اعلم أنَّ الحجب باب عظيم في الفرائض، حتى قال بعضُهم: يحرم على مَن لم يعرف الحجبَ أن يُفتي في الفرائض. واصطلاحًا: منع مَن قام به سببُ الإرث من إرثه بالكلية، أو من أوفر حظّيه. أحدهما: حجب أوصافٍ، وهي موانع الإرث الثلاثة التي تقدمت، ويتأتى على جميع الورثة، والمحجوب بوصفٍ وجوده كعدمه. حجب حرمانٍ: ويتأتى على جميع الورثة إلا ستة، وهم: الأبوان والولدان والزَّوجان. وحجب نقصانٍ: ويتأتى على جميع الورثة، الأول: انتقال من فرضٍ إلى فرضٍ أقل منه: الزوج ينتقل من النصف إلى الربع، وكذلك الزوجة فأكثر تنتقل من الربع إلى الثُّمن. الثاني: انتقال من تعصيبٍ إلى تعصيبٍ أقل منه: كانتقال الأخت الشَّقيقة والأخت لأبٍ من كونهما عصبةً مع الغير إلى كونهما عصبةً بالغير. الثالث: انتقالٌ من فرضٍ إلى تعصيبٍ أقل منه: كانتقال ذوات النصف منه إلى التَّعصيب بالغير. الرابع: انتقالٌ من تعصيبٍ إلى فرضٍ أقل منه: كانتقال الأب والجدّ من الإرث بالتَّعصيب إلى الإرث بالفرض. الخامس: ازدحامٌ في فرضٍ: كازدحام الزوجات في الربع والثمن، وازدحام أهل الثلث وأهل الثلثين فيهما. السادس: ازدحامٌ في تعصيبٍ: كازدحام العصبات في المال أو في الباقي بعد الفروض. السابع: ازدحامٌ في عولٍ: كازدحام أهل الفروض في الأصول الثلاثة العائلة، فإن كل صاحب فرضٍ يأخذه اسمًا لا حقيقةً. الشيخ: هذا الحجب أمره عظيم؛ ولهذا قال بعضُهم: يحرم على مَن لا يعرف الحجبَ أن يُفتي؛ لأنه قد يغلط، فمَن لا يعرف الحجبَ قد يُعطي مَن لا يستحق . فلا تجوز الفتوى في الفرائض إلا لإنسانٍ يعرف فرائضها وعصباتها ومَن يَحجب ومَن يُحجب؛ حتى يكون على بصيرةٍ، أما إذا كان يجهل الحجبَ -حجب الحرمان وحجب النُّقصان- فلا يجوز له أن يُفتي، وهكذا جميع المسائل لا يجوز أن يُفتي فيها إلا عن علمٍ، وعن بصيرةٍ، الله حرَّم القولَ عليه بغير علمٍ. والحجب مثلما تقدم في اللغة: المنع، ومنه الحاجب عند الباب؛ بوَّاب يمنع الناسَ من الدخول إلا بإذنٍ. وفي الاصطلاح في عُرف الفرضيين واصطلاحهم: هو المنع من الإرث: إما كلية، وإما نقصًا، يعني: إما حرمانًا، وإما نقصًا، يقال له: حجب، ويقال للشخص: حاجب، فقد يكون حجبه حرمانًا، وقد يكون حجبه نقصانًا. فحجب الحرمان مثل: سقوط الإخوة بالأب، حجبهم وحرمهم، مات إنسانٌ عن أبيه، وعن أخيه، فالأخ لا شيء له، الأب له الإرث كله، حجبه الأب. أو مات عن ابنٍ وأخٍ، العاصب هو الابن، والأخ ما له شيء، يحجبه الابنُ، هذا حرمان. حجب النقصان مثل: مات إنسانٌ عن بنتٍ وابنٍ، فالبنت لولا الابن تأخذ النصف، لكن مع الابن ما لها إلا الثلث، للذكر مثل حظِّ الأُنثيين، حجبها عن النصف إلى الثلث عصبًا، نقصها. وهكذا بقية العصبة بالغير: كالأخ الشَّقيق مع الأخت الشَّقيقة، والأخ لأب مع الأخت لأب، وابن الابن مع بنت الابن. ومن حجب الحرمان: المحجوب بالقتل، والرق، واختلاف الدين. هذا حجب حرمان، هذه الأوصاف الثلاثة: فالقاتل لا شيء له، والرقيق لا شيء له، ومخالف الدين لا شيء له، وجوده كعدمه، الحجب بوصف وجوده كعدمه. هذه أمور لا بدَّ منها في حقِّ المفتي الفرضي، يعلمها، يعرف الحاجبين والمحجوبين، ويعرف حجب الحرمان، وحجب النقصان؛ حتى يكون عمله في فتواه وأحكامه على بصيرةٍ. التَّنبيه الأول: الأصول لا يحجبهم إلا أصول، والفروع لا يحجبهم إلا فروع، والحواشي يحجبهم أصول وفروع وحواشٍ. الشيخ: هذا هو الواقع؛ الأصول يحجبهم أصول: الأب يحجب الجدّ، والجد يحجب مَن فوقه. والفروع كذلك: الابن يحجب ابن الابن، وهكذا يحجب الفروع والحواشي، يحجبهم هؤلاء وهؤلاء، فالإخوة يحجبهم الأب، ويحجبهم الابن، والأخ لأب يحجبه شقيقه، والعمّ يحجبه . من الحواشي. فالأجداد يسقطون