حدثنا أبي ومحمد بن الحسن (رضي الله عنهما) قالا: حدثنا سعد بن عبد الله قال: حدثنا أحمد بن الحسين بن سعيد قال: حدثني جعفر بن محمد النوفلي، عن يعقوب بن يزيد قال: قال أبو عبد الله جعفر بن أحمد بن محمد بن عيسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال: حدثنا يعقوب بن عبد الله الكوفي قال: حدثنا موسى بن عبيدة، عن عمرو بن أبي المقدام، عن محمد بن الحنفية «رضي الله عنه»، وعمرو بن أبي المقدام، عن أبي جعفر قال: وهو جالس في مسجد الكوفة، فقال: يا أمير المؤمنين، إني أريد أن أسألك عن أشياء لا يعلمها إلا نبي أو وصي نبي. قال: سل عما بدا لك يا أخا اليهود؟! قال: إنّا نجد في الكتاب: أن الله عز وجل إذا بعث نبياً أوحى إليه أن يتخذ من أهل بيته من يقوم بأمر أمته من بعده، وأن يعهد إليهم فيه عهداً يحتذى عليه، ويعمل به في أمته من بعده. وأن الله عز وجل يمتحن الأوصياء في حياة الأنبياء، ويمتحنهم بعد وفاتهم. فأخبرني كم يمتحن الله الأوصياء في حياة الأنبياء؟! وكم يمتحنهم بعد وفاتهم من مرة؟! وإلى ما يصير آخر أمر الأوصياء إذا رضي محنتهم؟! فقال له علي «عليه السلام»: والله الذي لا إله غيره، الذي فلق البحر لبني إسرائيل، وأنزل التوراة على موسى «عليه السلام»،  لئن أخبرتك بحق عما تسأل عنه لتقرن به؟! قال: نعم. قال: والذي فلق البحر لبني إسرائيل، وأنزل التوراة على موسى «عليه السلام» لئن أجبتك لتسلمن؟! فقال له علي «عليه السلام»: إن الله عز وجل يمتحن الأوصياء في حياة الأنبياء في سبعة مواطن ليبتلي طاعتهم، فإذا رضي طاعتهم ومحنتهم أمر الأنبياء أن يتخذوهم أولياء في حياتهم وأوصياء بعد وفاتهم، ويصير طاعة الأوصياء في أعناق الأمم ممن يقول بطاعة الأنبياء. ثم يمتحن الأوصياء بعد وفاة الأنبياء «عليهم السلام» في سبعة مواطن ليبلو صبرهم، ليلحقهم بالأنبياء، وقد أكمل لهم السعادة. فأخبرني كم امتحنك الله في حياة محمد من مرة؟! وإلى ما يصير أخر أمرك؟! فأخذ علي «عليه السلام» بيده وقال: انهض بنا أنبئك بذلك. فقام إليه جماعة من أصحابه، أنبئنا بذلك معه. فقال: إني أخاف أن لا تحتمله قلوبكم. قالوا: ولم ذاك يا أمير المؤمنين؟! قال: لأمور بدت لي من كثير منكم. فقال: يا أمير المؤمنين، أنبئنا بذلك، وإنّا لنعلم أن الله لا يبعث بعد نبينا «صلى الله عليه وآله» نبياً سواه، فجلس علي «عليه السلام»، وأقبل على اليهودي فقال: يا أخا اليهود، فوجدني فيهن ـ من غير تزكية لنفسي ـ بنعمة الله له مطيعاً. قال: أما أولهن فإن الله عز وجل أوحى إلى نبينا «صلى الله عليه وآله» وحمله الرسالة وأنا أحدث أهل بيتي سناً، أخدمه في بيته، وأسعى في قضاء بين يديه في أمره، فدعا صغير بني عبد المطلب وكبيرهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، فامتنعوا من ذلك وأنكروه عليه وهجروه، ونابذوه واعتزلوه، واجتنبوه وسائر الناس مقصين له ومخالفين عليه، قد استعظموا ما أورده عليهم مما لم تحتمله قلوبهم، فأجبت رسول الله «صلى الله عليه وآله» وحدي إلى ما دعا إليه مسرعاً مطيعاً موقناً، لم يتخالجني