تسعى الإبستمولوجيا التكوينية إلى توضيح المعرفة، وإلى تكوينها الاجتماعي Sociogenesis وإلى الأصول السيكولوجية للأفكار والعمليات التي تعتمد عليها بصفة خاصة. ولقد استندنا في رسم الجزء الأكبر من تلك الأفكار والعمليات إلى الحس المشترك Com- Monsense وعليه فإن هذه الأصول يمكن أن تلقي الضوء على مغزاها كمعرفة ذات مستوى أعلى. كما تأخذ الإبستمولوجيا التكوينية في اعتبارها أيضاً، الصياغة المنطقية التي تنطبق على بنيات الفكر المتوازنة Equilibrated Thought وعلى حالات معينة من التحولات التي ينتقل فيها الفكر - في مجرى تطوره - من مستوى إلى آخر. وقد يصطدم الوصف الذي خلعته على طبيعة الإبستمولوجيا التكوينية بمشكلة هامة، ذلك لأن العديد من الفلاسفة والإبستمولوجين ينظرون إلى الإبستمولوجيا بوصفها دراسة للمعرفة كما هي في اللحظة الراهنة فهي في نظرهم تحليل للمعرفة استناداً إلى غايتها الخاصة، أما تتبع تطور الأفكار أو تطور العمليات فربما يكون - في رأيهم - من شأن المؤرخين أو علماء النفس وليس من شأن الإبستمولوجيين بشكل مباشر. وعليه فلا بد أن أواجه باعتراض على المحاولة التي أقوم بها هنا لتشييد الإبستمولوجيا التكوينية. أن تعزل البنيات الأساسية لكل الفروع الرياضية. One أود أن أذكر مثالاً أو مثالين عن المجالات التي يمكن أن نفهم من خلالها، فلقد طور كانتور هذه النظرية على أساس عملية أساسية جداً، هو أن نظرية المعرفة إنما تدرس بشكل أساسي مسألة صحة العلم، ومعايير هذه الصحة وتبريرها . وإذا قبلنا وجهة النظر هذه، المترجم) حيث تـ فالتزامن إذن، وإنما هو بناء عقلي. وقد ألف هنري بوانكاريه (7) Henri Poincare - قبل أينشتين بوقت طويل - العديد من المؤلفات التي تعالج تحليل فكرة التزامن، وأماط اللثام عن الكثير من تعقيداتها . وإذا قرأنا الآن مقالاته في هذا الموضوع - وهي جميعها بالمناسبة ذات أهمية قصوى - وذلك بعد أن نكون قد نظرنا في عمل أينشتين الأخير بتمعن لوجدنا أن تأملاته قد اعتمدت كلية تقريباً على الحجج السيكولوجية. بل أن أينشتين نفسه قد لمس أهمية العوامل ذلك لأنه عندما أتيحت لي فرصة مقابلته لأول مرة في عام 1928 ، أفكار التزامن ولكن ما أود الآن هو أن أذكره هو المعطيات السيكولوجية ليست مجرد عامل مساعد، فالواقع أن جميع الإبستمولوجيين يشيرون إلى العوامل السيكولوجية في تحليلاتهم، تأمليه لا تستند إلى البحث السيكولوجي. وإنني لمقتنع تماماً بأن الإبستمولوجيا تعالج موضوع المشكلات الواقعية بنفس القدر الذي تعالج به المشكلات الصورية، فإذا ما تصادمت المشكلات الواقعية ذات مرة، فستصبح الاكتشافات السيكولوجية كفيلة بمعالجة هذا الأمر، لذلك ينبغي أن تؤخذ في الحسبان، والشيء المؤسف بالنسبة للسيكولوجيا هو أن كل شخص يعتقد في نفسه أنه سيكولوجي. حتى وإن بدت من الوهلة الأولى أنها بعيدة كل البعد عن المشكلة. فعلينا - طبقاً لهم - أن نستخدم ببساطة السنتاكس العام Syntax أو السيمانطيقا العامة Semantic أو البراجماطيقا العامة (1) Pragmatic وذلك المعنى الذي قرره موريس 40Morris واعتمد الوحدة في هذه الحالة، إنما تشتق من اللغة، إذ أن المنطق والرياضيات ليسا سوى بنيات لغوية متعينة، أن المواقف النظرية في حقل الدراسات اللغوية ذاته، فلقد تمسك بلومفيلد Bloomfield في ذلك العصر وبشكل كامل، أما