فقد سبق الفرس إلى الحضارة و النظام ، كان الجهاد و التغالب بين الحضارة الفارسية والبداوة العربية ، بين الحياة المترفة المعقدة والحياة الساذجة الهينة . لم يكن هذا الجهاد عنيفا حين كانت الحياة المادية موضوعه ، فكل الناس يؤثر اللين على الخشونة ويفضل النعمة على البؤس ويحرص على أن يستبدل الإثراء بالعدم وإنما كان الجهاد عنيفا بعضى العنف حين كانت الحياة العقلية موضوعا له ، فاشتد النضال بين أنصار العادات العربية القديمة و السنن العربية الموروثة ، فانتصرت الحضارة واشتدت فيها رغبة العرب من أهل المدن على اختلاف طبقاتهم ومنازلهم الاجتماعية ، وكان هذا الانتصار عاما تناول الحياة المادية و العقلية وتناول معهما حياة الشعور ، ففكر العرب المحدثون بطريقة تخالف مخالفة شديدة تفكير العرب القدماء وعاشوا في قصورهم عيشـة تخالف عيشـة آبائهم وقد آثر هؤلاء المحدثون من العرب عيشة الفرس وتغير الفـرس وتفكيرهـم ، على عيشة العرب وتفكيرهـم ، ووجـد هؤلاء الشعراء والكتاب والفلاسفة الذين كانوا يسخرون من كل قديم ويحتفلون من كل جديد ويجهرون بذلك حينا ويسرون حينا آخر يامنون معه دهرا ، ويلقون في سبيل الموت من وقت إلى وقت وجد مطيع بن إياس الذي كان لا يبالي أكان عفيفا أم مرذول السيرة ،