المقدمة تُعرّف الخدمة الاجتماعية كمنهج اجتماعي مُنظم لمساعدة الأفراد على الوقاية من المشكلات الاجتماعية، وعلاجها، والقيام بوظائفهم الاجتماعية بأفضل شكل ممكن. هي نسق اجتماعي، ومهنة إنسانية، وتقنية، وفن في الممارسة. تُمثّل الخدمة الاجتماعية محور الاهتمام في أنظمة الرعاية الاجتماعية، حيث يقوم الأخصائيون الاجتماعيون بتقديم الخدمات المتخصصة. لفهم الخدمة الاجتماعية، يجب دراسة مجالات عمل الأخصائي الاجتماعي، وخلفية عمله، وطبيعة ممارسته، والمنظمات التي يعمل بها، وإعداده المهني. أولًا: ماهية الخدمة الاجتماعية: تعددت تعريفات الخدمة الاجتماعية عبر أكثر من 100 عام. فقد عُرفت كمهنة تجمع أشخاصًا مدربين يقدمون خدمات الرعاية الاجتماعية، وكخدمة اجتماعية تُقدم عبر برامج ضمن سياسات اجتماعية. لكن هذه التعريفات لا توضح طبيعة عمل الأخصائيين الاجتماعيين بشكل كافٍ. تضمنت التعريفات الأخرى تقديم مساعدات مالية أو استشارات، وفهم الفرد في المجتمع لتقديم خدمات اجتماعية، و تقديم خدمات مباشرة وغير مباشرة لتحسين نوعية الحياة والوقاية من المشكلات (ماري وارتز). كما قدم علماء عرب تعريفات، كتعريف أحمد كمال الذي يراها طريقة علمية لخدمة الإنسان وحل مشاكله، وتعريف عبد الفتاح عثمان الذي يصفها بخدمة فنية تستهدف مساعدة الناس لتحقيق علاقات إيجابية. قدم الدكتور سيد أبو بكر حسنين تعريفًا إجرائيًا شاملًا يحدد معالم الخدمة الاجتماعية: مهنة لها قاعدة علمية وطرق مهنية (خدمة فردية، جماعية، تنظيم مجتمع، إدارة مؤسسات، بحث)، فلسفة، قيم، معايير أخلاقية، وجماعة متخصصة؛ تهدف لإحداث تغييرات مرغوبة في الأفراد والمجتمعات لتحقيق تكيف متبادل بينهما؛ تعمل في مجالات متعددة (مدرسة، طبي، أحداث، كبار سن، عمل، ريفي، شباب)؛ يمارسها أخصائيون اجتماعيون ومتطوعون؛ تُمارس عبر مؤسسات متخصصة (أولية وثانوية)؛ تعتمد على الديمقراطية؛ تتعاون مع مهن أخرى؛ تُقوّم باستثمار الموارد المتاحة؛ تتوافق فلسفتها مع أيديولوجية المجتمع. تضمنت تعريفات أخرى من قبل ماكس سبيورن، وروبرت باركر، وبرندا دبوس، وكارلا ميلي، وروبرت كروش، تركيزًا على الوقاية من المشكلات، والعلاج، وتوفير الموارد، وتحسين الأوضاع الإنسانية. اختلفت الآراء حول طبيعة الخدمة الاجتماعية (علم، مهنة، فن، نظام اجتماعي). عرّفها المؤتمر الدولي عام 1928 بجهود لتحقيق أهداف: تخفيف الآلام، نقل الأفراد من البؤس لحالة معيشية ملائمة، منع وقوع الأمراض الاجتماعية، ورفع مستوى المعيشة. كما عُرفت في كتاب أمريكي عام 1954، وبوصفها مهنة ل مساعدة الأفراد على أداء وظائفهم الاجتماعية (ورنريام)، وطريقة علمية لخدمة الإنسان (هيلين وتمر)، ومهنة متخصصة في تيسير وتنمية العلاقات الاجتماعية (الجمعية الوطنية الأمريكية). عرّفها والتر فريد لاندر كخدمة مهنية تقوم على الحقائق العلمية والمهارة في العلاقات الإنسانية، وعبد المنعم شوقي بنظام اجتماعي مرن، والفاروق يونس كمهنة إنسانية تعمل على تهيئة أسباب التغيير لتحقيق الرفاهية الاجتماعية. استنتاجًا، الخدمة الاجتماعية مهنة متخصصة، إنسانية، علمية، ومهارية؛ يمارسها أخصائيون اجتماعيون مدربون؛ خدماتها علاجية وتنموية؛ تُمارس عبر مؤسسات خاصة؛ تتعاون مع أنظمة اجتماعية أخرى، وترتبط بأيديولوجية المجتمع؛ تستند على قيم أخلاقية تؤكد كرامة الإنسان؛ تعمل على المواءمة بين صالح الفرد والمجتمع؛ لها طرق أساسية (خدمة فردية، جماعية، تنظيم مجتمع) ودوافع حضارية، اقتصادية، إنسانية، سياسية، وأخلاقية. ثانيًا: نشأة وتطور مهنة الخدمة الاجتماعية: نشأت الخدمة الاجتماعية في الولايات المتحدة الأمريكية، ومرت بمراحل: أ- نشأة وتطور الخدمة الاجتماعية في الولايات المتحدة الأمريكية: ارتبط ظهورها بظهور مؤسسات الرعاية الاجتماعية في القرن التاسع عشر. ويمكن تقسيم تطورها إلى أربع مراحل: * المرحلة الأولى (قبل 1915): انتقال الخدمة من التطوع للممارسة الوظيفية، وتأسيس مدارس للتدريب على المهنة. * المرحلة الثانية (1915-1950): ظهور الخدمة الاجتماعية كمهنة، وتساؤل ابراهام فلكسنر حول كونها مهنة، وقيام الجامعات ببرامج تدريبية، وتحول تقديم الخدمات من فلسفة دينية لعمليات مهنية متعددة الأهداف (خدمة الفرد، الجماعة، تنظيم المجتمع)، وظهور قانون الضمان الاجتماعي عام 1937، وتكوين اتحادات أمريكية للأخصائيين الاجتماعيين، وتحول أهداف الخدمة من الإصلاح للعلاج، والاهتمام بالسياسة الاجتماعية والتخطيط الاجتماعي. * المرحلة الثالثة (1950-1970): تعزيز مكاسب المهنة، وتكوين الجمعية الوطنية الأمريكية للأخصائيين الاجتماعيين (AASW)، وتحسين إدارة الخدمات، وتطوير البحث، وتحسين الممارسة، والتعليم، واختيار المهنيين، وتحسين الظروف الاجتماعية، وتطوير مبادئ أخلاقية للمهنة. وضح أرنست جرينوود سمات ومعايير المهنة (قاعدة نظرية، سلطة مهنية، اعتراف مجتمعي، قانون أخلاقي، ثقافة مهنية). * المرحلة الرابعة (1970 حتى الآن): المرحلة المعاصرة.