وفي اطار قيم وعلاقات تحدد له هويته وهوية الناس ، وتفسر طبيعة العالم ، وتفرض عليه دوراً تجاه نفسه وتجاه المجتمع لا يستطيع تغييره . وتعبر عملية التمويه عن نفسها سلوكياً في تجسيد العلاقات الفكرية ( rectification) في سلوك يقبل الامر الواقع كما هو دون تساؤل . والتمويه هو الذي يصنع الوعي الخاطئ الذي يجعلنا نرى العالم من خلال نظارات تصنعها ثقافتنا الاجتماعية والواقع المسيطر فيها ، من هنا كانت نظرتنا الى نفسنا والى تاريخنا والى العالم نظرة خاطئة تقوم على ما تدفعنا الى رؤيته المصلحة المسيطرة ، من سياسية واقتصادية واجتماعية ، وعلى الحاجة النفسية الى تعويض الشعور بالنقص . ان التوصل الى نظرة علمية تستطيع ان تتجاوز المصالح الجزئية التي يقوم عليها الواقع الاجتماعي والسياسي ، وان تتغلب على الشعور بالنقص والخيبة ، الى رفض التمويه السائد واستعادة الثقة بالذات وذلك بامتلاك الادراك النقدي والمعرفة الذاتية . ان القول ان الناس درجات في الفهم ، وفي مقدرتهم على المعرفة والعلم ، والجهل حالة طبيعية عند الكثيرين ، وان المعرفة عملية تتطلب الوقت الكثير ، ان هذا القول هو جزء من عملية التمويه فاكثر الناس قادرون على تجاوز الوعي الخاطئ والعودة الى علاقات اجتماعية تقوم على وضوح الرؤية للأشياء والتوصل الى المعرفة والوعي الصحيح . ولو لم يكن الامر كذلك لما كان ثمة أمل في التغير والتحرر الاجتماعي ، يبدأ الجدار التمويه بالانهيار عندما يحصل في المجتمع تحرك يؤدي ببعض افراده الى التساؤل حول المعطيات الاساسية المسلم بها في المجتمع . ففي القرون الوسطى اعتبر هذا التساؤل كفرا والتي بمن تفوه به الى النار ، أما في الأزمنة الحديثة فانه اعتبر تحدياً للدولة والتي بمن قال به في السجون . ان انهيار جدار التمويه لا يؤدي مباشرة الى انبثاق الوعي وانتشار المعرفة النقدية . التي تمر فيها كل المجتمعات في سيرها من مراحل السبات التاريخي المحافظ الى مراحل التجديد والتغيير والتحديث ، ففي هذه الفترة تطغى الفوضى على كل مظاهر الحياة في المجتمع ، في اخلاقه وقيمه وسلوكه كما في مدنه ومدارسه ومؤسساته . وبرغم ان القيم والعادات والانظمة المتوارثة قد تتعرض في هذه الفترة للهجوم المباشر او غير المباشر ، فان هذا الهجوم لا يرمي الى التحطيم أو الهدم ، اذ تقدم هذه الفترة ستاراً تحتمي وراءه قوى التغيير والانتقال ، وما الفوضى التي نرى ملامحها الفكرية في التعبيرات المختلفة للوعي في مجتمعنا الا انعكاس للفوضى التي نرى تجسيدها في الاسس والعلاقات والسلوك الاجتماعية حولنا . وانني استعمل كلمة فوضى عمداً كي اعبر عن الصفتين الاساسيتين اللتين تميزان عملية التغيير الاجتماعي التي يختبرها مجتمعنا ، وهما ضخامة القوة الموضوعية المتوافرة في مجتمعنا لعملية التغيير واستقلالها عن اية ارادة ذاتية موجهة في هذه الفترة . ان عملية السيطرة على القوة الاجتماعية الفاعلة في المجتمع ، وتسييرها في اتجاه مرتبط بإرادة ذاتية موجهة بحيث تصبح الفوضى ، التي تختبرها يومياً في حياتنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، حركة خلاقة وبناءة قادرة على تطوير المجتمع ونقله الى صعيد انساني اعلى ، ان عملية السيطرة هذه تحتاج الى الوعي المتغلب على التمويه ، والقادر على المعرفة النقدية . فتصبح الفوضى قوة اجتماعية تنبثق من صميم المجتمع الممزق لتعبر عن نفسها في نظرية شاملة مرتبطة بإرادة واعية وقادرة . لا يمكن للإرادة الذاتية ان تكون قاعدة في المجتمع اذا كان مصدرها فقط منابع خارجة عن المجتمع . فالأخذ بالنظريات والمفاهيم الواردة من الخارج يتعذر ان يؤدي الا الى تعزيز التعمية والفوضى اللتين نعانيها حالياً . وعبر عنه بإسلوبه الخاص ولغته الخاصة فاصبح وسيلة مستقلة للمعرفة والادراك . لا تصبح معرفة حقة الا عندما تمتلكها الذات الاجتماعية الشاملة ، ان كل علم وفن وفلسفة تبقى وسيلة للتمويه والكبت ما دام شكلها مستورد تعرض وتعلم في المدارس والجامعات كما تعرض السلع المستوردة وتشترى دون ادراك لماهيتها والنهج الذي اتبع في صنعها . ان العلم والفن والفلسفة المستوردة تحافظ على استمرار ذهنية الوعي الخاطئ وتقويها في المجتمع. ان النقطة الرئيسية التي اود التشديد عليها هي ان ما يقود العلم ويسيره في المجتمع هو دافع ينبثق من ذلك المجتمع ، وليست القيم والاهداف المجردة والمطلقة التي يضعها المجتمع مرمى له ولجهده الجماعي . تقول الايديولوجية الرأسمالية الليبرالية ، ان هدف المجتمع حماية الفرد والحفاظ على حريته ورفاهيته وسعادته ، بينما الواقع ان الفرد في هذا المجتمع مغترب ومستغل ومحروم ومقهور. قال الاميركيون فيتنام بالقنابل ) وقتل مئات الألوف من المدنيين الابرياء) هو الحماية الديموقراطية وه العالم الحر بينما الواقع هو أن جنوبي فيتنام كانت ديكتاتورية عسكرية رفضها الشعب الفيتنامي وعانى على ايدي قادتها المدعومين بالمال والسلاح ان قذف الاميركي أشد أنواع القهر والتعذيب . الان العلم والتكنولوجيا في الغرب ، يقومان في النظام الحاضر على العنف والدمار وليس على الخير والسعادة والسلام. وتعبر عن نفسها في علاقاته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في اوروبا وفي اميركا . ان الخبل يخيف اكثر عندما يصيب القوي والمعافى جسمياً فلا تظهر عوارضه واضحة . الذي وضعناه مثالاً نحتذي به ، ان اخذنا بهذا النموذج لا يمكنه الا ان يؤدي الى غرس التوتر ، كما حدث تماماً في المجتمعات الغربية و المتقدمة ، عندما بدأنا ندرس السلوك الاجتماعي في المجتمع العربي وعلاقته بالعائلة بنمط تربية الفرد وبالتثقيف الاجتماعي ) ، مثالاً على ذلك : الملاحظة الآتية : بعنوان " تأثير المسايرة في مقدرة الفرد الانتاجية" : فهو اما يحرث في حديقته واما بعد الحطب للشتاء واما يصلح سيارته واما يقرأ . فيدعو صديقاً إلى زيارته ، وان لم يجد احداً ، يتوجه الى المقهى ، وضعت دون اي تعليق ، فان المقارنة بين السلوكين تعبر من خلال العنوان عن ان صفة المسايرة التي يتميز بها سلوكنا تعرقل الانتاج الاجتماعي ، بينما نزعة العمل عند الغربيين تزيد منه . لا شك ، اذا كان الانتاج يشكل هدفاً في ذاته ، وخارجاً عن اي اعتبار اجتماعي وانساني ، فان السلوك الاميركي يجب ان يفضل على السلوك العربي . وهنا يظهر خطأنا العلمي في المقارنة ، بسبب ان العلاقات الاجتماعية التي يعيشها الغربي ، بما فيها من ارتباطات وواجبات ، هي التي تقرر نمط سلوكه في الاحوال المختلفة بما فيها وقت فراغه ، لان يعمل دائماً ، حتى في اسلوب تسليته . اما العربي