لقد نظموا الزجل بلغة مجردة من الإعراب ومزدحمة بالكلمات التي هي من أصل محلي أو بربري. وكل ذلك ظهر بسبب التعدد الثقافي الذي عرفته الأندلس، واختلاط الشعوب الأندلسية ببعضها. 19والزجل في الاصطلاح، يعد الزجل بهذه الصورة موشحا ملحونا إلا أنه ليس من الشعر الملحون. بالنثيا : تاريخ الفكر الأندلسي، 20يمثل الزجل الفن الثاني المستحدث في الأندلس بعد الموشح، وقد تباينت آراء المؤرخين القدامى في نشأة هذا الفن، ولو أنهم يتفقون على أن الزجل وليد البيئة الأندلسية، وقد ظهر الزجل بعد الموشح إلا أن بعض الباحثين من عرب ومستشرقين يرون عكس ذلك8. 21إن الذين يرون أن الزجل سابق للموشح، انطلقوا من نص ابن بسام حول الموشحات الأندلسية القائل بأن محمد بن محمود القبري " كان يأخذ اللفـظ العامي والعجمي ويسميه المركـز، معتقدين في ذلك بأن هذه الألفاظ وجدت في قصائد عامية، ولم يكن لهم دليل قاطع فيما يذهبون، ولعل مما ساعد على نشأة الزجل في الأندلس ما كان من شيوع الموشحات بين العامة والخاصة. 22وقد اتفق مؤرخو الأدب الأندلسي على أن الموشح أسبق من الزجل، ومنهم ابن خلدون الذي قال : " ولما شاع التوشيح في أهل الأندلس، نسجت العامة من أهل الأمصار على منواله ونظموا في طريقته بلغتهم الحضرية، واستحدثوا فنا سمّوه الزجل والتزموا النظم فيه على مناحيهم لهذا العهد، واتسع فيه للبلاغة مجال بحسب لغتهم المستعجمة "10. ويتضح من كلام العلامة ابن خلدون أن الزجل الأندلسي نشأ تقليدا للموشح. نظموا فنا آخر بعامية أهل الأندلس وسمّوه الزجل، وكان لاختراع هذا النظم تلبية لحاجة العامة في القول الرفيع والغناء المنسجم. 24إن عامية أهل الأندلس كانت بعيدة بعدا شديدا عن اللغة الفصحى، لاتصالها بلهجات متعددة غير عربية من جهة، واختلاف أصول الأندلسيين من جهة أخرى. لأنه لو كانت لغة الزجل الأندلسي هي لغة العامة نفسها، لمَا انتشرت أزجال الأندلسيين في العراق وبلاد الشام واستعذبها المشارقة ونسجوا على منوالها. 25وقد ذهب صفي الدين الحلي إلى أن : " أول ما نظموا الأزجال جعلوها قصائد مقصدة وأبياتا مجردة في أبحر عروض العرب بقافية واحدة كالقريض لا يغايره بغير اللحن العامي، وقد عدّ صفي الدين الحلي للشيخ ابن عبد الله مدغليس زجال الموحدين في الأندلس، 26إن ما يلاحظ من خلال هذا الكلام هو أن صفي الدين الحلي لم يكن يعلم أن هذا النوع من الشعر الذي لا يختلف عن القصيدة إلا من حيث اللحن، يسمى عند المغاربة الشعر الملحون وقد سبق الموشح بزمن طويل وهو من نسج العوام. لذا لا يمكن أن نسمّي كل ما حاد عن الإعراب زجلا. أما القصائد الزجلية التي ذكرها صفي الدين الحلي فقد ظهرت في مرحلة من مراحل تطوّر الزجل، لأنه لا يمكن أن نعد مدغليس الذي جاء بعد أبي بكر بن قزمان من منشئي الزجل. 27أما الزجالون الأندلسيون الأوائل فقد ظهروا في أواخر القرن العاشر الميلادي، فنسيت أسماؤهم بعدما ظن المؤرخون أن هذا النوع من الفن هو من الموشحات الملحونة، عبد العزيز : الزجل في الأندلس. 28لم يصل إلينا من زجل المتقدمين إلا ما يعود إلى القرن الحادي عشر الميلادي، فكان الزجل في هذا العصر قد اتضحت معالمه الفنية، أما الأزجال الأولى فقد كسدت ووقع لها ما وقع للموشحات في القرنين التاسع والعاشر الميلاديين. وفي القرن الثاني عشر الميلادي ازدهر فن الزجل بسبب تذوق المرابطين لهذا النوع من الشعر وليس لنفورهم من اللغة الفصحى كما ذهب بعض الباحثين العرب12. 