- الخضوع للسلطة : ع السلطة هي المصدر الذي لا يُناقش، والذي نخضع له بناء على إيماننا بأن رأيه هو الكلمة النهائية وأن معرفته تسمو على معرفتنا وأبرز مثل للسلطة الفكرية في تاريخ الفكر هو أرسطو . والخضوع للسلطة أسلوب مريح في حل المشكلات ولكنه أسلوب ينم عن العجز والافتقار إلى الروح الخلاقة. لقد تحكمت سلطة أرسطو في العلم وعاقته عن التقديم حتى جاء عصر النهضة فبدأ حربا شديدة ضد تلك السلطة . وكذلك العصور الوسطى الأوروبية، أي حوالي ٢٠٠٠ سنة، وكذلك كانت قضاياه تؤخذ بلا مناقشة في العالم الإسلامي، حيث كان يُعد "المعلم" الأول" وأن كان بعض المسلمين قد تحرروا من سلطته خاصة في ميدان العلم التجريبي . لقد أدى تقديس أرسطو في العصور الوسطى إلى الجناية عليه إذ أنه جَمدَه وجعله صنما، لقد بدأ العصر الحديث بنقد أرسطو على يد كل من ديكارت وبيكون وجاليليو . ولعل ما جعل أرسطو (كسلطة) تطغى على الأذهان طوال العصور الوسطى هو توافر عدة سمات محددة في تلك السلطة: أ) القدم: كلما كانت السلطة قديمة كلما اعتقد الناس في قيمتها وهذا التفكير ينطوي على نظرة إلى التاريخ تفترض أن التاريخ يسير في طريق التدهور، وأن الماضي أفضل من الحاضر، وهذه رؤية رجعية، وهي تنطوي على خطأ كبير لأن القدماء كانوا بشرا مثلنا مُعَرَّضين للصواب والخطأ، بل أن المنطق يقول بأننا كجيل حديث أفضل منهم لأننا نحيا عصرا أكثر تقدما من عصرهم وعلما أكثر تقدما من علمهم. لقد أعتقد القدماء في مركزية الأرض، ودوران الكواكب بما في ذلك الشمس حولها حتى جاء كوبر نيكوس وديكارت وجاليليو وجيوردانو برونو التراب والماء والهواء والنار كعناصر للكون وجاء لافوازية (ق ۱۸) ليثبت أن الهواء ليس عنصرا بل مجموعة من العناصر، وكذلك الماء الذي تبين أنه مؤلف من عنصرين . إنما يزداد في ب) الانتشار: إذا كانت صفة القدَم تُعبّر عن الامتداد الطولي في الزمان فإن صفة الانتشار تُعبر عن الامتداد العرضي بين الناس . فالرأي يكتسب سلطة إذا كان شائعا والحجة التي تواجه من يعترض على رأي شائع هي: هل ستكون أنت أحكم وأعلم من كل هؤلاء ؟ إن العلماء والمصلحين والمفكرين كانوا، عندما يواجهون بهذه الحجة، يقولون: نعم، ولولا نعم هذه لما تقدمت البشرية . إن الناس عادة تبحث عن الأسهل والمريح فيستسلمون للكسل العقلي ويصدقون ما هو شائع، يقفون ضد التيار . وينتصرون في النهاية . لكن علينا أن نفرق بين من يخالف الرأي الشائع لأن لديه شيئا جديدا، وبين من يخالفه لكي يشتهر، من باب "خالف تعرف" . جـ) الشهرة يكتسب الرأي سلطة كبيرة إذا كان صاحبه من المشاهير، والعلماء وأصحاب الفكر النقدي هم وحدهم من يدركون أن شهرة الأخطر من ذلك أن أجهزة الإعلام قادرة على نقل السلطة من ميدان إلى آخر، وهذا هو المبدأ الذي تقوم عليه كثير من الإعلانات : أن تظهر ممثلة جميلة في إعلان عن معجون أسنان، مع أن شهرتها في ميدانها الأصلي لا يبرر إطلاقا أن تكون خبيرة في ميدان طب الأسنان، لا تعني شهرته هذه أنه لابد أن يكون بالضرورة طبيب شاطر" في مجال طب العيون . د) الرغبة أو التمني: رغباتهم أو يُحبط أمانيهم، بدلا من أن تكون هي المركز، تلقي معارضة شديدة لأنها تقضي على المكانة المميزة للإنسان . وهكذا أيضا فإن نظرية التطور الداروينية التي تجعل الإنسان متطورا عن كائنات أدنى بدلاً من أن يكون مخلوقا سماويا، تلقى معارضة شديدة لأنها في رأي هؤلاء المعارضين تحط من شأن الإنسان . لقد خاف الناس في عصر جاليليو أن ينظروا في منظاره لكي يروا السماء بعين أقوى من العين البشرية العادية عشرات المرات، خشية أن تؤدي هذه النظرة إلى هدم عالم عزيز مألوف لديهم وقد ارتاحوا إليه، على طريقة خايف أصدقك !) . لأن الاقتناع بالجديد وتغيير الأفكار وفقا لذلك الاقتناع أمر عظيم لا يقدر عليه إلا أصحاب المنهج العلمي . - إنكار قوة العقل: في مجال الفن والشعر والأدب، يهيب الإنسان بقوى أخرى غير العقل قد يسميها الخيال أو الحدس أو الإلهام ويؤمن أن هذه القوى، وليس العقل والمنطق، هي الأقدر على الأخذ بيده والوصول به إلى الإحساس المطلوب والمتعة الفنية المطلوبة، قد تكون هذه الوسائل مناسبة فعلا لهذا المجال الفني، لكن أعداء العلم يستغلونها من أجل الحط من شأن العلم والحد من قدرته . إن ميدان العلم مختلف، لأنه يتعامل مع المواد لا مع العواطف ومن ثم كان لابد أن يستخدم المنهج العلمي المادي الذي عرضنا له، إن الإنسان يحتاج نوعي المعرفة هذين، كل في مجاله الخاص، ودون خلط بينهما . ٤ - التعصب : التعصب هو اعتقاد المرء بأنه يملك الحقيقة كاملة أو الفضيلة كاملة دونا عن بقية الناس. وفي سبيل تمجيد نفسه، يتعهد أن يحط من شأن الآخرين، وفي المقابل فإن الإنسان المعتد بنفسه، الواثق في نفسه لا يبني مجده على حساب الآخرين، بل قد يعترف لهم بالفضل مع تأكيده لفضله هو أيضا . يتعصب لذاته وإنما يتعصب للجماعة أو القبيلة التي ينتمي إليها، وهنا ينتهي التعصب بصاحبه إلى أن يُذيب عقله ووجدانه في الجماعة التي ينتمي إليها. ويؤدي به ذلك إلى ارتكاب أبشع الجرائم ارضاء لنزعة التعصب تلك، قد يصل به الأمر إلى حد قتل الآخر . هكذا كان أساس النازية هو أسطورة "الجنس الآري المتفوق" وكان أساس التفرقة العنصرية هو أسطورة "الجنس الزنجي المنحط" . إن التعصب ورفض الآخر أفة مجتمعنا،