وتعود إلى الأنثروبولوجي الفرنسي (كلود ليفي شتراوس) الذي أكد على دور العقلانية العلمية في تأسيس الظاهرة الاجتماعية، وهي أنساق تهدف إلى التعبير عن بعض أوجه الحقيقة الطبيعية والاجتماعية، كما تهدف إلى التعبير عن العلاقات التي ترتبط بها الأنساق الرمزية ذاتها مع بعضها البعض. وبالتالي أعطى الثقافة طابع البنية المجردة الكامنة وراء الأنساق الاجتماعية الواقعية الملاحظة. وعلى الرغم من التشابه العام الذي يجمع البنيوية بالوظيفية من حيث الشكل، إن أساس البحث عند شتراوس هو فيما وراء العلاقات اليقينية، فهو عند الأول لا يمثل القطب المضاد للشعور، وبالتالي يتحول المجتمع من جهاز عضوي متكامل في الوظيفية، إلى مجموعة من العلاقات الرياضية المجردة في البنيوية، وعليه فإن مفهوم البنية الاجتماعية لا يستند عند شتراوس إلى الواقع التجريبي، فمن طبيعة الإنسان دائماً أن يتمثل الطبيعة على شكل ثقافة، وليست هناك ثقافة إلا بعد تجاوز الطبيعة، إذ أصبح العامل البيولوجي شيئاً ثانوياً بالنسبة إلى علم الثقافة. ولعل أوضح مثال بنيوي لهذا المرور من الطبيعة إلى الثقافة، وبالتالي تمثل عملية الطبخ نشاطاً وسيطاً بين الطبيعي والثقافي. وحالما ننظر إلى السلوك البشري على أنه عمل رمزي، حيث يتحول السؤال هنا إلى عن ماذا نكون نعبر عندما نقوم بهذه الأشياء. فإن الظواهر الرمزية في المنظومة الاجتماعية لا توجد بمعزل عن بعضها البعض، مثال ذلك أن المحرمات المتعلقة بالطعام يمكن أن تكون ذات علاقة بمفاهيم طوطمية مرتبطة بهياكل اجتماعية محددة ثقافياً، وليس معنى هذا أن جميع هذه المنظومات الرمزية هي بالضرورة إما متسقة داخلياً أو مستقرة ضمن طبيعة جبلية. وأصل تعدد الثقافات إنما يعود إلى ما يمتلكه العقل من قدرة كبيرة على التأليف والتركيب والتحول انطلاقا من مبادئ وعلاقات ضرورية محددة، وعن طريقها يمكن فهم كل صور الحياة الاجتماعية،