ويشير تأمل الحقيقة أو الظاهرة الاجتماعية إلى تميزها بعدة خصائص أساسية نعرض لبعض منها في الصفحات التالية، وذلك يرجع إلى أن تحديد الرواد الأول لمجال علم الاجتماع للظواهر الاجتماعية تحقق تحت تأثير تحديد العلوم الطبيعية لمجالها وظواهرها، ثار نقاش حول طبيعة العلاقة بين الظاهرة أو الدافعة الاجتماعية بين الإنسان الفرد كحقيقة جزئية من ناحية وبين ذات الظواهر وبين المجتمع كحقيقة كلية شاملة. وأن البعد الاجتماعي إلى جانب البعد الذاتي موجود في داخل الإنسان منذ الولادة وأنه نظرا لأن حالة الاجتماع لها أسبقيتها وسموها على التكوينات البيلوجية و الذاتية، وإذ أكدت دراسات عديدة وجود علاقة متبادلة بين الظاهرة الاجتماعية والفاعل الذي أسسها او الذي أسسته وأن الظاهرة الاجتماعية لا تتوقف عن الوجود إذا أمسك بعض البشر عن الاعتقاد في وجودها أو لم يشاركوا فيها. وذلك يرجع إلى أن الكيانات الاجتماعية المجتمعات التنظيمات الأسر هي عبارة عن بناءات تتشكل من العلاقات بين العناصر المكونة لها، فسوف نجد أنها تتكون من مجموعة الأدوار والمكانات التي تشغل وتنجز بواسطة البشر الأفراد، ومن ثم فمن الصعب إدراك هذه الأبنية الاجتماعية بدون إدراك الأفراد في مكاناتهم الاجتماعية أو وهم يؤدون أدوارهم الاجتماعية، في مقابل أن المكانات الاجتماعية للبشر لا يمكن إدراكها بدون أدراك الأبنية الاجتماعية التي تحتويها وذلك يرجع إلى أن الظواهر الاجتماعية إلى حد كبير، هي نتاج عقلي ولا يعني ذلك أن خصائص المجتمع تنبثق بصورة مباشرة عن السلوكيات والأفكار الفردية، غير أن هذا التغير لا يحدث على شكل قفزات مفاجئة أو أحداث عرضية عشوائية ولكنه يتبع نظاما ثابتا نسبيا (٢٥). وهو ما يعني ترك اختيار زاوية جمع إدراك الحقيقة الاجتماعية وفقا لمرجعية الباحث وطبيعة تدريبه الأكاديمي (1). وهي ملاحظة قد نختلف معها لأن الخبرة بالظاهرة أو الحقيقة الاجتماعية تشير إلى أنها لا يمكن أن تكون منقسمة على ذاتها وإنما هي تبدو كذلك بالنظر إلى تصور نظري معين، ومن ثم كانت أميل - أى الوضعية - إلى تناول العناصر والتركيز على الرؤية الجزئية للحقيقة ارتبطت المثالية بالتناول الكلي و التحليلي للحقيقة موضع الدراسة. في حين يؤكد العامل الثالث على أن تخلف البحث الاجتماعي باسه الموضوعية أعاق الأتفاق حول الخصائص الأساسية للحقيقة الاجتماعية حيث لم يتم إجراء البحوث حول الموضوعات الخلافية، كظاهرة الزواج أو ظاهرة تعاون الأفراد للإرتقاء بأوضاع المجتمع المحلى أو ظاهرة تزايد التدين في المجتمع في أوقات الأزمات، وهم يهربون من هذه الضغوط بتعاطى المخدرات وانتشار العنف في الحياة الأسرية مثل قتل الأزواج أو قتل الزوجات أو قتل الأبناء بعد تنبيها يعنى أن الحياة الأسرية في خطر، 5_بالإضافة إلى ذلك تتميز الظاهرة الإجتماعية تتميز بالعمومية بمعنى أنها عامة بین افراد المجتمع، وتعنى هذه العمومية أن الأفراد في مجتمع أو جماعة معينة من الضروري أن يشاركوا في الظواهر الإجتماعية السائدة في مجتمعهم. وإن كان البعض منهم قد يمتنع عن الزواج وتشكيل أسرة وعلى هذا النحو فإننا نجد أن للعمومية مستويات، فهناك بعض الظواهر العامة التي تنتشر بين فئات معينة كانتشار تناول الأكلات السريعة بين فئة الشباب مثلا، ٦- وتشكل أسبقية الظاهرة الإجتماعية على وجود الفرد الخاصية الثانية المميزة لهذه الظاهرة، فهي سابقة على وجود الأفراد فوجود ظاهرة الزواج سابق على وجود الأفراد، وأن الأفراد يستوعبون عناصر الظاهرة من خلال عملية التنشئة الإجتماعية، فإنهم يتعرفون على أبعاد ومعالم الظاهرة بصورة أعمق من المجتمع، فإنه يعمل بإتجاه تنشئتهم وتدريبهم على المشاركة في مختلف الظواهر الاجتماعية. ونتيجة لبذلك لا تمتلك الظاهرة الإجتماعية أو النظام الإجتماعي بداية فردية محددة. وليست معبرة عن رغبات الأفراد أو ميولهم