خرجت برفقة مرشدي (جاي) الذي ينحدر من بلادِ (التِّبت) في زورق يعومُ بنا عند ضفة نهر (نوجيانغ)؛ للقيام بجولة نجمع فيها بعض بيض النَّوارس، جذب مسیر انتباهنا صراخُ قِرَدَةٍ مُفاجئ، قادم من جهةٍ مُنحدرٍ جبلِ القِرَدَةِ الواقع بمحاذاة النّهر، ومثيرًا للذعر إلى حد ما. واستعنت بمنظاري لاستطلاع الأمر. و و المنحدر ومن بينها قرد أسميته (ذا العباءة قد وقف مقابل قردة ذاتِ ذيل بَني اللَّونِ، منه، مطلقةً صوتًا حادًا تَنْشُدُ من خلاله العون، وقريباً منهُما جلس ملكُ القِرَدَةِ فوق حجر ضخم يعلو بمقدار العشرين متراً عن موقع القردين يصرخُ بعنف غضب، ويقطن في الغابات الصنوبرية القريبة من الطّريق الثّلجي لجبل (جاوليجونغ)، وهو بين الحيوانات النادرة في الصين، أو حتى المئات. وقضيت معظم وقتي في مراقبتها، شه السلطة عندها، بسبب وجهه المرقط باللون الأرجواني، وصدره الأبيض والرمادي. أما القردَةُ ذات الذيل البنّي والشَّعرِ اللامع، وقد لقبتُهُ بذلكَ الاسم لشعره الكثيف السميك، ويُعد الملك الثّاني لتنصيب نفسه ملكا عوضًا عنه، وكان شعر رأسه واقفا فبدا تماماً كالتاج الملفت للأنظار، مما يوحي بأنه خلق ليكون ملكًا. رأيت (ذا العباءة لسوداء) قد وجد خلية نحل مُعلَّقةً على أحد أغصان الأشجار. صارَ منَ المعروفِ أَنَّ أَيَّ د يجد عسلاً يتوجب عليه تقديمه إلى الملك أولاً هذا واجب على القردة، وامتياز يحظى به الملك. حتى يختبئ بل أخذه وقفز فوق الشجرة المقابلة للملك عوضا عن ذلك وراح من الطبيعي أن تحمل وكرد غضباً وينتزع العسل لنفسه. وتلاشت ملامح الغضب والهياج، عندما شاهد (ذو العباءة السوداء) هذا بغية تسول بعض العسل منه، مما يدل وتجاهل ما تجنباً لهذا الموقف الذي يفيض بالإذلال، ثمَّ أخفض رأسَهُ وراح يغفو بشكل متقطع، وبدأ جسده يرتجف بشدة مظهراً الأسى العميق الذي تغلغل في قلبه، ه، و(الملك المجدور) كان حكيماً ، لذا لن يُخاطر بفقدان تاجه بسبب بعض العسل التافه. إلا أنَّ ما يحدث الآن لا يُمكن وصفه بإهانة عادية، فما بالك بملك القِرَدَةِ الَّذي يتسم بالأَنْفَةِ والغطرسة؟! وكما هو متوقع، صرح (الملك المجدور) وقفز من على الصخرة مُعلنا بدءً معركة الصراع للحفاظ على عرشه ورد اعتباره. سيموت أحد هذين القردين اليوم دون شك. جميع الدراسات والوثائق تؤكد حتمية هذه الحقيقة. بهدف الاستحواذ على العرش في مجموعة القردة، سيؤدي إلى موت القرد المنافس أو الملك القديم مباشرةً، لا حلَّ لَهُ! ابتعد (ذو العباءة السوداء) عن الأنثى ذات الذيل وجر. احتدم الاشتباك، وملأ الغبار الجو ممزوجاً بالصياح، والشَّعْرِ، والدم، واللحم. وبعد عدة جولات، لم يتحلَّ (الملك المجدور) العجوز بالقوة