جعل النبي صلى الله عليه وسلم للمنافق آيةً يُعرَف بها بين الناس، ثم إنك مع ذلك كله تجد المُنتسبين إلى الإسلام اليوم، من أرباب الصناعات وأهل السوق أكذبَ لهجةً، لأنها جماع الأخلاق، فإن زاغ عن الحق شعرة فقد خان. فإن قصّر في تجويده أو أفسد فيه شيئاً ولو كان الفساد خفياً لا يظهر فقد خان. وعملت من لحيتك العريضة وعمامتك المنيفة شبكة لاصطياد الدنيا، أو الزُّلفى إلى الحاكم فهي خيانة، فإذا نظرت بعينيك إلى حرامٍ، أو مددت إليه يدك فقد خُنت أمانتك، عند الصُنَّاع والتُّجار والعلماء والجهلاء ومن يظنّ به المغفلون الولاية ويرونه قطب الوقت -حكاية القطب والأوتاد لا أصل لها في نقلٍ ولا عقل، فإذا كانت بيني وبينه معاملةً، وتمكّن مِنِّي أكلني بغير ملح، وتعرَّق عظامي! تذهب إلى الخياط الحاذق الذي ألفته، فإذا جئت في اليوم الموعود وجدته لم يمس بعد قماشك، فإذا زجرته أو أنبهته أخذك باللين، أو أنه لم يعدك في هذا اليوم ولكن كان سوء تفاهم، أو على خلاف ما استصنعه عليه ولا حيلة لك فيه، ولا سبيل إلى إصلاح ما فسد، وهذه الحال من إخلاف المواعيد، واختلاق الأكاذيب عامة في أرباب الصناعات في بلادنا لم ينجُ منها إلا الأقل الأقل ممن عصم ربُّك. لكيّها حتى إذا نزلتُ بغداد لبستها صالحة، وذهبتُ إلى عملي ولم أرجع إلا المساء، ولم يقدر على إعادتها سيرتها الأولى؛ فكانت غاية ما استطاعه أنه جعل من مقاعدي المريحة آلات للتعذيب، وإذا كان الواحد منا لا يستطيع أن يطمئن إلى أخيه ولا يعتمد على أمانته؟ وإذا كُنَّا نُقلد الغربيين في الشرور فلماذا لا نُقلدهم في الصدق في المعاملة والوفاء بالوعد والاستقامة في العمل؟ أما إن من أشكال الأمانة وصورها أن القلم المتين،