في ذلك شك، فمكثنا بذلك ثلاث حجج وما على وجه الأرض خلق يصلي أو يشهد لرسول الله «صلى الله عليه وآله» بما آتاه الله غيري وغير ابنة خويلد «رحمها الله» وقد فعل. ثم أقبل «عليه السلام» على أصحابه، فقال «عليه السلام»: وأما الثانية، يا أخا اليهود، حتى كان آخر ما اجتمعت في ذلك يوم الدار ـ دار الندوة ـ وإبليس الملعون حاضر في صورة أعور ثقيف، فلم تزل تضرب أمرها ظهراً لبطن حتى اجتمعت آراؤها على أن ينتدب من كل فخذ من قريش رجل، ثم يأخذ كل رجل منهم سيفه، فيضربونه جميعاً بأسيافهم ضربة رجل واحد فيقتلوه، وإذا قتلوه منعت قريش رجالها ولم تسلمها فيمضي دمه هدراً. وأخبره بالليلة التي يجتمعون فيها، والساعة التي يأتون فراشه فيها، وأمره بالخروج في الوقت الذي خرج فيه إلى الغار. فأخبرني رسول الله «صلى الله عليه وآله» بالخبر، وأمرني أن أضطجع في مضجعه، وأقيه بنفسي، فأسرعت إلى ذلك مطيعاً له، واضطجعت في مضجعه، فلما استوى بي وبهم البيت الذي أنا فيه ناهضتهم بسيفي، فدفعتهم عن نفسي بما قد علمه الله والناس. ثم أقبل «عليه السلام» على أصحابه فقال: أليس كذلك؟! قالوا: بلى يا أمير المؤمنين. فقال «عليه السلام»: وأما الثالثة يا أخا اليهود فإن ابني ربيعة وابن عتبة كانوا فرسان قريش دعوا إلى البراز يوم بدر، فلم يبرز لهم خلق من قريش، وأقلهم للحرب تجربة، سوى من قتلت من جحاجحة قريش في ذلك اليوم، واستشهد ابن عمي في ذلك رحمة الله عليه. ثم التفت إلى أصحابه، فقال: أليس كذلك؟! قالوا: بلى يا أمير المؤمنين. فقال علي «عليه السلام»: وأما الرابعة يا أخا اليهود، فإن أهل مكة أقبلوا إلينا على بكرة أبيهم، قد استحاشوا [أو استجاشوا] من يليهم من قبايل العرب وقريش، طالبين بثأر مشركي قريش في يوم بدر. فهبط جبرئيل «عليه السلام» على النبي «صلى الله عليه وآله»، فأنبأه بذلك، فذهب النبي «صلى الله عليه وآله» وعسكر بأصحابه في سد أحد، وأقبل المشركون إلينا، واستشهد من المسلمين من استشهد، وبقيت مع رسول الله «صلى الله عليه وآله». وقد جرحت بين يدي رسول الله «صلى الله عليه وآله» نيفاً وسبعين جرحة منها هذه وهذه ـ ثم ألقى «عليه السلام» رداءه، وأمر يده على جراحاته ـ وكان مني في ذلك ما على الله عز وجل ثوابه إن شاء الله. قالوا: بلى يا أمير المؤمنين. فقال «عليه السلام»: وأما الخامسة يا أخا اليهود، فإن قريشاً والعرب تجمعت وعقدت بينها عقداً وميثاقاً لا ترجع من وجهها حتى تقتل رسول الله، وتقتلنا معه معاشر بني عبد المطلب. فخندق على نفسه ومن معه من المهاجرين والأنصار. وفينا الضعف، ترعد وتبرق ورسول الله «صلى الله عليه وآله» يدعوها إلى الله عز وجل، فتأبى، ولا يزيدها ذلك إلا عتواً، يهدر كالبعير المغتلم يدعو إلى البراز، ويرتجز ويخطر برمحه مرة، وبسيفه مرة، لا يقدم عليه مقدم، فأنهضني إليه رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وعممني بيده، وضرب بيده إلى ذي الفقار، فخرجت إليه ونساء أهل المدينة بواك إشفاقاً عليّ من ابن عبد ود، فقتله الله عز وجل بيدي، والعرب لا تعد لها فارساً