17 نجد أنه نص في المادة 34 على ضرورة مراجعة شاملة لنظام التوجيه المدرسي والمهني والإرشاد الجامعي، كما أن هناك مقتضيات أخرى ذات الصلة بالمجال متفرقة في مجموعة من مواد هذا القانون. ومنها أساسا التنصيص على الطابع المستعرض لهذه النظام باعتباره يغطي جميع مكونات المنظومة. لهذا نجد أن القانون الإطار يتحدث عن نظام للتوجيه وليس عن أنظمة للتوجيه بالجمع. هو إذن نظام واحد للتوجيه المدرسي والمهني والإرشاد الجامعي كنظام مندمج متكامل يغطي جميع مكونات منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي في شموليتها، ما هو دور الأسر؟ وهل من استراتيجية للتواصل والتعبئة في هذا الاتجاه؟ قبل الحديث عن الأسر لابد من إشارة بسيطة لأدوار كل المتدخلين في عملية التوجيه لأننا عندما نتحدث عن نظام شامل للتوجيه فشموليته تكمن في تعدد وتنوع المتدخلين فيه. فالتوجيه كان ينظر إليه على أنه من مسؤولية المستشار في التوجيه التربوي، وهذا أيضا من أوجه ودلالات تحديث نظام التوجيه؛ أي أننا أصبحنا نتحدث عن أبعاد متعددة لمنظومة التوجيه المدرسي والمهني والجامعي: هناك بعد تربوي بيداغوجي يقع تحت مسؤولية هيئة التدريس عبر إكساب المتعلم لكفايات الاختيار التي تمكنه من تحديد اختياراته وتوجهاته في إطار مشروعه الشخصي؛ وهناك أيضا بُعد مسطري إداري وتقني وهو من مسؤولية الإدارة التربوية المدعوة إلى توفير المناخ والظروف والأنشطة التي من شأنها مساعدة المتعلمين على اختيار توجيههم في مجال الدراسات والتكوينات والمهن. كما أن للتوجيه بُعد تخصص يتجلى في أدوار المستشارين في التوجيه التربوي، وينضاف إلى كل الفاعلين داخل المؤسسة بمختلف أدوارهم، الأسرة باعتبارها مؤسسة التنشئة الاجتماعية والمؤسسة التربوية الأولى التي تحتضن وتدعم وتؤثر على اختيارات المتعلمين. ويمكن أن تؤثر هذه الاختيارات سلبا على مسارات المتعلمين، كما نجد في المقابل أُسرا تؤثر بشكل إيجابي على اختيارات أبنائها عبر دعمها، وعلى مستوى استراتيجية التواصل مع الأسر من خلال المشروع الذي نتحدث عنه، فقد أضفنا نتيجة خاصة من نتائجه تتجلى في تأطير علاقة المؤسسات التعليمية مع الأسر في كل ما يتعلق بمشاركتها في مواكبة المشاريع الشخصية لأبنائها. أو عبر جمعيات المجتمع المدني من خلال ما تتيحه الشراكات، أو عبر آليات التواصل من بلاغات ومقالات صحفية توجه للرأي العام، أو من خلال إنتاج كبسولات ووصلات تحسيسية تذاع وتبث عبر القنوات والإذاعات الوطنية، أو عبر برامج تلفزية تربوية يسلط فيها الضوء على دور الأسرة في عملية التوجيه. من المبرمج وضع آلية للإشراك المنتظم للأسر في مواكبة تمدرس وتوجيه أبنائها في إطار علاقة مباشرة مع المؤسسات التعليمية. وخاصة الشق المتعلق بتفعيل المواكبة التربوية البيداغوجية ومبدأ الأستاذ الرئيس إلى جانب إرساء الفعل الجماعي للتوجيه بالمؤسسات التعليمية؟ أولا لابد من توضيح مفهوم “الأستاذ الرئيس”، بل أستاذ يتولى مواكبة قسم إلى أربعة أقسام يدرسها بهدف مساعدة المتعلمين بها من رصد تعثراتهم وتجاوزها، ومساعدتهم على الاندماج في الحياة المدرسية، عبر الحرص على اكتساب المتعلمين للمعارف والكفايات التي من شأنها جعلهم قادرين على بناء اختياراتهم وتحديد أهدافهم المستقبلية بكل يسر ووضوح، فباختصار هذه هي وظيفة الأستاذ الرئيس في إطار ما سميناه بالمواكبة التربوية البيداغوجية من زاوية الأستاذ دون أن يتعدى دوره إلى العمل التخصصي في مجال التوجيه الذي يبقى من اختصاص المستشار في التوجيه التربوي. هناك أولا التكوين المستمر للأساتذة الرؤساء الذين بلغ عددهم هذه السنة ما يزيد عن 34200، حيث تم إصدار إطار منهجي في الموضوع واستفاد لحدود اليوم ما يقارب 10000 أستاذا رئيسا منه من التكوين في مواضيع متعلقة بتدبير المواكبة التربوية البيداغوجية التي تقوم خطة عمل مشتركة مع المتعلم ذاته، فالتكوين الذي يتلقاه هذا الفاعل التربوي هو تكوين معرفي يركز على كيفية اشتغال الأستاذ الرئيس مع التلاميذ. اليوم نقترب من مرور سنتين كاملتين من صدور القانون-الإطار الذي نص على مراجعة نظام التوجيه. كما أننا حققنا لغاية اليوم نسبا جد مهمة في إرساء هذا المشروع ميدانيا تتعلق أساسا بتكوين الأساتذة والفاعلين فيما يتعلق بالتوجيه، ومنها أيضا إدماج مجزوءات خاصة بتكوين مختلف الفاعلين المعنيين بالتوجيه على مستوى المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، كما أننا قمنا بالرفع من عدد المستشارين في التوجيه التربوي ضمانا لتجويد فعال لخدمات التوجيه التخصصية على مستوى المؤسسات التعليمية، بحيث فوج مستشاري التوجيه لهذه السنة بلغ 350 مستشار ومستشارة، وهو رقم قياسي يسجل لأول مرة في تاريخ المنظومة، وهو ما من شأنه سد الخصاص وتغطية عموم الأقاليم والجهات. كما أن هناك تدابير وإجراءات أخرى تسير بخطى واثقة تتمثل أساسا في خلق فضاءات للتوجيه المدرسي والمهني والجامعي داخل المؤسسات التعليمية، ورقمنة خدمات التوجيه عبر منظومة “مسار” أساسا إلى غيرها من الإجراءات والتدابير الأخرى. بطبيعة الحال عندما نتحدث عن منظومة التربية والتكوين وعن وظائف المؤسسة التعليمية، وهناك وظيفة التنشئة الاجتماعية التي تلعبها المؤسسات التعليمية إلى جانب الأسر من خلال مجموعة من المهارات الحياتية ومجموعة من القيم. وهي التي تتجلى في إعداد المتعلمين للاندماج في الحياة العملية عبر تسليحهم بالمهارات والكفايات التي تيسر لهم ذلك بناء على ميولاتهم وقدراتهم وأهدافهم المستقبلية في إطار مشاريعهم الشخصية. فمحورية منظومة التوجيه تكتسبها من أهمية مواكبة المتعلم حتى يصبح في نهاية المطاف قادرا على اختيار توجيهه بشكل سليم وفعال يراعي إمكاناته ومؤهلاته وميولاته الذاتية. فأهمية التوجيه تكمن في أهمية إحدى الغايات الأساسية من منظومة التربية والتكوين والتي هي مساعدة الأفراد على الاندماج في الحياة العملية بشكل ملائم. وأن تعكس مشاريع المؤسسات جميع التوجهات الإصلاحية الكبرى في هذا المجال.