الآن، على أن اللغة هي التي تعتمد على المنطق، بل ويرى أن هذا العقل فطري Innate وربما يكون قد مضى بعيداً جداً بتأكيده على فطرية العقل ولكن أعود فأكرر مرة أخرى، 41هذه الأيام والتي ترى أن اللغة تعتمد على العقل، على البحث السيكولوجي، لست راغباً في أن أعطي انطباعاً بأن الإبستمولوجيا التكوينية إنما تسعى إلى الاعتماد بشكل كامل وقاطع على السيكولوجيا، نرى أن الصياغة المنطقية ضرورية تماماً في كل وقت، حينما تصادفنا بنية مكتملة ما، والصياغة المنطقية من جهة أخرى. ولكن على الرغم من إدراكنا لأهمية الصياغة في الإبستمولوجيا، إلا أننا ندرك أيضاً أن هذه الصياغة ليست كافية في حد ذاتها. وقد بذلنا محاولة لتوضيح المجالات التي يكون فيها التجريب السيكولوجي ضرورياً وذلك لكي نلقي الضوء على مشكلات إبستمولوجية معينة، وهكذا إذا التجأنا إلى منطق وحيد لكان مفتقراً إلى القوة، وإذا التجأنا إلى العديد من علوم المنطق لكانت قوية جداً، ولكنها تفتقر إلى الاتساق فيما بينها الأمر الذي يحول دون تأسيس المعرفة عليها . فأي نسق لكي يكون قوياً ومتسقاً بشكل كاف، ولكن ما هو هذا الشيء بالضبط ؟ أو ما هو ذلك الشيء الذي يصوغه المنطق؟ وهذه مشكلة غاية في الأهمية، والآن ما هو بالضبط الذي يقع تحت البديهيات التي لا يمكن البرهنة عليها والأفكار التي لا يمكن تعريفها ؟ تسمى هذه بمشكلة البنية في المنطق. غريماً قوياً للسيكولوجية بصفة عامة، فقد شرفنا بحضوره في إحدى ندواتنا التي عقدناها لمناقشة الإبستمولوجيا التكوينية، وفي نهاية الندوة وافق بت على أن وهو لم يقصد بإعلانه هذا أن ترتبط السيكولوجية بالمنطق ارتباطاً مباشراً - فهذا ما لم يقصده بالطبع - وإنما هو يؤكد أن الإبستمولوجيا تتعامل مع المنطق والسيكولوجية معاً، ولذلك ينبغي أخذهما معاً في الاعتبار، وهكذا، نستخلص من ذلك أن الإبستمولوجيا التكوينية إنما تتعامل مع كل من صورة Formation ومعنى Meaning المعرفة. ويمكننا أن نصوغ مشكلتنا في العبارات التالية : بأي معنى يمضي العقل الإنساني من حالة تكون فيها المعرفة أقل إلى حالة تكون فيها المعرف أعلى ؟ الواقع أن البت في ما هي المعرفة الأقل، وليس من اختصاص السيكولوجيين أن يحددوا ما إذا كانت حالة المعرفة أسمى من حالة أخرى أم لا . هي أن نوضح كيف يتم الانتقال من معرفة ذات مستوى أدنى إلى معرفة ذات مستوى أعلى. لأن طبيعة هذه الانتقالات تعد مسألة واقعية. رغم أنهما متكاملان المظهر الأول هو المظهر المجازي أو التشبيهي) Figurative Aspect أما الآخر فإنني أسميه المظهر الفعال Operative ويعد المظهر المجازي محاكاة لحالات لحظية واستاتيكية (سكونية). محاكاة مستدخلة Interiorized Imitation وذلك على خلاف المظهر الفعال للفكر الذي لا يتعامل مع حالات، وإنما يتعامل مع تحولات الفكر من حالة لأخرى. ولكي أعبر عن نفس الفكرة بطريقة أخرى، فإن معرفة الواقع يعني بناء اتساق فإننا نأخذ في اعتبارنا أيضاً التأثير نفسه أو العملية إن شئت، فصفها في صف واحد، فوجدها لأنه عندما يعدها، يجد عددها عشراً. وإنما إذن فالمعرفة التي جعلت هذا الطفل - الذي سوف يصبحرياضياً فيما بعد - يكتشف ذلك، الأفعال الفردية مثل القذف والدفع واللمس والاحتكاك، والشكل الرابع هو الذي يقيم نقط تقاطع Intersections بين الأفعال. كما تتطور أخيرا في الفكر،