يمثل النقد اليوناني أقدم أشكال النقد الأدبي، و قد واكب عصر البطولات و الأساطير. ظهر الشعراء مهتمين بانتقاء أوزانهم و ألفاظهم، فاشتهرت الملاحم و الأناشيد، مثل ملحمة هوميروس الإلياذة و الأوديسة في القرن التاسع قبل الميلاد. و قد اهتم الرواة بجمع هذه الأشعار و تصنيفها في القرن السادس ق.م، مما ساهم في دراستها و تمحيصها. طُوّر في أواخر هذا القرن الشعر التمثيلي، الذي خلق وجوداً فنياً للمسرح بين الملهاة و المأساة. النقد عند أفلاطون (Plato): ترك أفلاطون آراء نقدية، و ليس كتباً في النقد، جاءت من خلال محاوراته مع إيون Ion و مادونه في جمهوريته عن هوميروس و عن الشعر و الشعراء من قضايا. موقفه من الشعر: جاءت آراء أفلاطون في الأدب و النقد الأدبي حسب الظروف التي عاصرته. فقد شهد انهيار مكانة الأدب في القرن الرابع ق.م. كانت أترجيليا القرن الرابع ق.م التي حجبت وراءها الشعر الملحمي و الغنائي في طريقها إلى الانهيار. أما الكوميديا، فقد احتفظت بوجودها الحيوي لأنها عالجت مواضيع قريبة من الحياة. استبعد أفلاطون معظم الشعراء من جمهوريته المثالية لأنه يرى أن قوة الشعر و الفنون الجميلة تكمن في تشكيل شخصية بالغة التأثير على المواقف الأخلاقية للشعوب (في مجال التعليم). المحاكاة: تظهر في أعمال أفلاطون نظرية المحاكاة التي قامت أساسا على تأملات فلسفية سابقة في محاورات، و يرى أن جوهر الفن هو إنتاج ظواهر لأشياء في حياتها الواقعية لأن التأثير هو مجرد تصوير مقلد و ليس ابتكار (استغل أفلاطون وجود هذه الفكرة و حورها قائلاً إن الشعراء تمادو في النقل الأعمى و في إنتاج صور جزئية للحقيقة). الالهام: جسد أفلاطون ثنائية مهمة تربط بين الالهام و المحاكاة (يرتبط مفهوم المحاكاة عند أفلاطون بمفهوم الالهام إذ أن الالهام في رأيه عامل آخر من العوامل التي تقرر طبيعة الشعر). فالملهم عند أفلاطون يخلق عالماً موازياً للحقيقة. فهو يميز بين نوعين جنون له علاقة بالضعف البشري، و التالي مرض مقدس قريب إلى الطبيعة و الجمال و الرؤيا المثالية أو صناعة الشاعر لواقع مثالي هو نوع من أنواع الإيحاء باعطاء شكل محدد و مؤثر على الآخرين. فهو يرى أن الفضائل ليست نابعة من الطبيعة و إنما هي نتيجة التدريب و التعلم و التوجيه عبر النصوص الشعرية و النثرية التي تحقق ذلك. الوحدة العضوية: من أهم الأسس التي وضعها أفلاطون في مجال الفن هو مذهب الوحدة العضوية. حيث يرى أن الفن كائن حي له جسد خاص و أعضاء متناسقة مع بقية الجسم. و هنا لا يعني بالوحدة و التكامل التدريجي (بداية وسط نهاية) بل وحدة حيوية تتناسب مع أجزائها، لا يمكن حذف أو تغيير ما يحل بهذه الوحدة. و يرى أن الجمال الفني يكمن في وحدة التأثير في مبدأ واحد يتميز بالحيوية حتى يخرج العمل منظماً متماسكاً. تصنيف الشعر: ارتبط أفلاطون بمذهب تصنيف الشعر إلى أسكال و أساليب أساسه الشعر الغنائي و الشعر الملحمي و الشعر الدرامي. و من خلال هذه الأنواع الثلاث يرى أن الشعر الدرامي يتقاطع مع التراجيديا و الكوميديا. من آراء أفلاطون حول وظيفة الشعر: التأثير على شخصية المرء و تشكيلها و اظهار أفضل ما فيها. إن للشعر يساعد البشر للبشر على تحسين حياتهم و بناء عالم مثالي. ليش الشعر مجرد أداة لمنح السرور و البهجة فقط، و إنما تجاوز النصوص الساخرة التي لا تمنح نفعاً. أرسطو: عاش الفيلسوف اليوناني في القرن الرابع ق.م، و تلمذ على يد معلمه أفلاطون. فقد خالف أساذه في العديد من النظريات و ترك مؤلفين هامين هما فن الشعر و فن الخطابة. فن الشعر: ينقسم كتاب فن الشعر إلى قسمين. يضم القسم الأول الشعر و قضاياه. أما القسم الثاني، فيتناول أنواع الشعر و خصائص كل نوع. و جعل الشعر ثلاثة أقسام: الملحمي، و قد اهتم فيه، و الغنائي، و لكنه استبعد الغنائي من كتابه. عرف العرب كتاب فن الشعر منذ العصر العباسي. نقله إلى العربية متي بشر بن يونس، و كذلك يحيى بن عدي، و لخصه الكندي ثم الفرابي ثم ابن سينا ثم ابن رشد. و قد كان بالغ الأهمية في مجال النقد في أعمال كل من الجاحظ و ابن المعتز و قداما بن جحفر و الآمدي و الجرجاني و أبي هلال العسكري. المفاهيم النقدية عند شيشرون: يعد ماركوس تولليوس شيشرون من أهم المفكرين في روما، نموذجا و معلماً للأجيال و مواطنا إيطاليا رومانيا. عاش في عصر كانت فيه روما تتقدم الى الأمام في سرعة مذهلة، التي اتسمت به مظاهرها الابداعية في شكل من الأشكال. اهتم شيشرون بالفصاحة و الحكمة عند الخطيب، و رأى في قوة الاقناع ضرورة ملحة في فن الخطابة. كما اهتم إلى دراسة الفلسفة و ما تحمل من قضايا انسانية و فكرية و علمية تفيد الكتاب و تغني أساليبهم. يختلف رأي شيشرون عن رأي أفلاطون في تعليم الخطابة. فهو لا يرى أن على الخطيب أن يكون فيلسوفا كما أراده أفلاطون، بل متحدث جيد على دراية كافية بالفلسفة و التاريخ و القانون، و حتى العلوم. مطالبة شيشرون بوضع مناهج التعليم في مدارس الخطابة من أجل التعرف على التقنيات و ضوابط هذا الفن. و من أجل تعليم الخطابة يجب أن يكون دارس هذا الفن على دراية بالفلسفة و فروعها، و المنطق و الأخلاق، و علم النفس، و العلوم السياسية، و التاريخ، و القانون. و الملاحظ أن أغلب أعمال شيشرون الفتية تتناول بالتفصيل اكتشاف الحجج و البراهين أو ترتيبها، و هي تهتم بالابداع او ترتيب أجزاء الخطبة. و قد يكون شيشرون خلق نظاما للخطابة يشمل فن التعبير عن النفس، لأن على الخطيب استعمال الأسلوب و الالقاء للتأثير على عواطف المستمعين. كما ركز على البراعة و نقاء اللغة ووضوحها عند المستمعين، و اعتمد في ذلك على العناصر الخمسة للخطابة: الابداع، الترتيب، الذاكرة، الإيقاع، و ترتيب الأجزاء. كما يرى ثلاث مميزات للأساليب: التثقيف، ادخال البهجة، اثارة العواطف.