13 - ابن قزمان : الديوان، - المعهد الأسباني العربي للثقافة، 29مر الزجل الأندلسي بأطوار لغوية مختلفة، ثم بدأت تتسرب إليه عناصر اللهجة الأندلسية حسبما تقتضيه ضرورة الوزن والغناء عند أهل الأندلس، الذي مهّد الطريق في ديوانه إلى العناصر اللغوية العامية التي غزت اللغة الرفيعة في الزجل وقد أشار إلى ذلك في ديوانه13. ابن حجة : بلوغ الأمل في فن الزجل، بل سوء فهم كلامه هو الذي جعل صفي الدين الحلي يعتقد أن الإعراب لا يجوز في الزجل لخلطه بين الشعر غير المعرب والشعر الملحون العامي. لا تعتبر القصائد العامية أزجالاً حتى وإن كانت مقطعية الشكل، وهناك لغة عامية ليس فيها شيء من الاطراد إلا التغير، والزجل نهجَ اللغة الأولى حتى لا يتغير لفظه ونطقه عبر الزمن. 32ولغة الزجل تتألف من هذه اللغة غير المعربة بالإضافة إلى عناصر لغوية أندلسية اختلطت فيها لهجات شمال إفريقيا مع لسان الوافدين من المشارقة والعناصر المحلية الموَلدة والمبتكرة التي يبيحها الزجال في نظمه. لأنه لا يمكن لأي أحد كان أن يقول زجلا، 15 - ابن قزمان : الديوان. فقد جاء التزنيم في الزجل كما جاء أيضا في الموشح، وهو اللحن في الموشح والإعراب في الزجل. 34ويجب أن نشير أيضا إلى أن الزجالة لم يولوا اهتماما لعجمية أهل الأندلس. متناثرة في أثناء أزجال الإمام ابن قزمان، وما جاء على لسان العجم والعجميات في أزجال الحوار. ذلك لأن لغة الزجل غير معربة، فيلجأ الزجال إلى الفصيح بدلاً من الألفاظ العجمية، كأن يمهد للخرجة بألفاظ تدل على أن الزجل قد أوشك على النهاية. 35لقد استخدم الإمام أبو بكر بن قزمان في أزجاله بعض المقطوعات بالعجمية. أما المستشرقون فقد أولوا اهتماما بالغا للأزجال الأندلسية وبالأخص ديوان ابن قزمان، وقد زعموا أن الزجال الأندلسي نظم بعض الخرجات الزجلية باللغة العجمية. 36لكن خرجات الزجل لم تكتب بالرومانسية كما يذهب هؤلاء المستشرقون، وإنما وُجدتْ بعض الألفاظ في ثنايا أزجال ابن قزمان لا علاقة لها بالوزن أو الموسيقى أو القافية، ولم نجد ألفاظا عجمية عند الزجالة الذين تقدموا الإمام ابن قزمان أو عاصروه أو خلفوه، 37أما العناصر التي يتكون منها الزجل فهي العناصر نفسها التي سبق إليها الوشاحون شكلا واصطلاحا في موشحاتهم، وغالبا ما تكون الخرجة في الزجل بلغة فصيحة حسب ما وصل إلينا من أزجال، لأن الزجل ينظم بلغة غير معربة أو ما يشبهها، ولذلك يلجأ الزجال إلى نظمها بالفصحى. أو تشاركها ألفاظ عربية وأندلسية محلية. حوارا بينه وبين رومية، وكان أبو بكر بن قزمان يستعذب بعض الألفاظ العجمية في أزجاله. ومثل هذا الحوار أوهَمَ بعض المستشرقين بأن الزجالين أخذوا مقطوعات من أغان عجمية، يمكن القول إن لغة الزجل هي تلك اللغة التي يفهمها فئة واسعة من المجتمع، وهي لغة مهذبة سادت الزجل منذ نشأته إلى غاية القرن الثاني عشر الميلادي، وهو بداية ازدهار الزجل الذي كان في الحقيقة بداية انحطاط مذهبه ولغته حتى ظن أحد المستشرقين أن الأزجال الأندلسية نظمت للشارع17. وقد أولى المستشرقون هذه الجوانب اهتماما بالغا،