يُعْنى المنهج الاجتماعي بالبحث في العوامل الخارجيّة التي تُحيط بالأدب وتؤثّر فيه، ومحاولة تفسيره في ضوء السياق الاجتماعي والظروف الاقتصادية والسياسيّة. ينتمي إلى التفسيرات العليّة التي تحاول رد الأدب إلى أصوله. وقد أثارت هذه العلاقة المركبة والمتشابكة بين الأدب وبين الواقع الاجتماعي الكثير من القضايا الفكريّة والفلسفيّة والجمالية التي درست في النقد الأدبي وكذا في علم الاجتماع. فإن المنهج الاجتماعي يبحث، أساساً، عن العلاقات التي تربط الإبداع الأدبي بالشروط الاجتماعيّة المتحكمة في إنتاجه، مع مجموعةٍ من النقاد، رغبةً منهم في الارتقاء بالنقد الأدبي إلى مدارج الموضوعيّة العلميّة المجردة من النزعات والأهواء الفرديّة. بعد ذلك، ستتولى الأعمال النقدية ذات التوجه الاجتماعي، ومن هؤلاء النقاد، إنَّ هؤلاء النقاد، والتي وإن اختلفت في التعاطي مع الأدب إلاّ أنها تضافرت في جوهر واحد؛ وتجدر الإشارة، إلى أنّ المنهج الاجتماعي اِنتقل إلى العالم العربي عن طريقِ المثاقفة والاحتكاك بأعلام النقد الاجتماعي في أوروبا، "إدريس ناقوري"، أولهما المنهج، وهذا ما توضّحهُ اللفظة الثانية في العنوان، وجماع المعنى، فإنّ العنوان يومئ إلى مرحلةٍ جديدةٍ في النقد الأدبي، تتخذ المجتمع منطلقاً لها في تفسير الأدب. وهذا ما تؤكده الفقرة الأولى من النصّ التي تستعرض السياق التاريخي لظهور المنهج الاجتماعي، من النقاد العرب، إذ تعدُّ كتاباته، من الكتابات النظريّة التي واكبت النقد الأدبي تقعيداً وتأصيلاً. وقد ألفّ في هذا المجال العديد من الكتبِ نسوق منها على سبيل المثال: "دليل الناقد الأدبي" ثم "موسوعة النظريات الأدبيّة" وهو الكتاب الذي اقتطف منه النص الذي نحن بصدد دراسته. استناداً إلى كلِّ هذه المعطيات والملاحظات، نفترض بأنّ النص عبارة عن مقالةٍ نظريّة/نقدية سيوضّح فيها الناقد خصائص المنهج الاجتماعي ورواده وأهم الطروحات النقديّة التي اجترحها أعلامُ هذا المنهج النقدي. يتمحور النص حول قضيّة عامة مؤدّاها: الخصائص المميزة للمنهج الاجتماعي عند لوسيان غولدمان باعتباره رائد الاتجاه البنيوي التوليدي أو ما يسمّى، حسب صلاح فضل، بعلم اِجتماع الإبداع الفني. تتحدد أولى هذه القضايا في توضيح الناقد للسياق التاريخي لبروز المنهج الاجتماعي، الذي لم يكن له أن يرى النور، لولا جهود الناقدة الفرنسيّة "مدام دوستايل" خصوصاً في كتابها "الأدب في علاقته بالمؤسسات"، أما القضيّة الثانية فتكشف أنّ تبلور النظريّة السوسيولوجيّة في الأدب لم يبلغ أوجه إلاّ باجتهادات "جورج لوكاتش" و"لوسيان غولدمان". أفرد الناقد نبيل راغب مساحة نصيّة كبيرة، للقضية الثالثة، فرضياتٌ دمجت البنيوية والسوسيولوجية في بوتقة نقدية تفسر المضمون الاجتماعي في ضوء الشكل الفنّي، ويمكن جرد هذه الفرضيات فيما يلي: إنها، نسقٌ من التفكير يفرضُ نفسهُ، في بعض الشروط، على فئة من الناس توجدُ بين أعضائها أوضاع اقتصاديّة واجتماعيّة متشابهة؛ - الفرضية الثانية: تعتبر البنية