فوضعه الاجتماعي والثقافي مختلف ، وبالتالي عاداته واهدافه وقيمه مختلفة ايضاً . فضيلة كبرى يعتر بها . او الذي يزيد من متعته وسعادته في الحياة . وفي كل ما نصنع ، فاصبحنا نأخذ بكل ما هو غربي ونرفض كل ما يناقضه. في ثقافتنا وفي ثقافة المجتمعات الاشتراكية . ان عملية النقد العلمي تقع على عاتق الجيل الجديد من المثقفين . ربما كان الجيل الجديد أكثر قدرة من الجيل السابق على رفض التمويه واتخاذ مواقف نقدية نحو القيم والافكار التي تبثها المدارس والجامعات ( والتي يفرضها الغرب بواسطة المجتمع الاستهلاكي القائم) ، بصفته جيل الاستقلال والثورة . له الحقوق نفسها كغيره من المواطنين الفرنسيين أن احتقارنا لذاتنا، ومحاولتنا التغلب على هذا الاحتقار بالتعويض النفسي ( بالتبجح على الغرب ، بما قدمناه الى الغرب من علم وفلسفة الخ ) ، التمويه الذي تعرضنا له ، والذي جاء به الاستعمار بواسطة مدارسه وجامعاته ومؤسساته ووسائل اعلامه ، لاقى قبولاً كلياً عندنا لشعورنا التلقائي بان كل ما هو فرنسي او انكليزي أو اميركي يتفوق على ما عندنا ولو قلنا العكس . ان هذا التمويه ذاته يلاقي الآن رفضاً ومقاومة شديدين عند الجيل الطالع الذي اخذ ينبذ ، ما يفرض عليه من الخارج . (حتى لو بقي مستسلماً له حضارياً ونفسياً ) ، يحتاج كسر الطوق ، الذي يبعدنا عن انفسنا ويحجب عنا حقيقتنا وحقيقة مجتمعنا ، الى التغلب على التمويه والتملك من ناحية المعرفة النقدية والتوصل الى المعرفة الذاتية المستقلة التي تشكل القاعدة الوحيدة للوعي الاجتماعي الصحيح . من هنا كان خطر التمويه الداخلي ، اي ذلك الذي ينبع من المجتمع ذاته ، من قيمه وعلاقاته المسيطرة التي تفرضها القوى الحاكمة فيه . يمثل المجتمع عندما يدخله الفرد طفلاً ، و مبدأ الواقع » ( reality‏ ‏principle ) بحسب تعبير فرويد : ويفرض على الطفل كل الصفات والعادات والميزات التي تجعله انسانا على صورة الانسان في مجتمعه ، ويجبره على ترك ومبدأ اللذة ( pleasure principle ) عالم السعادة الطفولي المتناقض مع عالم الواقع الراشد . وهدف كل مجتمع تجاه كل طفل ان يصهره نفسياً وذهنياً ليطابق القالب الحضاري لذلك المجتمع ، وذلك بترك عالم الطفولة ، عالم الحرية والفرح ، والانصياع لعالم الواقع ، تتم عملية الصهر أول ما تتم ضمن العائلة حيث يختبر الفرد اهم مرحلة من مراحل حياته ، ان الواقع الذي يجابه الطفل في العائلة هو واقع سلطوي (authoritarian) فنظام العائلة ، كنظام المجتمع في كل مؤسساته ، نظام هرمي يقوم على السلطة والعنف ويحتل الاب فيه المركز الرئيسي والاول ويحتل الطفل المركز الادنى . وتتميز تربية الطفل في العائلة السلطوية بالعنف والقهر المستمرين . عادل ومساحة نحو زوجته واولاده . فالمؤثر الرئيسي هو العلاقات الموضوعية التي يقوم عليها نظام العائلة ، والتي تقرر نوعية التفاعل بين الافراد وتحدد دور كل منهم ، لا طبيعة الاشخاص الذين تقوم بينهم هذه العلاقات . ويكون التصرف نحو الطفل في العائلة التي يلعب ضمنها الاب الدور المسيطر تصرفاً في غالبه سلبياً ، بحيث ينقل الى الطفل وينمي فيه الشخصية السلطوية التي تتميز بخضوعها للسلطة ، وبنزعتها المحافظة . وفي حين تزرع بذور هذه الشخصية ضمن العائلة تنمي صفاتها في كل المراحل