ورغبة من يربعام الأول في توسيع شقة الخلاف واستمرارها بين المملكتين : إسرائيل ويهوذا، فقد أحاط هذين المعبدين في بيت إيل ودان) بهالة من القدسية ولكي يعوضهما عن نقص تابوت العهد وغيره من الأشياء التقليدية المقدسة اليهودية المرتبطة بمعبد أورشليم ؛ قام يربعام بتزويد كل منهما بعجل ذهبي وخص فريقاً من الكهنة لخدمة كلا المزارين لأداء الطقوس الدينية. ولم يكن ذلك بالأمر الجديد كما لم يكن يعني أن يهوه لم يعد رباً للإسرائيل، ذلك لأنها اعتادت تجسيد يهوه في شكل عجل (۱) ملك ۱۲ : ۲۸ - (۳۲) . والسبب الذي دفع بالملك إلى هذا الاختيار خوفه من ردة الأسباط الشمالية بعد زيادة المعبد المركزي في أورشليم ورجوعهم إلى رحبعام. وربما يمثل العجلان الذهبيان استمراراً لعبادة الأصنام التي تعود إلى الديانة الكنعانية، ولم يكن ذلك جديداً في إسرائيل، وربما كان تقليداً للآراميين المجاورين الذين كانوا يُسَرُّون من تمثيل بعل هدد في شكل عجل أو ثور (1) . ويبدو أن يربعام الأول بعد الانشقاق) أساء في الحكم، إذ أنه أدخل طقوس الوثنية الكنعانية في صميم عبادة الله، وكان ذلك على ما يبدو، بسبب تطلعه سياسياً إلى إرضاء أمراء الكنعانيين الذين كان سليمان قد أذلهم في البلاد (1) ملك :۲۰ - (۲۱) ، وإلى اجتذابهم لدين الله، والإسراع بهذه الطريقة في إدماجهم في بني إسرائيل. وقد أصبحت أخطاء يربعام هذه سياسة تقليدية لكل ملوك إفرايم (إسرائيل) الذين جاءوا من بعده (۱) [۱] ملك ٣٠:٥، ٢:١٦، ٢٦ ، ٣١] ، [١ - ١٤ : ٢٤۱ ، ۲:۱۳إن قصة العجول الذهبية كما جاء في سفر الملوك تبرهن بوضوح على أن العجول لم تكن تمثل آلهة أخرى، كما أن القصة لم تربط بينها وبين أي عقيدة أجنبية، ومن ثم فإنها لا بد أنها كانت تنتمي إلى عبادة يهوه نفسه. ومن المرجح أن العجول لم تكن نماذج مجسدة لآلهة إسرائيل، فمن الواضح أنه للدوافع السياسية التي أسلفناها، قام يربعام ببناء معابد في مملكة إسرائيل على غرار معبد أورشليم ولذلك كان في حاجة إلى رمز يحل محل تابوت العهد الجنوبي، فأقام كما أسلفنا العجلين الذهبيين اللذين كانا على الأرجح من النوع المجنح، ويمكن اعتبار ذلك بمثابة تطوير أو نموذج آخر للكروب . ويؤكد مؤرخو سفر الملوك أن يربعام قد عين كهنة من غير اللاويين، ومن هنا تأتي الرابطة بين عجول يربعام وعجل الصحراء الذي كان قد صنعه قوم هارون أبي النظام الكهنوتي الإسرائيلي، والأرجح أن عجول يربعام كانت قد صممت بواسطة كهنة هارونيين، كان بعضهم يخدم في المعابر المحلية الكبيرة في الشمال ومما لا شك فيه أن قصة عجل الصحراء قد رويت في التراث الشمالي بطريقة مختلفة تماماً عن الطريقة التي رويت بها في التراث الجنوبي . ومن الجلي أن النبيين إلياهو واليشع لم ينبذا العجول، وبالتالي لم يطالبا الشعب بأداء الطقوس في هيكل أورشليم، ومما يثير اهتمامنا أن كثيراً من المؤرخين قد تصدوا لقصة عجول يربعام بشيء من المبالغة، ومنهم