-1- سطوة آراء سيبويه : مقال في شرعية العنوان . ظهر استعمال لفظ (السطوة) في عدد من أعمال اللسانيين العرب المعاصرين تدليلا على صحة إطلاقه في البحوث اللغوية من دون شبهة مجافاة العلمية، ولو احتمالا وهذان مثالان معاصران دالان على هذا الاستعمال : أولهما - سطوة القافية : أثر القافية في التطور الصوتي ( 2003م) . و ثانيهما - سطوة الشهرة على آراء الباحثين في اللسانيات العربية (2008م) (2) ومن تأمل ما أورداه فيهما يتضح أن المقصود من استعمالهما هو السلطة التي ملكتها أراء سيبويه في الصوتيات ابتداء، ثم فرضتها على من جاء بعده من العلماء الصوتيين العرب على امتداد التاريخ. إن فحص الامتداد الذي حققته منجزات سيبويه في الصوتيات العربية يكشف عن استقرار هذه الآراء لتمثل مؤسسة وكيانا يشبه أن يكون بناء تسلطيا على حد تعبير الدكتور عبد السلام المسدى (3) سطوة آراء سيبويه فى الصوتيات العربية على من جاء بعده إذن قوة قاهرة لم يستطع أحد من الصوتيين العرب أن يفر من سلطتها وهيمنتها لاعتبارات معرفية في المقام الأول. ومن هنا فإن استعمال لفظ السطوة مرادفا في دلالته لألفاظ السلطة أو الطغيان أو القهر جاء استعمالا حقيقيا لا شبهة للمجاز أو للمبالغة فيه، ولا سيما في سياق وروده في أعمال لسانية معاصرة. 2 كثافة الاستشهاد بما هي معيار لقياس سطوة آراء سيبويه مدخل) و قياس وزن هذا التقدير. وهذا المعيار المستعار من بنية علم المعلومات والمكتبات (5) صالح هنا في ولسنا بدعا فى استعمال هذا المعيار صمودا إلى تقدير وزن عالم من العلماء فقد سبق توظيفه لقياس الأثر الذي أحدثه عدد من العلماء المعاصرين وهو ما يمكن أن يمثل مدخلا يبيح لنا ما صنعناه هنا. في مجال تقدير ما حققه العالم الدكتور أحمد زويل كان توظيف هذا المعيار سبيلا لفحص هذا التقدير ، يقول في كتابه : رحلة عبر الزمن . الطريق إلى نوبل :" وعقب الإعلان عن جائزة نوبل أعلن معهد المعلومات العلمية بفيلادلفيا والذي يقوم بعمل إحصائيات تبين أهمية الأبحاث المنشورة استنادا إلى تكرارية الإشارة إليها، واستخدامها كمراجع أو حاشية في الأبحاث المناظرة ، والذي يعد دليلا على أهمية البحوث، ومدى تأثيرها في مجالها أعلن هذا المعهد أن الفيمتو كيمياء قد ورد وهو المعيار الذي لجأ إليه واحد من المعاهد العلمية العريقة - كما جاء في النقل - لتقدير الأثر العلمي الذي حققه إنجاز أحمد زويل في العلم المعاصر عن طريق تتبع الاقتباسات التي تحاورت معه في أشكالها المختلفة. و في ميدان علم اللغة أو اللسانيات تم اللجوء إلى استعمال المعيار نفسه في تقدير الوزن الذي حازه اللغوى المعاصر نوعم تشومسكي ، تشومسكي الآن واحدا من الكتاب العشرة الأول الذين يكثر الاستشهاد بهم في الدراسات الإنسانية ، وهو يتقدم على هيجل وشيشرون ولا يسبقه إلا ماركس ولينين وشكسبير والإنجيل الحي من أفراد هذه المجموعة " (6) وأرسطو وأفلاطون وفرويد - وهو الوحيد الحي من أفراد هذه المجموعة " (6) صحيح أن القائمة المختبر تكرارية الاستشهاد بها كلها غربى - وهو ما يكشف عن الخضوع لما يسمى بمركزية العقل الأوربي لكنه أمر دال على الوزن والتقدير الذي يحوزه نوعم تشومسكى على الأقل في بنية الثقافة الغربية المعاصرة. وهو الأمر الذي عاد و آلح عليه اللغوى العربي المعاصر الدكتور