البدنية التي تُضاهي (ذا العباءة السوداء)، ولكنه يتمتع بشجاعة لا تقل عنه على الإطلاق، لذلك عقد العزم على مجازفة أخيرة وحاسمة بدفع (ذي العباءة السوداء) للتدحرج معه إلى المنحدر وانزلق كلاهما وهما يتعاركان ويتبادلان العض. سقطا من ارتفاع مائة متر على ضفة النهر، وبالنسبة لـ (الملك المجدور) فقد أصيب خصره وساقاه، فانتهز الفرصة للانقضاض على الملك بطريقة عنيفة ومفاجئة. وعجز عن الرد؛ فانسحب من المضمار يذرف دموعاً مثيرة للشفقة. أصبح الأمر جلياً، والانتصار أو الهزيمة أصبحا مسألة وقت، قام (ذو العباءة السوداء) بطرح (الملك المجدور أرضاً مرةً أخرى، ليُطلق صرخةً طويلةً . جلست باقي القِرَدَةِ على الصخور وبدأت جميعها بالصراخ احتفالاً بفوز (ذي العباءة السوداء)، وبلمح البصر، وأحاطت بـ (الملك المجدور . مشهد كهذا يمكن وصفه بالمثل المعروف عندما تسقط الشاةُ تكثر السكاكين من حولها! يجب أن يُسارع (الملك المجدور) بالهرب، فقد تم عزله من قبل رعاياه، وعليه أن ينجو بنفسه من قبضتهم، وبدا كسجين أشعَثِ الشِّعرِ مُحْضَبِ بالدماء ومغطى بالتراب. احتشد عدد من القرَدَة حول (ذي العباءة السوداء) للعق الدّماء التي خلفتها المعركة على جسدهِ، وأمر القردة بمهاجمة (الملك المجدور) وَوَفَقًا للملاحظات التي دونتها خلال نصف شهر، ولا أحد من القردة تجراً سابقاً على تحديه سوى ذي العباءة السوداء. استشاط غيظ جميع القردَةِ باستثناء الأنثى (ذاتِ الذيل البني)، وصرخت غاضبةً وقد مما جعله يهرب مسرعًا. الجميع، فتعرض للضرب بشدة مرةً أخرى. عندما انشغلت الأنثى (ذات التقاط بعض الأنفاس، لكن أحد القردة الذكور (ذا الذيل البني) بتناول الجوز في غابة الصنوبر قفزت وقد أخفض رأسَهُ استعدادا لضربه على صدره بجانب (الملك المجدور. كنتُ أراقبها بمنظاري ورميه من أعلى الصخرة. وقبل ثلاثة أيام من بدء وهي تجلس سعيدةً بمحاذاة (الملك المجدور) العراك، شاهدت القرد (ذا المؤخّرة القُرمزيَّة) وراحت تنظفه من البراغيث وتُمشَطُ شعرَهُ أَغْلقَتْ بمنظاري يحضر طائرًا قد اصطاده للتو ليُقَدِّمَهُ هدية جميع الأبواب في وجه الملك، فمزَّقَ الملك ساق الطائر وألقى ما أن يقفز في النهر السريع التَّدَفْقِ ذي التضاريس تبقى منه على الأرض، سارع القرد (ذو المؤخرة الحادّة، ونفض الغبار عنه، ثم قدمه مَدْفَنُ الملوك! صحيح أنَّ القِرَدَةَ الصفراء تستطيع لمولاه من جديد. يا له من قرد متملق وصل (الملك السباحة، والجراح التي فجوة فيهِ علَّهُ يتجنب هجوم بقيَّةِ القِرَدَةِ؛ ومن حظه أن القردَةَ ذات الأذن البيضاء شاهدته، وأخبرت لم يعد يستطيع الصمود. وأراد أن يتجه إلى الشاطئ، وما إِنْ شرع بتسلّق الشعب حتى أمر (ذو العباءة السوداء) فأجبروه على العودة إلى الماء مرَّةً أُخرى اقترب (الملك المجدور) من منحدرٍ صخري، وأمسك بحجارة زلقة بكلتا ، راحتيه كان المنحدر شديدا جدا لم تجرؤ القرَدَةُ على الاقتراب منه خوفًا؛ منْ أنْ يشُدَّها معه إلى الموتِ المحتوم، الملك المجدور!) وقد ملأ الحقد الدفين قلوبها تماماً، ربما أرادت أن تُنَفِّسَ عن غضبها المكتوم في العهد القديم، أو ربما أرادت إثبات الولاء لملكها الجديد لتفوز برضاه ولتنالَ حظوَةً عنده سألني (جاي:) ما سبب تسمية هذا المكان بمدفن الملوك!؟ فكني بهذا الاسم المشؤوم. فشاطئ مدفن الملوك يُشير إلى ملوك القردة، فمجموعاتها تمتلك سلوكًا يختلف عن البشر، ويتكفَّلُ باقي أفراد المجموعة بإغراق الملك عاثر الحظ بعد أن تم تتويجه ملكًا عليها في يوم من الأيام، ما زالَ (ذو العباءة السوداء) برفقة أتباعه يُراقب من موقعه مُصمّماً على موت (الملك المجدور)، الأنثى ذات الذيل البني أنثى (الملك المجدور المفضلة، هي الوحيدة بين مئات القردة الصفراء التي لم تشارك في ضربه، وهي تشد شعرها، وتلطم على صدرها، وتَنْطَحُ الصخور برأسها وكأنَّ ألما عظيمًا يأكل قلبها. فجأةً، انقضت سلسلة من الأمواج على (الملك المجدور) وغطّته كُليّا، وبعد مضي بضع دقائق ظهر كان يلتقط الأنفاس بصعوبة بالغة وعيناه مغشي عليهما، التفت القرد المجدور ليلقي نظرةً على القرَدَةِ المُتأهبة والواقفة على صخور فم السمكة. وعجز عن السباحة لمدة أطول، فغاص رأسُهُ في النَّهْرِ وتجرَّعَ بعض المياه، ويتمكَّنُ من العوم مرَّةً أخرى وراح يرمينا بنظراتِهِ البائسة، ثمَّ رفع أحد مخالبه من داخل الماء ليُحيينا. فمن الواضح أن تلويحه لنا بمخالبه ما هو إلا إيماءة لطلب المساعدة. إن لم نتجاهله سنقحم أنفسنا في مشكلة ما . جذبت المجداف من يد (جاي) ومددتُه نحو (الملكِ المجدور)؛ فصارت القرَدَةُ الواقفة على الشعاب تصرخُ بشراسة، وأطلق (ذو العباءة السوداء) صوتًا غاضبًا في الصفراء تشتهر ببعض التصرفات المغالية في التهور، كإصرارها على الانتقام ممن يسيء لها مهما طال الزمن. يُقالُ أنَّ أحد القرويين أمسك بقرد صغير وباعه لحديقة الحيوانات، وسمعت أيضًا أَنْ أَحَدَ وكلما سلك ذلكَ الطَّريقَ تُسحَقُ سَيَّارَتُهُ بحجارة تلقى من الجبل! هل أتركه يغرق؟ والأهم أنني لستُ منْ أنا عالِمُ حَيَوانِ ويتطلّب عملي المراقبة بموضوعية، هممت بسحب المجداف بالفعل ولكن بدا الأمر ثقيلاً جداً على قلبي، المُتحمسين للاحتفال بفوز المنتصر وازدراء الخاسر . وكذلك (الأنثى ذات الذيل البني)، وتكويني البشري يضم مفاهيم الصواب والخطأ، والمعايير الأخلاقية والانفعالات العاطفية، وتقدير معنى الحياة، ولا علي الإقرار بارتكابي لبعض الحماقة عندما مددتُ مجداف القارب لـ (الملك المجدور) ليتشبث به، ولكن التاريخ يمكن إعادة كتابته، وشاطئ مَدْفَنِ الملوك يمكن تغيير اسمه إلى شاطئ نجاة الملوك وفي وسط موجة غضب القِرَدَةِ، انتشلت (الملك المجدور) من سكرات الموت إلى قارب النّجاة، كما كانَ مُتوقعا، عند سفح جبل القِرَدَةِ بالقرب من مصب نهر (نو)، لم تكُن جراح (الملك المجدور) خطيرةً، عندما حلَّ الغروب وابتعدنا عن محطة عملنا بمقدار مئة متر أو مئتين، سمعنا أصوات القِرَدَةِ وصرخاتها فهرعنا عائدين إلى الموقع لنجد المحطة قد سُرِقَتْ بالكامل، والأواني والأحواض وزجاجات الملح وزيت الطعام والخل أتلفت جميع كتبي ووثائقي، ولحاف الفراش في حالة مزرية، ومما زاد الأمر سوءًا بولُ القردة لقد قاسي جميع أنواعِ الإذلال والاعتداء من خصومه المتناثرين في جميع وسط القفص. انتابتني موجة عارمة من الغضب، ومددت يدي وما منعني عن ذلك إلا تصنيفهُ وَفَقًا لقوانين الحماية الوطنية من فأفزع دويها ورائحة البارود المنبعثة ثم انسحب وأتباعه وقد ترامت أصواتهم في جميع الأرجاء. أطلقت سراح (الملك المجدورِ المُتَخَنِ بالكدمات والضرب، شديدة، ا.. كلَّفتني عملية سطو القردة تلك الكثير من النقود للتعويض عن احتياجاتي الضرورية، الشائكة. فتوقفت عن المحاولة ولكنّها لم تتخلَّ عن فكرة الانتقام، السوداني. وذات يوم، ولقد اعتدتُ في مثل هذه الرحلات تعليق حقيبتي على إحدى الأشجار الصغيرة القريبة مني، وفي داخلِ عُشُ النَّسرِ وُضِعَتْ سَحِلِيَّةٌ كطعم، مما يدل على رغبة الأم في حث فراخها الثَّلاثةِ على الاعتماد على أنفُسِها في التقاط الطعام، لقد جذبني المشهد كثيراً فهو ليس بإطعام اعتيادي للصغار بل كنتُ منجذباً تماماً للمشهد، وفجأةً سمعت بعض الأصوات الصادرة من الشجرة الصغيرة قربي، رفعتُ بصري لأرى القرد البغيض الحاقد (ذا العباءة السوداء) قد قفز من إحدى الصخور إلى الشجرة ونزل عبر أغصانها ليأخذ حقيبتي المعلقة هناك. بينما بادر (جاي) برد فعل سريع فقفز محاولاً إيقافه لكن بعد فوات الأوان، فبلمح البصر، تعلّق القردُ بالشَّجرة رأسًا على عقب وخطف الحقيبة في غمضة عين وقام بعدها بوثبة رشيقة عادت به إلى الصخرة ليختفي على الفور داخل الغابة. من المؤسف أن يكون لصا. يوجد آلة تصوير باهظة الثّمن داخل حقيبتي المسروقة، وبعضُ الطّعام وزجاجة من الماء، فخرجت من الخيمة وإذ بـ (ذي العباءة السوداء يقفُ من جديد على بعد عشرين أو ثلاثين متراً عن موقع عملي، ولكن ملامحه لم تُشر إلى الاعتداد أو الاستفزاز ، بل كانت المرارة تعلو وجهه وعيناه تفيضان بالعاطفة، وما إن وقعت عينا (ذي العباءة السوداء) عليه حتّى