العين وَعَلامَةٌ مِن عَلاماتِها الفارِقَةِ. فَمُنْذُ كَانَتِ الضَيْعَةُ ، فَبَيْنَهُما أَطْوَلُ مِنْ مَرْمَى حَجَرٍ وَأَقْصَرُ مِنْ مَدَّ النَّظَرِ، وَلا يُقَيدُها مَجْرَى، بَلْ تَتَدَفَّقُ حُرَّةً عَلى رِسْلِها وَبَيْنَ الظاهِرِ وَالْباطِنِ دَرَجٌ حَجَرِيٌّ حَشَرَتِ الحَشائِشُ البَرِّيَّةُ نَفْسَها بَيْنَ حِجَارَتِهِ الْمُتَداعِيَةِ، وَمِنْ زَمَانٍ، كَانَتِ الْعَيْنُ مَوْرِدَ ) الماءِ الوَحيدَ فِي الضَيْعَةِ، يَتَأَبَّطُ واحِدُهُم جَرَّتَهُ، يَعْمِسُها في الماءِ وَيَصْعَدُ بِها الدَرَج؛ وَيُغِذُ السَيْرَ )إلى الضيْعَةِ ليعودَ في العَشِيَّةِ لِحِمْل آخر. وَيَمْلأُونَ. حينَ يَشُحُ الماءُ، وَتَزدادُ الحاجةُ إِلَيْهِ، كَانَتِ الضَيْعَةُ تلجأ إلى التقنين، وَيَوكَلُ إِلى الناطورِ أَمْرُ الإِشْرافِ عَلى تَنْفِيدِ قانونِ التَقْنِينِ، وَكُمْ دَفَعَتِ الحَاجَةُ إلى الماء إلى مخالفة القانونِ وَتَجاوُزِهِ، فَالضَرورات تبيح المحظورات؛ وَيَغْتَنِمُ الناسُ فُرْصَةً نَوْم الناطور أَوْ غِيابهِ وَيُغيرون على العَيْنِ. وَقَدْ يَدْهُمُ الناطُورُ الغُرَاةَ المُغيرين على حين غرة فَيَحْصَلُ ما لا تُحْمَدُ عُقْباهُ. فَقَدْ كانَتِ الضَّيْعَةُ تَضَنُّ بِكُلِّ قَطْرَةٍ مِنْهُ، وَتَحْرَصُ عَلَيْها نِعْمَةً لا يَنْبَغِي التفريط بها، فَإِذا ما شَربَ القَرَوِيُّ وَحَمَدَ رَبَّهُ، فَتُشَعْشِعُ الحُضْرَةُ، وَيَزْدَهِرُ الثَمَرُ، وَيَوحُ العطر بأسرار العَلاقَةِ الخَفِيَّةِ بَيْنَ الجُذورِ وَالتُراب. وقد نالَ حَبَقُ الدار من هذا الماءِ نَصِيبًا وَكَم اَحْتَفَتِ السُطَيْحاتُ وَالعَتَباتُ وَالمَصاحِبُ بِالْأَحْضَرِ الْفَوَّاحٍ تُحَيِّيْهِ العَيْنُ بِالْعَذْبِ الفَراحِ، مَضْرِبُ المَواعِيْدِ الحَمِيمَةِ (۱۳)، وَمَحْزَنُ الذِكْرَياتِ الدَافِئَةِ. وَالدَرْبُ إِلَيْهَا مَحْفُوفَةٌ بالأحاديث والأحداث، فَهَلْ مَنْ يَقْرَأُ فِي دَفْتَرِ الْأَيَّامِ الخَوالي؟ وَتَأْتي عَلى الضَيْعَةِ أَيَّام، تُدْرِكُها فيها نِعْمَةُ الحَضَارَةِ، فَتَحالُ الحِرارُ وَالأَباريقُ عَلى التَقاعُدِ، وَتَأْتي عَلَى الضَيْعَةِ أَيَّامٍ أُخَرُ، فَيَعْمَدُ الناسُ إِلى شِراءِ الصَهاريج، وَإِذْ تَضَيقُ ذَاتُ الْيَدِ،