حمزة بن قبلان المزيني عندما قال إن " تشومسكى من أكثر من يستشهد به في العلوم المختلفة : فقد استشهد به فيما بين 1980م و 1992م أربعة الآف مرة في العلوم الإنسانية و 1619 مرة فيما يسمى بالعلوم الصحيحة "(7) ويستعمل الدكتور مصطفى صفوان وهو واحد من أعظم المحللين النفسانيين المعاصرين المقياس نفسه في تقدير قيمة الفيلسوف الأوربي المعاصر : دافيد هيوم ، فيقرر قائلا ( ص 64 ) في كتابه ( الكلام أو الموت اللغة بما هي نظام اجتماعي دراسة تحليلية نفسية ) :" يعتبر كيلسون أن دافيد هيوم هو أكبر ختمت به العبارة السابقة. من مجموع هذه الأمثلة يظهر لنا أن استعمال معيار كثافة الاستشهاد أو تكراريته أمر مستقر في تقدير وزن ما حققه الأعلام من العلماء في الميادين وهو ما لجأنا إليه هنا لإثبات إمامة سيبويه في ميدان الصوتيات المختلفة العربية من منظور شكلى ظاهرى أولا. وسوف نتوقف في رصد هذه التكرارية الاستشهادية بآرائه على امتداد التصنيف في الصوتيات العربية والدوائر المتصلة و القريبة منها منذ القديم إلى العصر الحديث ، وفق ما يلى : الاستشهاد المرجعى بسيبويه في مصنفات الصوتيات العربية قديما حديثا يمثل ظهور سيبويه بما هو نص مرجعى متسرب في الأدبيات الصوتية العربية الخالفة دليلا على ما سميناه بسطوة آرائه ، و في هذا المطلب سنكشف عن تغلغل المنجز المعرفي المتعلق بالصوتيات العربية في الكتاب لسيبويه في المصنفات العربية التي ظهرت بعدها وفق التقسيم التالي : 1/2 الاستشهاد المرجعي بآراء سيبويه في أدبيات الصوتيات العربية التراثية. في هذا الجزء من هذا المطلب يظهر أن آراء سيبويه ظهرت في المصنفات العربية التي عالجت الصوتيات العربية على مستويات مختلفة، من عد المخارج وتقسيمها. وصفاتها، ومعانى مصطلحات هذه الصفات مما يسمى بالجهاز الا صطلاحي لعلم الصوتيات كما جاء عند سيبويه . 1/1/2] في مصنفات الأصوات الخالصة المختصرة. و أول ما يقابلنا من الأدبيات الصوتية العربية التي خلصت لمعالجة الأصوات العربية وفق المستويات السابقة - كتاب أبى الأصبغ السماني الإشبيلي المعروف بابن الطحان المتوفى سنة 560، حيث ظهرت آراء سيبويه معتمدة في كتابه مخارج الحروف و صفاتها كما يلى : عد الحروف ( الأصوات ) على تسعة وعشرين : ا في ابن الطحان ص 79 س 1 = في سيبويه ح 4 ص 431 / س 13 ب موافقة ابن الطحان لما ورد عند سيبويه في تقسيم بعض المخارج ، و لما ورد فيها من أصوات . في ابن الطحان ص 80 س 1-2 مخرج أقصى الحلق ) ء / ألف / هـ) = وفي سيبويه ج 4 / ص 433 / س 24 ، ومخرج وسط الحلق ( ع / ح ) في ابن الطحان ص 80 / س 2 = و في سيبويه ج 4 / ص 433 / س 5 ، ومخرج أدنى الحلق في ابن الطحان ص 80 / س 3 ) و يسميه مخرج مما يلى الفم ) ( غ / خ) = وفى سيبويه 433/4 س 5 ج- موافقة ابن الطحان لما ورد عند سيبويه فيما يتعلق بتقاسيم المخارج و إن اختلف عده عما ورد من عد سيبويه فهى أى المخارج فى ابن الطحان خمسة عشر مخرجا ، موزعة كما يلى : 3 مخارج للحلق / و 10 مخارج للسان، ومخرجان للشفتين - المجموع 15 مخرجا ، وهو ذات الترتيب عند سيبويه وإن زاد عند سيبويه مخرج يكمل العدة ستة عشر مخرجا وهو مخرج الخياشيم. د ظهور سطوة سيبويه ظهورا واضحا على ابن الطحان في جانب تعريفات المصطلحات الصوتية بشكل يكاد يكون