أولاً: الخوارج في بلاد المغرب وثورية في قوامها السياسي، وجدت مناخاً ملائماً في ظروف المغرب الإسلامي وطبيعة سكانه. فالتقى الأمازيغ مع الخوارج في مواجهتهم لعدو مشترك تمثل في السلطة الأموية ثم العباسية. لقد انتشر المذهب الصفري بين قبائل أمازيغية كثيرة من بينها برغواطة ومطغرة ومكناسة وزناتة، وكذا اعتنقته أقليات سودانية وعربية. وكان رسوخ قدم المذهب الاباضي في جبل نفوسة سبباً في انتشاره بين القبائل الأخرى مثل هوارة ولماية وسدراتة وزواغة ولواتة ومطماطة. بعد سلسلة من المحاولات التمردية في عصر الولاة الأمويين. وجاء استقلال الخوارج بأجزاء من بلاد المغرب معاصراً لقيام الأدارسة ذوي المذهب الشيعي الزيدي سنة 172هـ، ولاستقرار الأغالبة بإيعاز من الدولة السنية في بغداد بافريقية منذ سنة 184. فتعيين الأمراء وعزلهم وقيام الثورات واحتدام المنازعات على العرش، واتساع الدولة وتقلصها كل ذلك كان مرتبطاً بالصراع القبلي والخلاف المذهبي. وقد تمثل العامل الأول في تباين الكيان الاجتماعي في سجلماسة واختلاف عناصر سكانها ما بين امازيغ وسودان وأندلسيين، فضلاً عن ما هو معروف من انقسام البربر إلى بتر ورانس. والمعتزلة الذين كانوا يبعثون بزكاة أموالهم إلى رئيسهم بتاهرت. كما وجدت أقلية من الخوارج الإباضية كان لها أيضاً دورها البارز في تطور الأحوال السياسية داخل دولة بني مدرار. وسارت سياسة بني مدرار في اتجاهين: إقامة علاقات عدائية اتجاه الخلافة العباسية ودولة الأغالبة والأدارسة، ثم ربط علاقات ودية مع بني رستم والأمويين بالأندلس. وتحفل المصادر بكثير من الشواهد التي تؤكد طابع العداء بين بني مدرار والأدارسة الذين اقتطعوا مجال دولتهم من نفوذ الصفرية منذ ثورة ميسرة. إذ لا يخفى العداء التقليدي بين الشيعة والخوارج. ومعلوم أن الأدارسة كانوا قد أذعنوا صفرية تلمسان لحكمهم. وبالفعل نجح أحد صنائعهم ويدعى عبد الرزاق الصفري في لم شمل صفرية مديونة وغياثة ومكناسة. واستولى على صفرو ثم دخل فاساً فهزم أميرها الذي لاذ بأوربة، لكن التدخل الفاطمي الشيعي عجل بإنهاء الإمارتين معاً سنة 297هـ. ولم يحل الاختلاف المذهبي بين بني مدرار وأمويي الأندلس ولا البعد الجغرافي بين سجلماسة وقرطبة، فقد جمعهما العداء المشترك للخلافة العباسية والأغالبة والأدارسة. لكنهم لم يعدموا وجود منافذ على ساحل الأطلسي كانت على صلة بإشبيلية وشاطبة. ومن ثم فليس من المستغرب أن تضم مدن الأندلس عناصر صفرية من سجلماسة. لكن الجفوة لم تدم طويلاً فسرعان ما استعادت العلاقات طابعها الودي في عهد عبد الرحمن الثاني الذي وثق صلاته ببني مدرار وخاصة بعد استفحال الخطر الأغلبي في البحر المتوسط. فبعث إليه ما توافر لديه من الحنطة والسكر والتمر. ومن المعروف أن بلاد المغرب كانت ميداناً للدعوة الفاطمية، فقد عهد محمد الحبيب المقيم بسليمة من أرض حمص إلى اثنين من دعاته ببث دعوته في بلاد كتامة. فنجحا في التمهيد لما قام به أبو عبد الله الشيعي داعية عبيد الله المهدي فيما بعد. واستطاع أبو عبد الله هذا الذي دخل بلاد المغرب سنة 280هـ أن ينشر دعوته بين قبائل كتامة. وأضحت هذه الجهات معقلاً للحركات الاباضية المناوئة للفاطميين. ولم يكن أن يتراجع المذهب الخارجي أمام الشيعة الفاطميين أو السنة المرابطين دون أن يترك آثاراً واضحة على النظم العامة ببلاد المغرب: فعلى مستوى الفكر السياسي تبدو نظرية الخوارج في الحكم أكثر نظريات الفرق الإسلامية ميلاً إلى الديموقراطية. فعلى خلاف السنة الذين قصروا أحقية الإمامة على قريش، وفكر الخوارج اعتمد على الدين أكثر من العصبية. وكان التطرف الشديد من سمات فكرهم السياسي ومن أسباب فشلهم في المشرق حتى قيل بأن سياستهم غير سياسية. لكن مع بداية ق 2هـ اتخذت مبادئ الخوارج طابعاً عملياً وجنحت نحو الاعتدال. وظهر ذلك بشكل واضح في عقائد الاباضية والصفرية متمثلاً في تجويز التقية ومعايشة الجماعة الإسلامية بترك فكرة تكفير المخالفين في المذهب. كما آمن خوارج المغرب بمبدإ وجود إمامين في نفس الوقت: فقد تولى الحارث بن تليد وعبد الجبار بن قيس المرادي إمامة الاباضية في طرابلس سنة 132هـ أحدهما للصلاة والآخر للحرب. إذ حينما يتعرض الخـوارج لمحـن سياسـية فهم يختارون إماماً في الخفـاء تكون مهمته جمع شمل الأنصار وتسيير الأمور وإعداد العدة للظهور إذا ما واتت الظروف وانقشعت المحنة. وقد اشتهرت سجلماسة بصناعة الثياب وسك النقود. وبالإضافة إلى البربر والأندلسيين تواجد بالمنطقة اليهود والسودان. كما برز دور المرأة في المجتمع. وابن يانس المفسر، وأبو الحسن الابدلاني.