ولبعضهم بعضا متوالية وكلمتهم تحت كلمة واحد بلا مخالية غير أن النجوع الأربعة هم مخزن الباي ، وغير هؤلاء كالحشم وبني شقران وبني عامر ومجاهر ، وكان ذلك لا يتعقل لعدم تصرف باي الغرب في غير رعيته بكل وجه بعيد أو قريب ، وبعد مكانهم عنه بالأحوال السوية ، إذا حال بينه وبينهم باي المدية ، فنهض الباي من ساعته وهو في أحوال خرجت عن إرادته وكان ذام حزم وجزم وعزم وكياسة ، فجمعهم وعرفهم بالخبر ، فأشاروا عليه بأنه لا بدّ من فعل هذا الأمر ، فاتفق رأيهم على ذلك وتحققوا بأن الأمر هو ذلك ، وتواصوا / بعدم إفشاء هذا السر بل يجعل ذخرا ، (ص 276) وخرج الباي بجيشه من وهران بجر الأمم فتعمر به أرض وتخلا به أخرا ، إلى أن وصل وادي دردر وما به من خشفة ، أمر برد أثقال المحلة وضعيفها إلى أبي خرشفة ، وركب أول نهاره وسار في الفيافي طول نهاره ، وبات يسير سيرا شديدا ، ومخزنه بالظفر طامعا وفارحا بالواقعة إلى أن طلع النهار وعيونه ما بين الذاهبة والراجعة ، ثم تحققوا بأنه باي الغرب ، لا تكل لهم السواعد وليس لهم في الحرب إلّا الطعن والضرب للقائم والقاعد ، فكان من جملة ما سباه الباي بحيشه نساء شيخ عريب وأولاده ، وأقام ببلدهم يومه والسرور زاده. ثم كر راجعا للمدية في طرب وابتسام ، فنزلها بعد مسيره ثلاثة أيام ، وهو سائر بين جبلين لأناس يقال لهم أولاد إعلان ، وإذا بهم ابتدؤا الجيش بالضرب في السر والإعلان ، فلما سمع الباي ضرب البارود. ورأى جيوشه حشودا بعد الحشود ، فأخبروه بأنهم يريدون منه الزطاطة لمروره ببلادهم وكانت تلك عادة الأعراب ، إذا لم يكونوا تحت القاهر الغلّاب ، وأيتوني بمن ظفرتم به منهم ، وأتوه بعدة رجال فأمر بقطع أيديهم وقال لهم تلك الأجرة التي سألتمونيها ، ولما وصل إلى المدية أقام بها أياما للراحة وبعث السّبي والمال للجزائر صاحب الإحسان ، قال فلما وصلها مكث بها سائلا من مولاه الإعانة والسلامة والعافية ، فصار لا يقدم ناره زناد ، فغزى صهره الشيخ أبا ترفاس ، ولما سمع الدرقاوي بنهوض الباي إليه فرّ هاربا متذللا وأخلا الأرض بين يديه وافترقت من حينها جموعه وجاءته عجلة قواطعه وقموعه فزاد الباي للساحل وأخلا منه ما أخلا ، وخرّب قرية أبي ترفاس واحتطب أجنتها ، ولما فعل بقرية الشيخ أبي ترفاس أفعال الشرور والإفلاس ، قال له أيها الباي لماذا فعلت بنا هذا ونحن من جملة ضعفاء الناس ، فقال له فقال له إني شيخ طلبة لا غير وعايرتني بالتدرقي ولست من أهله وخرّبت مكاني خرب الله ملكك عن قريب وألبس لك التدرقي عباية. وهذا أبو ترفاس ولد الشيخ أبي ترفاس الذي غزاه الباي خليل ، فأهلكه الله لرجوعه لتلمسان في السبيل ثم كر الباي لأهله راجعا وهو في هلاك غير أبي ترفاس من درقاوة طامعا ولما وصل لوادي تافنة ، وأصابه الثلج العظيم الذي لم يمطر مثله قط. فمات به كثير الخيل وتعيّب كثير الجند ودخل الباي اضطرارا تلمسان ، وافترقت محلته افتراقا مختلفا هامت به في البلدان ، وانكسرت منه الأشجار ، وعرف عند الناس بقصة عام الدّلج. وأمن على نفسه فضلا عن جيشه من الضرر والنكال ،