حرفيا ومن الأمثلة الدالة على ما تقرره ما یلی : أ- تعريف ابن الطحان مصطلح الهمس ص 93 / س 3 بأنه : " ضعف الاعتماد في المخرج ؛ المهموس : " حرف أضعف الاعتماد في موضعه حتى جرى النفس معه "! ب تعريف ابن الطحان مصطلح الجهر ص 93/س 4 بنص ما في سيبويه ج 4 / ص 434 / س 7-8 ج تعريف ابن الطحان مصطلح الشدة ص 93/س 5-6 بنص متضمن لقيود سيبويه ج 4 / ص 234 / س 16 د تطابق تعريف ابن الطحان مصطلح الرخاوة ص 93س 7-8 كما في سيبويه ج 4 / 435/س 2 و إذا كان ابن الطحان اعتمد كتاب سيبويه مع اختلاف يسير في عد المخارج من كتابه ( الدر المرصوف في وصف مخارج الحروف ( ص 25 / س 13 قائلا: " اعلم أن غير تصريح باسمه ، فإن أبا المعالى الموصلي المتوفى سنة 621ه افتتح العلماء اختلفوا في عدد مخارج الحروف ( الأصوات ( فذهب سيبويه في جماعة من النحويين إلى أن للحروف ستة عشر مخرجا " وهو ما فى سيبويه، ثم واصل في عدها والكلام عليها، وعلى صفاتها ، وهو ما فطن إليه الدكتور غانم قدوري الحمد في تحقيقه للكتاب ، حيث يقرر في الحاشية (3) من الصفحة (28) قائلا: إن تعريف المهموس والمجهور هنا أي عند الموصلى مقتبس من تعريف سيبويه "! و قد أطلنا في بيان علامات تأثير سيبويه في اثنين من مصنفات الصوتيات العربية التراثية المختصرة الخالصة لمسائلها ؛ لندلك على طبيعة الاستشهاد المرجعي الذي حظيت به المادة العلمية المعالجة لعلم الصوتيات العربية عند سيبويه من تقدير و التى وجدت طريقها لأدبيات هذا العلم المختصة به عند من جاء بعده ، وخلفه لتتجلى فى صورة اقتباس حرفى على مستوى بعض المخارج وتقسيماتها وصفاتها ، فضلا عن مستوى اقتباس تعریفات مصطلحات هذا العلم التي حدها هذا الرائد العظيم. 1/1/2/ أب فى مصنفات الأصوات الخالصة المطولة و أهم الكتب المطولة التي فرغت الدراسة الأصوات العربية في التراث اللغوى كتاب أبي الفتح عثمان ابن جنى المتوفى سنة 392 الذي عنوانه ( سر صناعة | لإعراب). و قد استوعب ابن جنى فيه تقريبا آراء سيبويه الصوتية ، وظهر في تعقيبه على الاستشهاد منه ترجيحه لهذه الآراء في أحيان كثيرة . و فيما يلى بيان بمواضع استشهاد ابن جنى بآراء سيبويه في هذا المجال في 45/1 س 13 نقل في بيان ترتيب الأصوات من الحلق إلى الشفتين شاهدا له بالصحة = وهو في سيبويه 433/4. في 1 46 س 16-17 مناقشة لبعض الآراء المخالفة لسيبويه لتقسيم بعض مخارج الحلق ، وتصحيحه رأى سيبويه و اعتماده ورد آراء غيره = وهو في - 433-431/4 سيبويه - في 49/1 س 16 نقل و شرح لمعنى بين بين ، وهو شكل من أشكال نطق الهمزة وهو في سيبويه 541/3. و في 58/1 س 5 دفاع عما فهم خطأ عن سيبويه فى بعض مسائل الإدغام = وهو في سيبويه 450/4 فيما يتعلق بدعوى إدغام الهاء في الحاء. و فى 74/1 س 8 نقل فى الوقف بقلب الألف همزة = وهو في سيبويه 285/2. و فيما يلى نورد أمثلة كثيرة لاستشهادات ابن جنى بآراء سيبويه في المسائل الصوتية : إشارة إليها ؛ لكثرتها : 3 79/1 س 3 (إمالة) و 84/1 س 7 إبدال) 219/1 س 1 (إدغام) و 519/2س 13 590/29 س 1 (إبدال) و 569/2 س 12 (إبدال و 701/2 س (إبدال) : (وقف) وهو استشهاد سبق منه وروده ؛ و 780/2 س 4 (وقف) : 792/2 س 4 إبدال)، 1/2/ب في مصنفات التجويد و إذا كان كتاب ابن الطحان المتوفى بعد 560 من المصنفات النادرة