وعينان مغمضتان لا تقويان جفونهما على النهوض، وشفاه ذابلة تهمهم بكلمات غير مفهومة، ورويدا رويدا بدأت أعينه تتفتح على إستحياء لتطل شاخصة على سقف الغرفة لتلتهم من الدنيا نظرات تكاد تكون هي نهاية عهده بها، فكان رضي النفس لم يأب الموت على قدر فراقه عنهم، وظل يحدث نفسه بأنه قدم الكثير والكثير لهم ممتناً لنفسه معتزاً بما قدمه وهو ما زال على عهده الذي قطعه على نفسه ولم يخلف به، فما إن عاد بذكراه إلى واقعه راح يتطلع إلى أبنائه وأحفاده وأنفاسه تتردد في بطء كأنما يتنهد حتى بادره ابنه (طه): ووقعت عيناه على ابنته وهي تمسح دموعها بوشاح رأسها ويرتج جسدها من أثر البكاء بنشيج مسموع، وخرجت من الغرفة وتبعتها ابنتها (فريدة) فبدت بأنها فتاة جذابة في الثامنة عشرة من عمرها دقيقة القسمات سوداء العين وردية الوجنتين يتدفق شعرها على كتفها كشلال رغم إحاطة رأسها بوشاح،