أبو تمام 231-188 هـ من نفس طيىء صليبة . مولده ومنشؤه منبج ، دقيق المعاني ، وقالوا القليل منه ، والسلوك في جميع طرقه . وله أشياء متوسطة ، ورديئة رذلة جدا . ثقافة الشاعر : أبو تمام شاعر واسع الثقافة ، والاحاطة بعلوم عصره ، 1-قراءته للشعر العربي الذي سبقه ، وحفظه ، وتأمل في معانيه ، ويروي ابن المعتز عن محمد بن قدامة أنه قال : ( ( دخلت على حبيب بن أوس بقزوين وحواليه من الدفاتر ما غرق فيه فما يكاد يرى فوقفت ساعة لا يعلم بمكاني لما هو فيه ، ثم رفع رأسه فنظر إلى وسلم على ؛ فقلت له : يا أبا تمام إنك لتنظر في الكتب كثيرا وثمن الدرس فما أصبرك عليها ، فقال : والله ما لي إلف غيرها ولا لذة . ) ) 2- البيئة العباسية على المستوى الثقافي والمعرفي ، فقد عرفت نوعا من الامتزاج مع الثقافات الأخرى ، مثل الفلسفة الإسلامية ، والحركات اللغوية ، وكل هذه العلوم لعبت دورا بارزا في الشعر ، ووسعت معانيه ، وافاقه ، وابو تمام صاحب مدرسة الشعراء المحدثين . وهي مدرسة تعنى بالصياغة اللفظية والبديعية ، اما على مستوى المحتوى ، وترك المعاني الوصفية الحسية ، والتشبيهات السهلة ، ونقد طريقة الشعراء السابقين في المقدمات الطللية ، وقد حققت تطورا كبيرا في الشعر العربي . وقد تكلم طه حسين عن الثقافات في العصر العباسي واثرها على الأدب واستشهد بابي تمام کونه الشاعر الذي تمثل هذه الثقافات جميعها وهي ( ( الثقافة العربية الخالصة التي تعتمد على القرآن وما يتصل به من علوم الدين ، وعلى الشعر وما يتصل به من العلوم الأدبية كالنحو واللغة وغيرهما ، وثانيتها : الثقافة اليونانية ، والواقع أن هذه الثقافة الثالثة ربما كان أصلح الأسماء لها أن أسميها شرقية ، فهي لیست فارسية خالصة ، ولا هندية ، ولا سامية ، وإنما هي خليط من التراث العقلي لهذه الأمم كلها ، متأثر بحركة الفتح اليوناني ، وتعمق اليونان في الدول الآسيوية الشرقية طوال هذه المدة بين فتوح الإسكندر وظهور الإسلام ، وتظهر في هذه الثقافة آثار لليونان ولكنها ضئيلة مختلطة ، وأثار للفرس والهنود ، ولكنها ضئيلة مختلطة أيضا ) ) ورأى أن قصيدته ( السيف أصدق أنباء من الكتب ) ( تمثل تمثيلا صادقا هذه الثقافات الثلاث ، فيها العربية واضحة في لغتها ونظمها على هذا النحو من الوزن والقافية ، كما أنها واضحة حين يذكر الفتح ويحقق النسب بين فتح عمورية وواقعة بدر ، وعندما يذكر الخصومة بين الإسلام والمسيحية ، ثم تظهر الثقافة اليونانية عندما يذكر مدينة عمورية وقدمها وثباتها ، فنحن نجد في هذا الخيال هذا الخيال أثرا للحياة العربية وأثرا للطبيعة اليونانية ، وإن صح ما يروى من أن أصل أبي تمام أقرب إلى اليونانية منه إلى بني طيئ . ) ) ولم يستحسن لدى النقاد ؛ لأنه كان يحمل تجديدا في بلاغة القصيدة ، ومعانيها ، يذكر الصولي خبرا طريف في ذلك ، يقول قرأ شعرا على ابن الاعرابي وهو لم يعرفه لأبي تمام : حتى تمت القصيدة ، فقال : اكتب لي هذه ، فكتبتها له ، ثم قلت : أحسنة هي ؟ قال : ما سمعت بأحسن منها ؟ قلت : إنها لأبي تمام فقال : خرق خرق ! وقال ابن الأعرابي في شعر أبي تمام : ( إن كان هذا شعرة فكلام العرب باط ) ) ، وفي الموشح سمعت دعبل بن على يقول ( لم يكن أبو تمام شاعرا ، إنما كان خطيبا ) ) السبب في بغض المحافظين لأبي تمام كان أبو تمام مبغضا إلى المحافظين ، وهنا نحتاج إلى أن نتبين السبب الفني الخاص الذي من أجله لم يكن أبو تمام محببا إلى الذين عاصروه من العلماء ومن الأدباء المحافظين ، وهذا و آخر غير الحسد والخصومة التي تنشأ عنه . المتقدمون متفقون على أن أبا تمام كان تلميذا في البديع لمسلم بن الوليد ، وأنه أسرف في هذا البديع إسرافا شديدا هو الذي جعل شعره بغيضا إلى الأدباء وقاد اللغة . والواقع أن مسلما قد سبق أبا تمام إلى البديع ، والواقع أيضا أن مسلما لم يبتكر البديع ابتكارا ، وأن البديع لم يستحدث في العصر العباسي ، وإنما البديع فن قديم وجد منذ وجد الشعر ، ومنذ غني الشعراء بهذا الفن ، واتخذوه حرفة وصناعة . هذا النوع قديم تجدونه عند شاعر كهير وأوس بن حجر والحطيئة ، عند هؤلاء الشعراء الذين كان يسميهم الأصمعي « عبيد الشعر » ، والذين لم يكونوا يرسلون الشعر على سجيتهم وإنما كانوا يفكرون ويطيلون التفكر ، فكان أحدهم إذا أراد أن يأتي بفكرة ، أو يصور معني من المعاني لا يأتي به سهلا ولا يسيرا ، ولا يأتي به على أنه معنى يتحدث به قلب إلى قلب ، أو عقل إلى عقل ، وإنما يأتي به في صورة نحسها باللمس أو بالعين أو بالأذن ، ومن هذه الناحية كثر الشعر البديعي ، وكثر فيه التشبيه والاستعارة . ليس هذا الفن عباسيا وإنما هو قديم وجد مع الشعراء ، حتى لا تكاد تقرأ المسلم أو أصحابه بيئا أو بيتين إلا وجدت أمثلة من البديع ، وإذن فما كان الشعراء القدماء يتخذونه وسيلة إلى الجمال الفني قد أصبح غاية عند مسلم وأصحابه والشعراء أبدا منقسمون إلى قسمين : إلى هؤلاء الذين يتحدثون إلى النفس في سهولة ويسر لا يتكلفون ،