اللاحقة التي يمر فيها الفرد في المدرسة والجامعة والوظيفة والدولة . وكما رأينا سابقاً ، فان عقل الطفل وتركيبه العاطفي ، وفي التالي مقدرته على مجابهة الواقع والتفاعل معه كعضو في المجتمع ، تتأثر تأثيراً بالغاً بأسلوب المعاملة والتربية اللتين يتعرض اليهما في السنوات الأولى من حياته . فاذا كانت المعاملة فصول سليمة والتربية صحيحة كان هدفها تثبيت الثقة بنفسه وتشجيعه في كل ما يقوم به واشباع فضوله ( بالإجابة على اسئلته اجابات صادقة وكاملة) ، وتقوية ارادته و اعتماده على نفسه ، وغمره بالمحبة والرعاية دون امتلاكه أو الحد من استقلاله الذاتي . اما اذا كانت التربية تقليدية فأنها تؤدي الى احباط عزيمة الفرد ، وتقوية اعتماده على الغير، والحد من فضوله بتجاهل اسئلته او الاستهزاء بها ، وبالقضاء على استقلاله الذاتي . حتى في افضل الاحوال يتعرض الطفل الى الاخطار العديدة التي تحيق به منذ ولادته . ففي مجتمعنا كما في مجتمعات اخرى عدة ، يقومان بدورهما بشكل غريزي ، أو بحسب ما يتذكران من اختبار طفولتيهما ، أو بحسب ما تنصح الجدة أو العمة أو الجارة ، فيكون اسلوبهما استمرار للأسلوب الذي اعتمده الجيل السابق في تربية الاطفال ، وهنا نرى حجر الزاوية الاساسي الذي تقوم عليه الحضارة في صهرها للشخصية الاجتماعية وانتقال نمط التربية وترداد تجارب الطفولة من جيل إلى جيل . جميعنا يذكر ايام الدراسة البدائي منها والجامعي ، ايام القهر والكبت والاضطهاد الفكري . وانني لا ازال اذكر الساعات الطويلة الملأى بالضجر والصمت التي عانيتها انا وزملائي ، في الجامعة الاميركية في بيروت ، ولا انسى دروس الفلسفة التي لقننا اياها اساتذتنا ، فندون ما يقوله ، ولا ازال اذكر كتاب ارنست هوكنج الذي يستعرض المدارس الفلسفية المختلفة ابتداء من الطبيعيين والتجريبين مروراً بالعقليين الى ان يصل الى مدرسة الفلسفة المثالية ، ( ومن العجيب – أو لعله من المتوقع والطبيعي - انني في اثناء دراستي الجامعية ، لم اسمع مرة واحدة ذكراً التمريض لماركس ) ان التمويه الذي تعرضنا اليه جميعاً في ايام دراستنا يمكن مع الزمن التغلب المويه عليه ، ذلك أن ما يدخل الوعي المباشر يمكن نقده وتغييره . لكن التمويه الذي يرجع الى السنوات الاولى من حياتنا يكون حاجزاً من الصعب تجاوزه . وذلك لان الضرر الذهني والعاطفي الذي تسببه طريقة تربيتنا ومعاملتنا في الفترة الاولى من حياتنا يصعب تشخيصه وابراز معالمه في وعينا المباشر وبالتالي اصلاحه وتجاوزه . والنتائج الناجمة عن هذا الاختبار التطور شخصيتنا وتكوين عقليتنا في شكل عام ، وهنا اتناول اقوال ثلاثة . وسيغموند فرويد ، كانت ميلاني كلاين ، العالمة النفسية المتخصصة في علم تحليل الاطفال دير النفسي ، على حد قولها ، ينجم ، و بحجم صغير أو كبير ، نتيجة نمط التربية الذي يصهر شخصية الطفل بحسب متطلبات قيم وعادات ثقافية اجتماعية معينة . والنقطة الاساسية في نظرية كلاين هي ان عملية كبت الجنس والنزعة البدائية عند الطفل بصاحبها عملية كبت وأفكار واشياء اخرى ترتبط بنمو الطفل الطبيعي وتطور فضوله - الذهني نحو الادراك والمعرفة . والسبب الثاني ، حسب نظريتها ، ينجم عن فرض " افكار ومعتقدات جاهزة في شكل يقدر معه الطفل ، من مستوى ادراكه غير