذ تستعين هذه الكتابة بأدوات تحيل القصة القصيرة إلى ما يسميه «نصّ البَيْنَ بين». ما يؤكد توجه السرد العربي نحو اللامألوف، مبدعا ودارسًا، اختلاف السرد العربي اليوم عنه بالأمس البعيد، وحتى القريب. ومع ذلك لا بد لهذا الكاتب من أن يتدبر تجريبيته وحداثته، تدبُّرا يضفي على قصصه شكلا يقربها من قصص الكتّاب الذين سبقوه، وإلا استحالت التجربة عنده إلى مرحلة عبور لا حُضور، وهذه البدائل توسع الخرق بالنسْج على غير مثال، وهذا واضحٌ وجليٌ في المجموعة «أريج البستان في تصاريف العميان» التي تحيلنا إلى ما يسميه المديني آلية التناص المعززة بالأسانيد، وعن فرح البنات بالمطر الخفيف للمغربي ياسين عدنان يقول، بعد وضْع القارئ في أجواء القصص الثماني عشرة: فاللافت للنظر هو استغناء الكاتب عن الراوي، وتنحيته ضمير الغائب جانبًا، والاكتفاء بالمتكلم أو المخاطب. والكشف عما تضمره الظنون بين شريط التذكر، والاستعادة بالتداعيات التي تصل بين زمنين في لقطات شعورية تراوح بين الماضي والحاضر، فهي نص ينفتح على أنواع أخرى من الأقوال، والنصوص، والأجناس. فهو يتفنن في ذلك ما استطاع. وكأنّ كتابته هذه امتداد لتجارب فؤاد التكرلي من العراق، وعبدالله البصير، وغيرهما ممن يجمعهم الوضع الطبقي الهش. ومع ذلك الثناء لا ينفي المديني أنّ في «أهل البياض» حبكة مصطنعة، ولاسيما تلك التي يروي فيها الراوي ما جرى للفتاة فائزة، والتهمة التي رُميَ بها الشرطي ميمون. معتمدا بدائل فنية في التعبير الأقصوصي. لا أباديدَ متناثرة. فكأنها قطع من الآجرّ تتآلف، وتتضافر، وهذه البنية تنسجم مع مفهوم الغزالي للقصة الذي يقوم على الحُلُم، وعلى التناوب بين الخفاء والتجلي، ويُعدُّ التهجين – أي الجمع بين سلالتين أدبيتين في الرواية – السمة اللافتة لرواية «موسم صيد الزنْجور» ـ نوع من السمك- للكاتب نفسه. فإذا تجاوزنا تقسيمها لفصول، فإن النتيجة المستصفاة من هذا التحليل النقدي هي جمع المؤلف بين أنواع أدبية عدة، عابرٌ للأنواع الأدبية، وينزع فيه الكاتب نزوعًا تلقائيا لخلخلة القوالب، وعلى القراء ممن يبحثون عن الجديد لهذا الفن. التي تناولها في الكتاب توجها للتحرر من قيود التجنيس، الذي لم يسم مجموعاته قصصا، بل اكتفى بكلمة نص على الغلاف، ففي هذه الأخيرة نسيج روائي ينقض، ويحفرُ، إلى ما لا نهاية، من حيث أنه يزن الألفاظ مثلما توزن الأحجارُ الكريمة. والطوارقي عمر الأنصاري، مؤلف «طبيب تمبكتو» (2011) وعالية ممدوح مؤلفة «الأجنبية» 2013 وإلياس فركوح مؤلف «غريق المرايا» (2012). ما يؤكد توجه السرد العربي نحو اللامألوف، مبدعا ودارسًا، والقرائن الملموسة، وحتى القريب. والتحول في المستويات الأخرى للغة، والجنوح إلى العجيب والغريب. بين الروائيين الذين أصَّلوا هذا الفن،