بالأب، وكل جدٍّ قريبٍ يُسقط الجدَّ البعيد، والجدَّات يَسقطن بالأم، وكل جدَّةٍ قريبةٍ تُسقط الجدَّة البعيدة. الشيخ: هذه قواعد: إذا هلك هالكٌ عن أبيه وجدِّه، فالإرث للأب، والجد يسقط. هلك عن جدِّه القريب، وعن جدٍّ بعيدٍ؛ جده أبي أبيه، وعن جدِّه أبي أبي أبيه، فالجدّ القريب يحجب الجدَّ البعيد. وهكذا الفروع: إذا مات عن ابنه وابن ابنه، فابن الابن ما له شيء، الابن يحجب أولاده، ويحجب أولاد أخيه؛ لأنه أقرب إلى الميت؛ لقوله ﷺ: ألحقوا الفرائضَ بأهلها، فما بقي فهو لأولى رجلٍ ذكرٍ يعني: أقرب رجلٍ. وأولاد البنين يَسقطون بالابن فأكثر، وكل ابن ابنٍ قريب يُسقط ابنَ الابن البعيد، والإخوة الأشقاء يُسقطهم الأب والجدّ على الصحيح، والابن وابن الابن وإن نزل، والإخوة لأبٍ يُسقطهم هؤلاء المذكورون، والإخوة الأشقاء والأخت الشَّقيقة إذا كانت عصبةً مع الغير. الشيخ: يعني: يُسقطهم ستة، الإخوة لأب يُسقطهم ستة: الأب، والجد أبو الأب وإن علا بمحض الذكور، والابن، وابن الابن، هؤلاء أربعة، والإخوة الأشقاء يُسقطون الإخوة لأبٍ، هؤلاء خمسة، والشَّقيقة تحجبهم أيضًا إذا كانت عصبةً مع الغير، فإذا هلك هالكٌ عن بنتٍ وأختٍ شقيقةٍ وأخٍ لأبٍ، فالشَّقيقة أولى بالعصب، تأخذ ما بقي بعد البنت، وتحجب الأخ لأب؛ لأنها في هذا المقام صارت عصبةً، وهي أقوى، وقد أدلت بالأبوين، وأدلت بواحدٍ، وفي "صحيح البخاري" أن النبيَّ ﷺ قضى لها بالعصب مع البنت وبنت الابن. والإخوة لأم يُسقطهم ستة: الأب، والجد، والابن، والبنت، وابن الابن، وبنت الابن. الشيخ: لأنهم يرثون كلالةً، والكلالة: مَن لا ولدَ له ولا والد ذكر؛ لأنَّ الله قال: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ [النساء:12]، فالكلالة: مَن لا أب له ولا والد ذكر. المقصود أنه إذا وُجد أب أو جدّ أو ابن أو ابن ابن أو بنت فليست كلالةً، وإرثهم مشروط بالكلالة: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ يعني: أخ من أمٍّ، يعني: عند جميع المفسرين، المراد بذلك الإخوة لأم، فإذا كانت المسألةُ غير كلالةٍ سقطوا، والكلالة هي التي ليس فيها أب ولا جدّ ولا ابن ولا ابن ابن ولا بنت ولا بنت ابنٍ. وبنات الابن يسقطن بالابن فأكثر، وباستكمال البنات الثلثين إن لم يُوجد مع بنات الابن مُعصِّب، فإن وُجد معهن مُعصِّب ورثن معه ما فضل بعد الثلثين، والمُعصِّب لهن هو أخوهنَّ أو ابن عمِّهن الذي في درجتهن، أو الذي أنزل منهنَّ إذا احتجن إليه. الشيخ: وهذا واضح، إذا مات ميت عن بنتين، وعن بنت ابنٍ، فالبنتان لهما الثلثان، وبنت الابن ما لها شيء، إلا أن يكون لها مُعصِّب، إذا وُجد معها ابن ابنٍ عصَّبها، سواء كان أخاها أو ابن عمِّها الذي في درجتها أو أنزل؛ منعها عند الحاجة إليه. وحكم بنات ابن الابن النازل مع بنات ابن الابن الذي هو أعلى منه حكم بنات ابن الميت مع البنات. والأخوات لأبٍ يسقطن بالأخ الشَّقيق فأكثر، وبالأخت الشَّقيقة فأكثر إذا كانت عصبةً مع الغير، وباستكمال الشَّقائق الثلثين، إن لم يُوجد مع الأخوات لأبٍ مُعصِّب؛ وهو الأخ لأب، فإن وُجد معهن مُعصِّب ورثن معه ما فضل بعد الثلثين. الشيخ: كل هذا واضح، إذا هلك هالكٌ عن أختين شقيقتين وأخت لأب وعم، فالشقيقتان لهما الثلثان، والباقي للعمِّ؛ لأنَّ الأخت لأب ما لها مُعصِّب، ولا لها حظّ من الثلثين، ما بقي لها من الثلثين شيء، أما لو كانت شقيقةً وأختًا لأب؛ فإنها تُعطى الشَّقيقة النصف، والأخت لأب السدس تكملة الثلثين، كبنت الابن مع البنت، أما إذا استكمل الشَّقائق الثلثين فليس للأخت لأبٍ شيء إذا لم يكن معها أخٌ لأبٍ، بل يُعطى العصب، يُعطى الباقي للعاصب الآخر: من عمٍّ، أو من أخٍ، أو نحو ذلك.