المؤرخ اليهودي جريتز حيث أشار إلى أن يربعام ربما عبد عجل أبيس» أثناء إقامته مع اليهود في مصر وحتى نهاية عصر سليمان، تحتاسم عجل «عبير» وقد نقل عبادة عجل أبيس إلى مملكة إسرائيل في الشمال بعد عودته من مصر في أعقاب موت سليمان وانقسام مملكة بني إسرائيل من بعده . ويرى جريتز أن عجول يربعام كانت تمثل يهوه وليست كقاعدة يتجلى فوقها . بينما يرى العالم نافيل الذي اكتشف معبد دير البحري في مصر ـ أن يربعام ربما قد قبل أثناء إقامته في مصر عبادة هاتور البقرة المقدسة سيد السماء والأرض ونقلها إلى إسرائيل، وهي تشبه في صفاتها عجل أبيس . ولكن أولبريت يرى أن يربعام قد مثل يهوه في صورة غير مرئية متجلياً فوق العجل الذهبي، في حين يرى هيلمر أنه قد أسيء فهم أعمال يربعام حتى أن البعض ذهبوا في قولهم أن يربعام بزواجه من أميرة مصرية، قد تأثر بالمفاهيم الدينية لمصر وهي البلد التي قضى فيه فترة طويلة، ثم نقل معه هذه العبادة إلى إسرائيل بعد أن أصبح ملكاً. وهذا التفسير لا يمكن قبوله بسهولة، على الرغم من أن عبادة العجل كانت شائعة بين الأمم الشرقية في هذه الفترة (1) . أما قصة عجل الصحراء وعجول يربعام في بيت إيل ودان التي يقال أنها صممت بواسطة كهنة هارونيين، فإنها تدعونا إلى وقفة مع قصة كفر بني إسرائيل في طور سيناء وموسى على قمته كما أوردناها في قصة موسى. فالتوراة تدين هارون وتعلن مسؤوليته عن تلك الردة؛ في حين أن القرآن الكريم يشير بأصبع الاتهام إلى شخص آخر ويجعل منه داعية إلى الضلال، وهو السامري. وهكذا تأتي تبرئة هارون من مسؤولية صنع العجل الذهبي وكفر بني إسرائيل طبقاً لنص القرآن الكريم بلغته القاطعة. هارون . وعلى كل حال فإننا لا نستطيع الجزم برأي قاطع في هذا الإجراء الذي ينسب إلى يربعام، نظراً لأن قلة ما لدينا من الشواهد قد لا تسمح لنا بإصدار حكم في ضوئها، لأن الرواية التي وصلتنا تلونت وشوهت نتيجة كراهية مملكة يهوذا لير بعام، ومع ذلك فلعل يربعام يكون قد قصد من وراء أعماله تلك تأسيس مملكة تقوم على نفس الشعائر والمعتقدات الدينية التي قام عليها التحالف القديم بين الأسباط أيام صمويل والتي ضَعُفَتْ معالمها أيام حكم داود وسليمان. ثم إن يربعام بقيامه بتحصين بعض المدن مثل شكيم وفينوئيل وبيت إيل، إنما أعاد إلى ذاكرة معاصريه أسماء تلك الأماكن المقدسة التي اقترنت باسم يعقوب الذي كان أول من قدسها من اليهود (۱) . إذن فليس هناك فارق بين العجول في معبدي دان وبيت إيل والكروبين من هيكل أورشليم، وينبغي ألا تضللنا الروايات اليهودية التي تحاول أن تعطى الانطباع بأن الكروبين تنطوي على أفكار دينية أكثر نقاء من العجول. وهكذا كانت الوثنية منتشرة في الجنوب وفي الشمال بعد موت سليمان تحت مسميات مختلفة، وكلتا المملكتين تدعيان أحقية معابدها بالقداسة وتحيطانها بهالة من الاحترام والقدسية ويتهمان بعضهما بالكفر والخروج على الشريعة الموسوية .