غيره، فهزم الله قريشاً والعرب بذلك، وبما كان مني فيهم من النكاية. ثم التفت «عليه السلام» إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟! فقال «عليه السلام»: وأما السادسة يا أخا اليهود، فإنا وردنا مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» مدينة أصحابك خيبر على رجال من اليهود وفرسانها من قريش وغيرها، وهم في أمنع دار، وأكثر عدد، كل ينادي ويدعو ويبادر إلى القتال، فلم يبرز إليهم من أصحابي أحد إلا قتلوه، حتى إذا احمرت الحدق، والتفت بعض أصحابي إلى بعض وكل يقول: يا أبا الحسن انهض، فأنهضني رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلى دارهم، فلم يبرز إلي منهم أحد إلا قتلته، ولا يثبت لي فارس إلا طحنته، فاقتلعت باب حصنهم بيدي، حتى دخلت عليهم مدينتهم وحدي، أقتل من يظهر فيها من رجالها، وأسبي من أجد من نسائها حتى أفتتحها وحدي، ولم يكن لي فيها معاون إلا الله وحده. ثم التفت «عليه السلام» إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟! قالوا: بلى يا أمير المؤمنين. فإن رسول الله «صلى الله عليه وآله» لما توجه لفتح مكة أحب أن يعذر إليهم، فكتب إليهم كتاباً يحذرهم فيه وينذرهم عذاب الله، ويعدهم الصفح ويمنيهم مغفرة ربهم، ونسخ لهم في آخره سورة براءة ليقرأها عليهم، فكلهم يرى التثاقل فيه. فلما رأى ذلك ندب منهم رجلاً، فوجهه به، فقال: يا محمد لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك، فأنبأني رسول الله «صلى الله عليه وآله» بذلك، ووجهني بكتابه ورسالته إلى أهل مكة، فأتيت مكة وأهلها من قد عرفتم ليس منهم أحد إلا ولو قدر أن يضع على كل جبل مني إرباً لفعل، فبلغتهم رسالة النبي «صلى الله عليه وآله» وقرأت عليهم كتابه، ويبدى لي البغضاء، فكان مني في ذلك ما قد رأيتم. ثم التفت إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟! هذه المواطن التي امتحنني فيها ربي عز وجل مع نبيه «صلى الله عليه وآله»، فوجدني فيها كلها بمنه مطيعاً، ليس لأحد فيها مثل الذي لي ولو شئت لوصفت ذلك، فقالوا: يا أمير المؤمنين، ولقد أعطاك الله عز وجل الفضيلة بالقرابة من نبينا «صلى الله عليه وآله» وسلم، يقول ذلك من شهدك منا مع نبينا «صلى الله عليه وآله»، ومن شهدك بعده. فأخبرنا يا أمير المؤمنين ما امتحنك الله عز وجل به بعد نبينا «صلى الله عليه وآله» فاحتملته وصبرت، فلو شئنا أن نصف ذلك لوصفناه علماً منا به، إلا أنّا نحب أن نسمع منك ذلك، إن الله عز وجل امتحنني بعد وفاة نبيه «صلى الله عليه وآله» في سبعة مواطن فوجدني فيهن ـ من غير تزكية لنفسي ـ منه [لعل الصحيح: بمنِّه] ونعمته صبوراً. وأما أولهن يا أخا اليهود، فإنه لم يكن لي خاصة دون المسلمين عامة أحد آنس به أو أعتمد عليه، أو أتقرب به غير رسول الله «صلى الله عليه وآله». هو رباني صغيراً، وجبرني من اليتم، وأغناني عن الطلب، هذا في تصاريف أمر الدنيا مع ما خصني به من الدرجات التي قادتني إلى معالي الحق عند الله عز وجل. ولا يضبط نفسه، ولا يقوي على حمل فادح ما نزل به،