الفردية في هذا الإطار يوضح إميل دوركيم أنه إذا كان المجتمع يتكون من مجموعة من الأفراد كعناصر أساسية له، فإن ترابطهم يؤدى إلى ظهور ظواهر عديدة ومن الواضح أن نشأة وخصائص هذه الظواهر الجديدة لا يكمن أساسها في العناصر المشكلة لها، وفي موضع آخر يؤكد أن الفرد والمجتمع كائنات من طبيعة مختلفة إلا أنها ليست متناقضة، كذلك لا نستطيع أن تحدد تاريخيا أول شخص ابتدع تعاطى المخدرات للهروب من المشكلات والهموم، وتعنى خاصية الخارجية أن الفرد يولد في مجتمع له استمراره وله بناؤه وتنظيمه المحدد، كما تعنى الخارجية من ناحية ثانية أن كل فرد في المجتمع ليس إلا عنصرا محدودا في شبكة العلاقات والتفاعلات الإجتماعية التي تشكل المجتمع، ولا يعنى ذلك بطبيعة الحال أن المجتمع يمكن أن يوجد بعيدا عن كل الأفراد وخارج عنهم، وبذلك يحتوى الأفراد على البعد الاجتماعي بداخلهم ذلك يعنى أن المجتمع لا يكتفى أن تكون طبيعته خارجة عن ذواتنا الفردية، إلا أنه يحتوينا Envelop us ومن ثم فهو يعبر عن طبيعتنا ونحن ممتزجون به ومثلما يحصل الكائن العضوي الفيزيقي على غذائه من خارجه، وأن له وجوده المستقل ونشأته المستقلة فإنه - أى دوركيم - ينزع عن الأفراد شرف تأسيس النظام الإجتماعي، ويضرب دوركيم مثالاً على ذلك بالإنتحار الذي يأتيه الإنسان الفرد لينهى وجوده، وبذلك فإن أفعال التضحية إلى حد الإستشهاد قد تعبر عن المزاج الشخصي من الناحية الظاهرية، غير أنها تتصل في الحقيقة بوجود إحتياجات حقيقية أشمل من الأفراد وهي المجتمع والأوضاع التي تسوده (۳۱). يتجلى هذا الوجود الخارجي للمجتمع أن كل ظواهره ونظمة تقع فى كل لحظه ونحن لا نشارك فيها، وهو ما يشهد على وجودها المستقل عناء فالمجتمع يقع فيه زواج وطلاق وقتل جميعها ظواهر إجتماعية تقع سلوكياتها في كل لحظة، فهو لا يرى فيه سوى تعبير قوى وواضح الحقيقة بداخلنا عميقة الجذور هى إنعكاس للطبيعة المثالية للسلوك الذي تتطلبه الظاهرة الإجتماعية، واستناداً إلى أن الإنسان حيوان اجتماعي بطبعة نميل ونحب أن نفكر وتتصرف ونسلك حسبما تمليه الظاهرة الإجتماعية علينا. بدلا من عناء التفكير فى أبداع أساليب جديدة غير مأمونة العواقب أو النتائج. ففى إتباع ما يفعله الناس فيما يتعلق بموضوع معين تيسير في التكلفة النفسية والاجتماعية والاقتصادية، غير أن إبداع الأساليب الجديدة عادة ما يكون طفيفا لا يلمس العناصر الأساسية أو الجوهرية الخاصة بالزواج أو بالطقوس الاحتفالية الممهدة له. ويتمثل البعد الثاني أن الخروج على إملاءات الظاهرة الإجتماعية قد لا يلقى قبول الآخرين إن لم يواجه بالمقاومة، لأن ذلك أيسر ولأنه يشعرنا بالسعادة نتيجة للقبول والمباركة الاجتماعية التي تحصل عليها. ١١- وتشكل خاصية الترابط خاصية مميزة للظواهر الاجتماعية وهي خاصية مشتقة من ترابط ظواهر الكون ومكوناته، ذلك لأن الكون في ثباته واستمراره لا يخضع للعشوائية أو الصدفة. وإنما يخضع لقوانين دقيقة ينتظم بالنظر إليها، وهي مقولة تمت استعارتها عن العلوم الطبيعة ابان نشأة علم الاجتماع، حيث يدعم كلاهما الترابط الذي يدعمه وجود علاقات سببية بين أطرافه. بيد أن الخلاف الرئيسي فيما يتعلق بهذه الخاصية يدور حول طبيعة واتجاه السببية أساسا. فمعنى ذلك وجود ارتباط بين هذين العنصرين لكون الأفكار والمعتقدات هي التي توجه سلوكيات الأفراد، وتوفير متطلبات الزواج ذات طبيعة اقتصادية النظام الإقتصادي وقد يكون الزواج لتحقيق التوازن بين العائلات أو حل الخلافات القائمة بينها النظام العائلي، وهكذا فإننا إذا قمنا بتحليل أى ظاهرة إجتماعية فسوف نجد أسبابها في الظواهر أو النظم الإجتماعية المحيطة بها. وفي مقابل ذلك نجد أن الأجزاء تؤدى إسهامها ووظائفها باتجاه الإسهام في الحفاظ على بقاء الكل، وكلما كان المجتمع يحتاج بالحاح لهذا الإسهام لتأمين استمرار وجوده وفاعليته،