التي خلصت لمعالجة مسائل الصوتيات العربية من غير ارتباط منصوص عليه من جانبه بالأداء القرآني ، أو ما يسمى في الاصطلاح العلمى بعلم التجويد - فإن التراث العربي عرف عددا لا بأس به من المصنفات الصوتية التي عنيت بدراسة المسائل الصوتية العربية تخلصا إلى العناية بالتجويد ؛ أي بهدف خدمة القرآن الكريم أدائيا. و فيما يلى متابعة لسطوة آراء سيبويه على آراء الصوتيين العرب الذين جاءوا بعده من خلال فحص عدد من مصنفاتهم في علم التجويد سيبويه بتقسيمه وعده وترتيبه ( ص (51). وفى كتابه اختلاف القراء في اللام والنون عند خوضه في مسألة إظهار النون وإن يصرح بـ النقل عنه؛ حيث فسر سبب الإظهار عندها؛ و في سيبويه ( 454/4 س (12) تفسير لهذا الإظهار - بعبارة :" أن هذه الستة ( وهى أصوات الحلق : ء ه / ح ع / خ غ) تباعدت عن مخرج النون وليس من قبيلها". و فى كتاب الموضح في التجويد لعبد الوهاب بن محمد القرطبي المتوفى سنة 461 نقول كثيرة ومطولة من سيبويه كما يلى : - نقل في ص 73/ س 9 جاء به للتفريق بين الإشمام والروم وهو في الكتاب 168-169/4 صحيح أن النقل خاص بعلامات الظاهرتين الصوتيتين خطيا ، وهى النقطة بعد الحرف للإشمام ، لكن ذلك جاء لخدمة الظاهرة الصوتية ؛ أي أنه لا يصح الادعاء بأن هذا النقل غير خاص بالعلم الصوتي . نقل في ص 77 / س 6 نصا يعلن فيه اعتماده كلام سيبويه الخاص بتحقيق ذوات الأصوات ومخارجها، وبيان أجناسها، ومقصوده من ذوات الأصوات وبيان كيفية إنتاجها، يقول :" أما تحقيق ذواتها أى الأصوات وذكر مخارجها وتبيين أجناسها، وذكر مراتبها فى الاطراد، فنذكرها على ما ذكره سيبويه رضی الله عنه " . وهو الموجود في سيبويه (431/4) و قد استمرت مناقشة القرطبي | لإيجابية لما اعتمده من كلام سيبويه حتى بلغت الصفة (93). : وصفها نقل في ص 129 / س 13 نصا يتعلق بتعريف الإدغام، وفسره = وهو في سيبويه 137/4 و الإدغام ظاهرة صوتية هي المماثلة الصوتية نقل في ص 171/ س 8 نصا يتعلق بتعليل إخفاء النون مع الأصوات الفموية على حد تعبيره ؛ و يقصد بها أصوات المخارج من الله اة إلى الشفتين = وهو في و في ص 208/ س 7 نقل خاص ببيان فارق ما بين الروم والإشمام = وهو في سيبويه 168/4 وما بعدها. ومثل هذه السطوة التي رأيناها مهيمنة على بناء كتابى السعيدي، نجدها في ) تجويد القراءة ومخارج الحروف ( لابن وثيق الأندلسي المتوفى کتاب سنة 645 ، حيث اعتمد ما عند سيبويه من عد المخارج، وتقسيماتها، وصفاتها وتعريف مصطلحات هذه الصفات على ما نرى فى الصفحات التالية : ص 63/ س 13 عدد الأصوات إجمالا. موزعة في 16 مخرجا على ثلاثة أقسام كبرى. ص 69/ س 2 و الصفحات التالية لها : حيث تحدث عن صفات الأصوات بتعريف سيبويه لها . وتستمر علامات تكرارية الاستشهاد بكلام سيبويه بما هي علامة مرصودة لقياس سطوة آرائه على من جاء بعده من علماء الصوتيات العربية ، في فروع علم التجويد ، فتتجلى هذه العلامة عند واحد من أشهر علماء التجويد العرب كافة هو ابن الجزري المتوفى سنة 833 في كتابه التمهيد في علم التجويد ) ، حيث تكرر اعتماد كلام سيبويه ، والاستشهاد به ، في المواضع التالية : فى ص 113/ س 2 وما بعدها نقل عن سيبويه يتعلق بعد المخارج وحصرها في 16 مخرجا، وعلى الرغم من ذكره عد العلماء المختلفين للمخارج؛