ومنها النظم التربوية التي تتعلق بالطرق التي يسير عليها المجتمع في تكوين الجيل الناشئ وإعداده للحياة المستقبلة . ومنها النظم الجمالية التي يترسمها المجتمع في شئون الجمال ومظاهر الفن من أدب وشعر وموسيقى وغناء وتصوير وما يتصل بهذه الشئون . ومنها نظم و البنية الاجتماعية أو نظم التكتل ، أو ما تسميه مدرسة دور كايم Durkheim و بالنظم المورفولوجية ، أي تشرف على تنسيق شئون التكتل نفسه ، ومن الدولة إلى خارجها ، لأن الهجرة من الأمور التي تطرأ على التكتل نفسه فتغير من أوضاعه ، وجميع ما يتصل بهذه الشئون . وإذا نظرنا إلى الظواهر الاجتماعية من ناحية علاقتها بالتفكير والعمل ظهر لنا أنها تنقسم قسمين : أحدهما يتمثل في قواعد تشرف على التفكير الإنساني ، كالقاعدة الخلقية التي توجب على الفرد أن يعتقد أن الصدق فضيلة وأن الكذب رذيلة . أحدهما يتمثل في نظم ثبتت واستقرت وأصبحت جزءاً من شريعة المجتمع ، ويتمثل الآخر في تيارات تطورية لم تستقر بعد ولكنها تشق طريقها نحو الثبات والاستقرار. حتى وهي في المرحلة الأولى من مراحلها ، ومترجمة عن اتجاهه ، وما يجنح إليه في شئون حياته وتغيير نظمه . ولكن الزوايا السابقة هي أهم زوايا النظر في هذه الظواهر. ويبدو مما كتبه ابن خلدون في المقدمة أنه كانت لديه فكرة واضحة عن اتساع نطاق الظواهر الاجتماعية وشمولها لجميع أنواع الظواهر السابق ذكرها ، وأنه لم يغادر أي قسم من أقسامها الإ عرض له بالدراسة . فعرض في معظم البابين الأول والرابع من المقدمة للظواهر المتصلة بطريقة التجمع الإنساني ، أي للنظم التي يسير عليها التكتل الإنساني نفسه ، وهذه هي الشعبة التي سماها العلامة دوركايم و المورفولوجيا الاجتماعية La Morphologie Sociale أو : علم البنية الاجتماعية ، وظن هو وأعضاء مدرسته أنهم أول من عنى بدراسة مسائلها ، ولم يدروا أنه قد سبقهم إلى ذلك ابن خلدون بأكثر من خمسة قرون،