لم يكد النبي صلى الله عليه وسلم يفارق أصحابه حتى ظهر بينهم خلاف أوشك أن يكون عظيم الخطر على وحدتهم ، الله عليه وسلم في سياستهم وتدبير شئونهم . أما الأنصار فظنوا أن الأمر ينبغي أن يكون فيهم ، آووا النبي صلى الله عليه وسلم والذين هاجروا، وخاضوا المعارك في سبيل الله ، فاجتمعوا بالفعل ، وأزمعوا أن يبايعوا رجلاً منهم بالخلافة ، ورشحوا سعد بن عبادة زعيم الخزرج . ولكن الأمر انتهى إلى زعماء المهاجرين ، فأسرع أبو بكر، وعمر، وأبو عبيدة ابن الجراح إلى الأنصار، ودار بينهم شيء من الجدال، وخطب فيهم أبو بكر وقال لهم : نحن الأمراء وأنتم الوزراء. وأقنعهم بالأمر حتى سمحت نفوسهم ، وكرهوا أن يأخذوا الخلافة أجراً على ما أبلوا في دين الله من البلاء، ثم أسرع عمر إلى بيعة أبي بكر، فتبعه الأنصار، وبايع بعد ذلك سائر المسلمين في المدينة، واستقام الأمر لأبي بكر. ولكن أبا بكر رضي الله عنه واجه خلافاً كاد شره أن يستطير ويصبح خطراً على الإسلام ، لولا أن الله كتب لهذا الدين الحفظ ( إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ ) (1) . فألقى في قلب أبي بكر اليقين، ثبات، وصمم على حسمه مهما كلفه من عناء. واجه أبو بكر قوماً امتنعوا عن الزكاة، وقالوا : نقيم الصلاة ولا نؤتي الزكاة ، فأبى إلا أن يؤدوا إليه ما كانوا يؤدونه الرسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ لا فرق بين الصلاة والزكاة ، وقال كلمته المأثورة : ( والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه ما استمسك السيف بيدي » . وواجه قوماً آخرين ظهر منهم كذابون ادعوا لأنفسهم النبوة ، وتلوا على قومهم كلاماً زعموا أنه وحى من الله ، ظهر الأسود العنسي في اليمن، ومسيلمة في بنى حنيفة باليمامة ، وطلحة في بني أسد، وظهرت سجاح في أحياء من بني تميم . وحارب أبو بكر هؤلاء وأولئك ، لأنهم مرتدون ، حتى فاءت الجزيرة العربية إلى ربها ، وعادت خالصة للإسلام ،