ان الاختيارات الفقهية التي نقلناها الامام البخاري في صحيحه و الموافقة لمشهور المالكية تأخذ ابتداء الوصف الذي اتصف به صحيح البخاري الذي هو اصح كتاب بعد كتاب الله ، لا نقول انها تتجمل به من جهة الموافقة فقط بل لان الاصول التي يقول بها المالكية لها جانب كبير من وحضور قوي ، وان كنا تطرقنا الى عمل اهل المدينة فقد يبقى اعتقادنا اننا ولو امعنا البحث في غير العبادات لوجدنا اصول اخرى ،هذا الذي ندندن حوله منذ ان كشف الشراح و الدارسين للصحيح ، عظيم النفع لهذا الكتاب وهو بذلك من المدونات التي حفظ الله بها الدين . ان التشابه الكبير بين الامام البخاري و الامام مالك ومذهبه راجع بالأساس الى انتماءهما الى مدرسة الاثر، وهذا لا يعنى ان تأثر البخاري بمدرسة الراي غير موجودة بل هو حاضرة حضور شيخه اسحاق بن راهويه ،واثره الكبير في عقليته العلمية ،ثم ان عبقرية البخاري تجلت في صحة التخريج ، وقوة شروطه التي يثبت بها صدق نسبة السنة الى قائلها عليه الصلاة و السلام. ان فقهه البخاري يكمن في تراجمه الظهارة منها والتي تطابق لما اورده من ادلة سواء كانت عمامات القران او من السنة، او خفية او الترجمة بصیغة الاستفهام: وذلك بأن تكون ترجمة الباب مصوغة على عبارة من عبارات الاستفهام، والمقصود من الاستفهام ما یتوجه بعد في الباب من النفي أو الاثبات، وقد يعبر بهذه الصیغة لإثارة لانتباه الذهن وإعمال الفكر؛ وذلك إما لكون مسألة الباب موضع اختلاف تحتاج للبحث والترجیح .ان مسائل التي بحثنا فيها على قلتها كالرخصة في استقبال القبلة للبول و الغائط في البنيان ، ومس الذكر وطهارة سؤر الكلب ومسح جميع الراس في الوضوء و المسألة الاذان مثنى مثنى و كراهة كف الثوب و الشعر في الصلاة، ومشروعية بناء مسجد في الطريق العام اذا لم يلحق ضرر وهو المسائل التي وافق فيها الامام البخاري كتاب الزكاة ولم نعثر الا على مسالتين احداهما التفريق بين الركاز والمدن و الاخرى موافقة البخاري لأصل من اصول المالكية وهو مقدار المد والصاع الذي وهو عمل اهل المدينة الذي طريقه النقل وفي الحج هل تشترط الراحلة لوجوب الحج ،والاذان في كل من الصلاتين في العشائين في مزدلفة والوصال الى السحر و جواز الافطار من صوم التطوع، وعدم القضاء بعذرو غيرها من المسائل ،وهي من المسائل التي لا يخفى على طلبة العلم مدى الحاجة الى بيان حقيقتها واستيعابها بالبحث و التفصيل، التي بحثنا عنها في كتب الفقه المالكي و شراح البخاري لا ندعي انها محصورة في هذه العدد ، لكن جهد المقل ادى الى هذا العدد ، ولا ندعي اننا لم نجد غيرها بل خشية الاطالة والخروج عن القيود التي فرضتها خصوصية البحث. ومما يزيد البحث وضوحا اعتمادنا فقه الترجمة لمعرفة مقصود البخاري ثم تليها تحرير المسألة من الناحية الفقهية لمعرفة الجانب المذهبي للأمام البخاري وما يقابله من ائمة المالكية وادراك وجه الدلال للنص من خلال اصول الاستدلال للأمام البخاري او ما قابله من علماء المالكية. ولقد اجتهد البخاري غاية الاجتهاد في انتقاء .كل شيء يذكره في صحيحه، فكان من الفقهاء المالكية العناية بالصحيح بل نقل كثير من العلماء ان ابن حجر كان يعتمد في شرحه على اربع علماء من المالكية منهم ابن عبد البر ،و من ينقل أراء مالك منهم الحطاب في مواهب الجليل ، حتى ابن قدامة الحنبلي في المغني نقل عن البخاري في كتاب الاحصارٍ رأي مالك المسالة.بقيت المسالة الاخيرة في باب الطهارة كذلك من الاهمية بمكان ،ذلك ان موضوعها وخلاف العلماء فيها ان اختيار البخاري لمذهب اليه المالكية هو الذي يتفق مع النص القراني الذي ورد فيه .