انتصب شعر رأسه بحدة، وأمسك قدمي بقوة مرتجف الجسد. يا له من قرد ذكي ووضيع! يمكنك إتمام الصفقة معه، الله يعيش طويلاً. والتأمت الجراح التي أثخنت جسده تماما لكنَّ علةَ قلبه لا يمكن شفاؤها. في كلِّ يوم، يُكوِّر نفسه في زاوية الخيمة ساكنًا دونَ حراك، وتلاشى بريقُ عينيه وحياته ماضيةً نحو النهاية، وقد زالت عنه فخاطبت نفسي هل يُطاوعني قلبي على مقايضة (الملك المجدور) بحقيبتي يا تُرى ؟ إن فعلت، العباءة السوداء) وحش مختل بامتياز، ولن أعقد أيَّ وكتعبير عن رفضي الإذعان لإغراء مقايضة (ذى العباءة السوداء) صرخت ورميته بحجر بحجم قبضة اليد، لكنَّهُ كَانَ كَافيًا لإيضاح مقصدي له، وكأنَّ ضربةً قاضيةً قد نالت منه بالفعل. ولكن يتوجب علينا توخّي الحذر عند خروجنا منه. أجابني (جاي) بوجه عبوس وصوت منخفض مُتأملاً السماء الملبدة بالغيوم: أنا لا أخشى ذا العباءة السوداء) ولكني قلق من تورط الفوضى تسود بين مجموعة القردة الصفراء لسوء الحظ لقد كان (جاي) على حق في تلك الليلة، أعتقد بأنَّ نمرًا أو ذئباً مفترسًا قد انقض عليها. استجابة (الملك المجدور) للأصوات قد أثارت دهشتنا بالفعل، فلقد وثب مُصدرًا صوتًا منخفضًا وصار جسده يرتجف منْ شدَّةِ التوتر، يبدو بأنَّهُ مُدرك لما يحدث للقرَدَة وأرادَ أنْ يشرح لي الأمر، عند بزوغ الفجر، نهضنا أنا و(جاي) بسرعة واغتسلنا من جدول المياه، كان نهارًا يتسم بنسمات عليلة وصفاء تام، تمكَّنَّا من ملاحظة حرکات القردة على بُعد خمسين متراً أو ستين دون الحاجة من الواضح أنَّ القِرَدَةَ الصفراء لم تنمْ طَوالَ اللَّيلِ، حتّى أنَّ الدماء احتقنت في عيونها، وأعصابها متوترةً للغاية، ولاحظت أنَّ بعضها مُصابٌ وقد خُدشت فروةً رأسه، وآخَر اقتلع شعر رقبتِهِ وثالث كان يمشي بصعوبة إثر إصابة بالغة في قدمه، على غير العادة، لم يعد (ذو العباءة السوداء يمتاز بتأييد القردة كملك لها، بل انقسمت إلى مجموعات صغيرة عوضًا عن ذلك وجلست بجانبه (الأنثى ذاتُ الأذن البيضاء)، بالإضافة إلى قرد مسن ذي مكانة مُتدنّية بين القرَدَةِ، مَنَحَني مشهد هؤلاءِ الثلاثة إحساسًا بسقوط الملك بعد أن انفض أطلق (ذو العباءة السّوداء) صوتًا خافتا أشبه بالاستجداء، وتلاشت هيبته وكبرياؤه، بينما واصل البقيَّةُ الاهتمام بشؤونهم الخاصة غير مبالين به. قفز قرد من شجرة صنوبر صغيرة صوبَ الحجر الذي احتله ذو العباءة السوداء) وراح يطلق صوتًا ساخرًا ، إِنَّهُ القرد (ذو المؤخّرة الحمراء!) وعلى الرغم من خبرتي الضئيلة في لغة الجسد الخاصة بالقِرَدَةِ، وقفز من على الحجر وانقض على القرد ذي المؤخرة الحمراء)، فتشابكا والتفا على بعضهما بلمح البصر فتشابكا متعانقين وهما