بائعة الزيتون كان السيد مصطفى متوجّهاً إلى مكتبه حين جاءه اتّصالٌ على هاتفه، سيّدي أعتذر على إزعاجك. صاحبة الدكان المجاور خرجت أخيراً عن صمتها وهي تصيح الآن على باب الدكّان بشكلٍ جنوني، أشار مصطفى للسائق بيده، فعلم أنّه يريد أن يتوجّه إلى متجره الجديد، وكان يختار لهذه المتاجر أرقى الأحياء بحثاً عن الزبون الثري، لكنّ بعض مستشاريه أشار عليه بأن يتوجّه إلى إحدى المناطق الشعبيّة لعل فيها من يرغب في التسوّق بمثل هذه المحلّات، وكان أن وقع الاختيار على مكانٍ مناسب، لا يعيبه إلاّ دكّانٌ صغيرٌ على طرفه، ومداخله ومخارجه ذات الطابع الحديث، وكان صاحب العقار يقول أنّه قطع وعداً لوالدها أن لا يخرجها من الدكّان ما دامت تدفع الإيجار. لعلّ الفتاة أدركت أن لا فرصة لها بالبقاء أمام هذا المتجر الحديث، هكذا حدّثته نفسه وهو ينزل من باب السيارة، وينظر إلى العمّال يدخلون ويخرجون وهم يحملون البضائع، تقدم لها ونظر من خلف نظارته الشمسيّة، قال بهدوء تكلّمي معي فأنا مالك المتجر. ألا تفهم؟ سنزيل القمامة من باب دكانك لكن المشكلة بالقمامة التي في الداخل… أدار ظهره ودخل متجره ورحل معه كثيرٌ ممّن كان يقف في المكان، دخل مصطفى من الباب بهدوء، تقدّم إليها ولم تحسّ به إلاّ وقد صار أمامها، أول ما وقع نظره عليه كان طبقاً من ورق العنب بالزيت، قال: بكم تبيعين هذا؟ قالت: هذا ليس للبيع رمقها بعينه معاتباً ولسان حاله يقول: لا ينبغي أن تعامليني بهذه الطريقة وأنت في عمر ابنتي، ثمّ أحضرت قليلاً من الزيت فوضعته أمامه، كان انهماكه بالعمل قد أنساه أن يأكل، وحتماً أنساه أن يرسل طعاماً لسائقه الذي انتظره طول اليوم كما كان يفعل في الماضي فرغ الرجل من الطعام، قال "الحمد لله" ثمّ نظر إلى الفتاة وقال: لم لا تبيعينني هذه الدكان. وأوصاني بهم قائلاً: قدرك يا ابنتي أن تحملي همّ الرجال، ولو كنت أملك أن أبقى معك لبقيت، لكنّي راحلٌ وأنت مع همومي باقية، فرغت الفتاة من كلامها وصمتت، لم ينطق السيد بعد ذلك بكلمة، بدأت تقلب صفحات الكتاب الذي بين يديها وهي تتظاهر بقراءته. وهي لا تعلم ما يبكيه، تناول الرجل المنديل ومسح دموعه التي انسكبت بغزارة مع صوته المجهش ببكاءٍ يقطّع نياط القلوب، والغريب. في عالمٍ لا يأبه للضعفاء ولا يلقي لهم بالاً، لا بدّ أنّه تذكّر كلماته القاسية لها في هذا الصباح، توجّه للفتاة وتناول محفظته، يترفّع عن قبول هذه الصدقات التي لو كان يريدها لما استساغ مرارة العمل، أخذت النقود وسرعان ما امتدّت يدها النحيلة داخل كأسٍ أمامها فأخرجت منه نصف دينار، تناوله بيده وأحس ببقايا الزيت قبل أن يضعه في جيبه، تقدّمت إلى ذلك المكان،