الحد من التجريم ظاهرة حديثة العهد نسبيا، ولعل هذا ما جعلها مثارا للجدل والخلط بينها وبين مفاهيم قانونية أخرى. المطلب الأول تحديد مفهوم الحد من التجريم. الفرع الأول تعريف الحد من التجريم القول بأن الحد من التجريم يؤدي إلى إلغاء تجريم السلوك، وبالتالي إعادته إلى دائرة الإباحة من جديد، التي لها طابع موضوعي نسبي، إذ تؤثر فيه بعض العناصر الشخصية، وبالتالي الاعتراف بمشروعيته، وإباحته جنائيا مع إمكانية استمرار خضوعه لقاعدة قانونية أخرى غير جنائية، وذلك لأسباب وإن كان هذا التعريف قد يعد أدق وأوضح التعريفات المقترحة، إلا أنه يلاحظ عليه قصره نطاق الحد من التجريم في صورة واحدة وهي إلغاء نص التجريم برمته وذلك حينما قال "إلغاء الوجود القانوني للقاعدة الجنائية، بينما الحد من التجريم قد يكون من خلال تعديل مضمون هذه القاعدة، كالصورة غير العمدية للسلوك دون الصورة العمدية، أو قصر نطاق التجريم على فئة من الأشخاص بعدما كان التجريم يشمل كافة الأشخاص. وبالتالي فالحد من التجريم قد يحد من نطاق القاعدة التجريمية دون أن يلغي وجودها القانوني. ومن خلال ما سبق يمكن الاعتماد على التعريف السابق مع بعض الإضافة وذلك كالتالي: "الحد من التجريم هو إجراء تشريعي ذو طابع موضوعي، يتخذه المشرع وفقا لسلطته في الملاءمة، استناد إلى معيار الضرورة والتناسب، وذلك بإلغاء الوجود القانوني للقاعدة الجزائية أو تقليص نطاقها، أي بنزع الصفة الجرمية للسلوك برمته أو إحدى حالاته وما يقابل ذلك من عقاب جزائي، وبالتالي إعادة السلوك إلى دائرة الإباحة من خلال الاعتراف بمشروعيته القانونية من الناحية مع إمكانية خضوعه لقاعدة قانونية أخرى غير جزائية". الفرع الثاني صور الحد من التجريم وتطبيقاتها في التشريع الجزائري أولا: صور الحد من التجريم. ميزت اللجنة الأوربية لمشاكل التجريم المنبثقة عن المجلس الأوربي بين نوعين للحد من التجريم الأول قانوني والآخر فعلي. ولعل أهم مثال لهذا النوع إلغاء تجريم الإجهاض والزنا، والعلاقات الجنسية المثلية الذي تم بأغلب الدول الأوربية. وهذا النوع من التجريم يمكن أن يتخذ أشكالا متعددة حسب ما أوردته اللجنة الأوربية لمشاكل التجريم ضمن تقريرها : -1- فيمكن أن يظهر من خلال عدم تدخل الجهات المعنية بضبط وملاحقة الجرائم، من خلال منحهم السلطة التقديرية أو سلطة الملاءمة في متابعة نوع من الجرائم التي قد لا تشكل ملاحقتها ضرورة اجتماعية، 4 أو لتعارضها مع مصلحة قرار حفظ الملف لعدم الأهمية، الذي تصدره النيابة العامة إعمالا لسلطتها 6 ^ dot 9 الملاءمة، أو القرار بألا وجه للمتابعة الصادر عن جهات التحقيق القضائي؛ وقد يُعمل بهذا الأسلوب في جرائم الأعمال الشكلية، -3- ويظهر هذا النوع أيضا من خلال مبدأ تفريد العقوبة، بحيث يمنح لقضاة الموضوع سلطة واسعة في تقدير العقوبة، والنزول بها إلى حدها الأدنى المقرر