ير الرحى المتكامل ، ان يقاوم هذه الافكار والمعتقدات أو ان يستخلص منها معاني أو – نتائج واضحة له ، فيصاب بضرر ذهني دائم " القوى الطبيعية وقوى ما وراء الطبيعة التي يتلقنها الطفل في تربيته الدينية والأخلاقية ، والتصورات التي يستمدها من القصص والأساطير فيتلبد من جرائها حسه الواقعي ‏(reality-sense) فلا يعود يرفض ما لا يصدق بالحس والادراك ويقبل بالأشياء الخيالية فيكبت ادراكه للأشياء المحسوسة والظاهرة ومقدرات فكرية اخرى. وهنا تلتقى كلاين مع استاذها فرويد الذي قال : و ان للدين قوة كبيرة في حد الفكر ولحمه . وفي رسالة من احدى المجلات الطبية في فينا سنة ۱۹۰۷ يقول : ( اذا كان هدف المربي القضاء على مقدرة الطفل في ان يكون مستقل الفكر في اسرع وقت ممكن كي يعرس فيه السلوك الحسين فليس اجدى لتحقيق ذلك من تمويه حول الامور الجنسية . ويعلق فرويد اهمية كبرى على نتائج التمويه حول الامور الجنسية في التطور الذهني. وهو يرى ان أحد الأسباب الرئيسية للعصاب المسمى obsessive‏ ‏speculating ( بأن يصف الشخص دون التفكير في شيء معين ) هو، علي موجود اسئلة لم تعط لها اجوبة ، ولا بد من أن هذه الاسئلة اثيرت في ذهنه خلال السنوات الأولى من حياته ولم يجد لها جوابا ، اما بسبب رفض والديه للإجابة عنها واما لخوفه من ان يسألها ، فبقيت مكبوتة في اعماقه اللا واعية . ومن هنا نرى العلاقة المباشرة بين التربية العائلية والمدرسية ( الجنسية والاخلاقية ) وبين التطور والنمو الذهني في الفرد . وكانت النتيجة التي توصل اليها فرويد هي ان التربية الجنسية التي تمارسها المجتمعات المتمكنة تنتج رجالاً ضعفاء ذوي اخلاق حسنة مصيرهم الذوبان في الجماهير واتباع القادة الاقوياء ". يتجاوز موقف رايخ موقف فرويد وميلاني كلاين رابطاً مباشرة بين الكبت الجنسي وبين ضعف القدرة على النقد والتمرد عند الفرد . ويقول في كتابه " وتحليل النفسية الفاشستية " عندما يصبح الجنس محرما ينتج عن ذلك اضعاف القوى الذهنية لدى الفرد وخصوصا مقدرته على النقد والتقييم ) . ويقول ان العائلة السلطوية تشل في الفرد قدرته على التمرد والثورة بكيته جنسيا فيقول : «ان هدف الاخلاق ، وما يسمى القيم الاخلاقية ، ويتكيفون معه دون مقاومة ، ويعتقد رايخ ان الاضطهاد العائلي ، خصوصاً كما يتجسد في سطوة الاب ، يخلق في الفرد شعوراً بالنقص وتأنيب الضمير من جراء معاناته العادة الاستمناء التي تكون جزءاً لا يتجزأ من اختبار كل طفل ومراهق بلا استثناء ، وهو يرى ان النزعة المحافظة التي تميز الكثيرين من افراد الطبقة المتوسطة الصغيرة ، انما تقوم على عوامل نفسية وبيولوجية فاعلة في العائلة السلطوية كالتي ذكرتها اعلاه . وفي نظر رايخ ان قهر الفرد في سنوات الطفولة والمراهقة ، ومنعه من امتلاك استقلاله الذاتي في تسيير امور حياته ، يؤدي في من الرجولة الى اتخاذه مواقف سياسية تكون في الغالب محافظة واما لا مبالية سياسياً. وهو يرى انه كلما ازدادت شدة التربية الجنسية ازدادت مقدرة العائلة ( وبالتالي مقدرة المجتمع ) على كسر شوكة الفرد وتدجينه سياسياً . وقارن رايخ بين الاضطهاد الاقتصادي والاضطهاد الجنسي ، ووجد العلاقة بينهما جذورية ، اما الثانية ( الكبت الجنسي ) فتؤدي – بسبب ربط الجنس بالأخلاق والدين .