يستند الشعور القومي ، الى الانسجام الطبيعي القائم بين الناس الذين يعيشون في بيئة واحدة ويتحدرون من ظروف تاريخية واحدة . وهذا الانسجام ضرورة من ضرورات الحياة ، انه قانون نافذ فينا سواء اأدركناه ام لا . فنحن في حياتنا القومية نحتاج الى ان نجسد اناسا يفهموننا ويشاركوننا عقائدنا وحماساتنا وارائنا . ونجن نبحث عن هؤلاء الناس بحثا دائبا ، فيا نكاد نجد من يشبهنا حتى تندفع نحوه بغريزة خفية محتومة . وقد الف الانسان ان يغتاظ ويتألم اذا احس انه في وسط يخالفه نزعاته ورغباته العميقة الكبرى . وقد ترحل الاسر من الاحياء التي ترى نفسها فيها غريبة ، مفضلة احياء أخرى تلقى فيها من يفهمها ويتذوق ما تتذوق . وقد تترك مجتمعات كاملة وسطها وترحل الى اوساط اخرى تجد فيها المشاركة والفهم . وهذه الرغبة الاجتماعية تنبع من صميم متطلبات الحياة الفطرية وغرائزها . أن الطبيعيين يخبروننا بان المخلوقات الحية - مهما صفرت - نبحث عن الوسط الذي يضع في طريق نموها اقل مقدر من المقاومة . واذا اشتدت المقاومة ولم يستطع الكائن الحي - لسبب ما ـ ان يغير وسطه ، اضمحل وربما انفرض نوعه كله على ممر السنين . وذلك ينطبق حرفيا على الانسان الذي يتطلب فوق الانسجام الطبيعي الذي يتطلبه كيانه العضوي ، انسجاما عاطفيا وتجاوبا فكريا . ولن يتاح لهذا الانسان أن يستفيد من موارده العقلية والروحية وينتج الانتاج الحق الذي خلق له الا اذا تيسر له الوسط الملائم الذي يضمن له الحد الادنى من الطمانينة والرضى والسعادة . وذلك ينطبق على الافراد كما ينطبق على المجتمعات ، وهو الاساس في حاجة المجتمعات الى أن تقوم على دعائم من قوميتها . والقانون هو انه كلما كانت العناصر المشتركة بين الاقوام اكثر واعمق جذورا كانت القومية التي يكونونها ارسخ واصلب عودا واقدر على المقاومة .