ومادام يتملكه نوع من الفضول، وبذلك فهو منذ القديم يسعى إلى إدراك حقيقة ذاته وحقيقة العالم والظواهر المحيطة به، من أهمها البحوث المتعلقة بالفلسفة وأخرى متعلقة بالعلم، والتي تطرح مشكلة أساسية تتعلق بطبيعة العلاقة بينهما، وبالتالي يمكن طرح التساؤلات : ما الفرق بين العلم والفلسفة؟ وبصيغة أخرى إذا كانت الفلسفة والعلم مجالين معرفيين مختلفين هل هذا ينفي وجود علاقة تكاملية بينهما؟. فإذا كانت الفلسفة على حد قول أرسطو "بحثا عن الوجود بما هو موجود"، فالفلسفة هي نشاط ذهني يعبر عن القوانين العامة للوجود، أما العلم فهو مجموعة من القواعد والقوانين التي يتم من خلالها تفسير الظواهر ومعرفة العلاقات القائمة بينها، فالمعرفة العلمية هي معرفة ذات طابع عام، وهي معرفة موضوعية يمكن تعميمها على كل الظواهر المشابهة، فموضوع الفلسفة هو العالم المعقول والميتافيزيقي، فالفلسفة تتجاوز الظواهر المحسوسة، بمعنى أن الفيلسوف يكون هنا باحثا عن العلل الأولى للموجودات، ومتجولا في عالم إنساني عقلي لا يتمكن العلم من الوصول إليه مثل الأخلاق، وهكذا فالفيلسوف ينظر بعين العقل إلى ما وراء الظواهر، وهذا ما عبر عنه مين دوبيران بقوله :"كل الفلسفات مفارقة للعالم لأن الصيغة الفلسفية تتعامل مع ما هو ميتافيزيقي"، وبالتالي فالفلسفة لا تقتصر في دراستها على مواضيع محددة، فنقطة بداية العالم هو ملاحظة ما يوجد في هذا العالم من ظواهر جزئية محسوسة، سعيا إلى صياغة قوانين عامة تحكم الظواهر الطبيعية، فالعلم يختص في دراسته بالمواضيع المادية المحسوسة التي لها وجود عيني، وبالتالي تكون قابلة للدراسة التجريبية مثل علوم المادة الجامدة،