يلهثان بنفَس ثقيل. وفي تلك اللحظة، ثم رفس القرد (ذا) المؤخرة الحمراء) لينضم بعد ذلك سبعةُ قردة أو ثمانية إلى ذلك الصراع. أن لا أحد من هؤلاء الذكور يتبع لـ (ذي العباءة السوداء) أو (ذي المؤخّرةِ الحمراء)، بلْ كان كل منها يُقاتل لفرض وجوده، فتعاضد (ذو العباءة السوداء) و(ذو المؤخرة الحمراء على تهشيم وجه القرد الأصلع ولكن لبعض الوقت. ثم اندلع صراع بين جميع قردة المجموعة. كانت الفوضى عارمةً، خاطبت (جاي) : هل أصيبت تلك القردَةُ بالجنون؟! نشبت مثل هذه الفوضى العارمة بين أفراد المجموعة قبل خمس سنوات. أجاب (جاي) وهو يعود بذاكرته إلى الوراء: لقد قام أحدُ الصَّيَّادِينَ بقتل ملكها في ذلك الوقت. وبعد أن بات منصبه شاغرا رغب كل ذكر منها أن يصبح ملكا ، ونتج عن ذلك قتال عنيف دام لنصف عام مات خلالَهُ العديد من الذكور، وانخفض بذلك عدد أفراد المجموعة إلى حوالي خمسين بعد أن كان يصل لمئة قرد . ومن ثم قام الملك المجدور) بخوض العشرات من المعارك الشرسة، وبانتصاره أصبح ملكا فاستتب الأمن وأخذت المجموعة تستعيد قوتها واستقرارها. ولكنَّ الَّذي صَعْبَ عليَّ فهمهُ : لماذا بدأت الخلافاتُ منذ استيلاء (ذي العباءة السوداء) على العرش دونَ فهناك دورة زمنية لتغيير العرش عند القردة الصفراء تتراوح بين خمس إلى ست سنوات إِنْ لمْ يحدث أمر طارئ بكل تأكيد. فعمرُ القرد الأصفر يصل إلى عشرين عاماً تقريباً، ويتراوح سن البلوغ بين العاشرة والخامسة عَشْرَةَ، أجسادها في ذروتها، وتشتعل الرغبة لديها للاستحواذ على السلطة، ووفقًا لما أدلى به بعض علماء الحيوان، حينها سيبدأ جسده يضعُفُ وطاقته تخبو وسيطمع باقي الذكور بمكانته هناك تفسير قد فقد هيبته، ففقِئَت عين القرد الأصلع من قبل أحد الذكور، ويصرخ ويقفز ويركل بأسى، ربما فأطلق الصغير صوت أنين حاد وهوى منْ جُرف عال وبطنُهُ تُقابلُ السّماءَ لترتطم مؤخرة رأسه بحجر، جحظت عينا أمه ذات السّامة الحمراء بين حاجبيها وانقضت على القرد الأصلع وأمسكت رأسَهُ بمخلَبَيها ونالت أسنانُها من لحمه عضا ومضغا بعد أن أصابها الجنون، وانضمت إليها قردتان أيضا وغرستا مخالبهما في رأس القرد الأصلع، وانهالت الإناث الثلاثة عليه بالرفس والجر بحنق شديد، ففُقِئَتْ عينه الأخرى وانطفأ نور بصره وهرب مترنحا ليسقط من الجرف مطلقًا صرحةً تُمزق الفؤاد تلاها صوت ارتطام بالأرض قد وصل لمسامع الجميع. سارعت كل الإناث للاختباء في الكهوف بينَ الحجارة مُعانقةً صغارها بحرص شديد، وتوقف الذكور عن العراك فجأةً. ربما الموتُ المُباغت قد سبب الصدمة لها، أو أنَّ الإنهاك نال من أجسادها. الفينة والأخرى تُسمع صرخةٌ أو اثنتان. ومن الواضح أنّها سئمت وأصيبت بخيبة الأمل من هذا الجو المضطرب الذي عصف بعائلة القردة، لمَ لَم يحدث مثل هذا الانقسام الخطير سابقا بين مجموعةِ القِرَدَةِ؟ وكيف يُمكنُ لي أنْ أُعيدَ الحياةَ الهادئة والمسالمةَ لهذهِ القِرَدَةِ الثّمينة؟ فأنا عالم حيوان وتقع على عاتقي مسؤولية إيجاد الحل الأمثل لها. اللقاء بـ (الملك المجدور) لاة اعتدتُ أخذ قيلولة في وقت الظهيرة، حتَّى هدرَ جدار السياج الذي أقمتُهُ خارج المُخيم بأصوات متوالية على نحو مفاجئ، رفعت ستار خيمتي فتجلَّى أمامي قرد أصفر نحيل الجسد أسودُ الشَّعرِ ذو ذيل فريد من نوعه يقف إلى جانب السياج: يا إلهي ! إنّها (الأنثى ذات الذيل البني!) كنت متفاجئًا لقدومها إلى هنا في وضح النهار. خسر (الملك المجدور) سلطته منذ مدة طويلة، وصار يعيش الآن في مخيم للبشر بمساعدة مني بعد أنْ فقد أيَّ فرصة لاستعادة ملكه، وما إن يعلمُ (ذو العباءة السوداء) بأمرها لن يتردَّدَ في نفيها خارج المجموعة أو يُنزل بها عقوبة الموت أنا معجب حقا بشجاعتها وإقدامها على مقابلة الملك المجدور) الذي خصته بحنانها ولقد أثر ذلك في قلبي كثيراً. حَرَصَت (الأنثى ذات الذيل البني) على اختيار الأيَّام التي يسوء فيها الطقس للقاء ، وذلك خلال الزيارات الثلاثة الأولى فقط. ففي أول مرة، كانت الأمطار تهطل بغزارة، أما الليلةُ الثانية، وجاءت في الثالثة عندما كانَ الصّبابُ يُغطّي خيوط اعتادت الابتعاد عن السياج خلال هذهِ المواعيد والاختفاء بين الأدغال في مكان آمن يقع خلف موقع عملنا بالتحديد مطلقةً صرختين على نحو غامض، ويُبادر بوثبة مفاجئة يخرجُ فيها من زاوية مخيمي ويركض باتجاه السياج، ولا يُطيقُ صبرًا حتَّى يستكمل الجسر المتحرك دورتَهُ منخفضًا وأكون قد فتحت له السياج، ويقبض على الحبل ويقفز من فوق جدول الحماية. وها هي اليوم قادمة في وَضَحِ النّهار، بل راحت تهز السياج دون مبالاة، كان موقفًا فريدا إلى حد ما، وبقيت و(الملك المجدور) نُحدّقُ بها مذهولين لفترة طويلة ثم قمتُ بفتح السياج وإنزال الجسر المتحرك ولا زال (الملك المجدور) مُتسمرا بجانبي، فَربَتْ على كتفه قائلاً: اذهب يا صديقي العجوز، لا تخذلها. فأفلح تشجيعي له وصرح أخيرا وسار عبر الجسر المتحرك حتى وصل إليها، واندفعا صوب الأدغال واختفيا داخل الغابة الخضراء المشمسة. استنادًا إلى خبرتي السابقة، فلن يعود الملك المجدور) إلا بعد ساعتين، فتحتُ كتابًا مُترجمًا حديثا وَطَفَقْتُ أقرأه وأنا مستلق على السرير، الراقية من تأليف فجذبني أحد أسطر الكتاب ونصه: " في مفهوم القِرَدَةِ الصفراء المقاتلة، " بدأ قلبي يخفق بسرعة عند قراءتي لتلك الكلمات؛ فقد لمع وميض في ذهني لحل تلك الفوضى عند مجموعة القردة.