العقلية أساس الحياة الإنسانية والاجتماعيّة، وهذه البنية الذهنيّة تشكلُ مقولات دالة تعكس الظواهر الاجتماعيّة؛ - الفرضيّة الثالثة: هناك تماثل بين بنية وعي المجموعة الاجتماعية وعالم العمل الأدبي؛ - الفرضيّة الخامسة: ترفض البنيوية التكوينية التفسيرات الفرويدية للعمل الأدبي على أنها كبت مسبق، أو عمليات غير واعية مرضية. بعد كلِّ هذه الفرضيات انتقل الناقد إلى شرح عمليات دراسة العمل الأدبي من منطلق بنيوي تكويني، العمليّة الأولى ترتكز على الفهم؛ فهم العمل الأدبي من خلال الكشف عن بنية دالة متأصّلة فيه، أي البحث عن العلائق التي تربط البنية الدالة بالنية الشاملة. وعموما، تروم توضيح الطروحات والفرضيات النظريّة التي يستند إليها المنهج البنيوي التكويني في تفسيره للعمل الأدبي. فإننا هنا بصدد تحليل مقالة نقديّة تشكلُّ خطاباً واصفاً لخطابٍ واصفٍ. وانسجاماً مع هذه القضايا، العمل الأدبي، الوحدة العضوية والبنيوية، المضمون الاجتماعي، رؤية العالم. . وهنا، ذلك أنَّ كلَّ عملٍ أدبي، لا بدّ أن يستبطنَ الرؤى الاجتماعيّة التي تخلّق فيها. يكون معبراً عن الشروط الاجتماعيّة التي أسهمت في إفرازه. وذلك بغرض استعراض أفكاره النقديّة بشكل علميٍّ وموضوعي؛ كما تحضر في النص خلفيّة نظرية أخرى، الذي انتقده "لوسيان غولدمان" معتبراً أنَّ عملية خلق العمل الأدبي لا ترتكن إلى مكبوتٍ نفسيٍّ يرتبط بالوعي واللاوعي. فضلا عن هذا، فقد اتكأ الناقد على المنهج البنيوي، بل إنّه دمج بين البنيوية والمنهج الاجتماعي داخل منظومة نقديّة ترُوم فهم النص الأدبي فهماً نسقيّاً ثم ربطه بإطاره السوسيولوجي. بناءً عليه، والتسلسل الدلالي في تركيب المفاهيم. وبهذا، فقد تناسل النص داخل مقدمة وعرضٍ وخاتمة. في المقدمة عرض الناقد السياق التاريخي لبروز المنهج الاجتماعي. وبالتالي؛ فإنَّ هذه الخطة المنهجية، هذا ناهيك على أنّ الناقد بنى نصّه بلغة تقريرية واصفة تربأ عن الإمتاع البلاغي. وقد أسهمت آليات البرهنة والتفسير في إضفاء طاقة إقناعيّة على أفكار الناقد، ، التفسير (وهذا يعني أن الأبنية العقليّة. ليست ظواهر فرديّة. ، ثم التأكيد (إنّ كلّ دراسة نقديّة يجب أن تبدأ بتشريح العمل الأدبي. . وبالإضافة إلى هذه الآليات، ومن هذه الأدوات نجد على سبيل المثال لا الحصر، إذ يعود الضمير (ها) على الأديبة مادام دوستايل. ثم هناك أدوات كثيرة للوصل مبثوثة في كل أرجاء النص نورد منها: الوصل الإضافي الوارد في الملفوظ ( ليس شيئا هلاميا أو مجرد لهو أو نزوة منعزلة)، إذ تَمَّ وَصْلُ هذه المتوالية اللسانية بواسطة الأداة (أو). الوصل العكسي (إن الفهم والشرح ليسا عمليتين عقليتين مختلفتين، في المحصلة الأخيرة، بعد مقاربتنا التحليلية لهذا النص، وذلك من خلال توصيفه للمنهج الاجتماعي توصفياً نقدياً، يرتكز على آليات نقد النقد، فالناقد عمل جاهداً على توضيح أهمية المنهج الاجتماعي في دراسة الأدب، وخصوصاً المنهج البنيوي التكويني الذي يعدُّ فرعاً من فروع المنهج الاجتماعي.