منذ رحيل نظام الرئيس السوري السابق، تصاعدت الاشتباكات العسكرية في شمال وشمال شرقي سوريا بين قوات سوريا الديمقراطية "قسد" التي تُعد وحدات حماية الشعب الكردية أكبر مكوناتها، وبين تركيا وفصائل سورية عسكرية موالية لها. تعزيز وجودها في الشمال السوري، مدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية، وقد أسست في عام 2015 قوات "قسد" لتصبح الشريك المحلي لقوات التحالف الدولي المناهض لتنظيم داعش، لكن لم تعترف تركيا بهذه القوات الكردية، واعتبرتها امتداداً لحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه كمنظمة إرهابية، ونفذت ضدها ثلاث عمليات عسكرية في شمالي سوريا ما بين عامي 2016 و2019. وقد أعادت الاشتباكات الحالية بين المقاتلين الأكراد والفصائل الموالية لأنقرة في شمال وشمال شرقي سوريا، والتي أدت إلى سيطرة هذه الفصائل على مدينتي تل رفعت ومنبج؛ إلى الواجهة احتمالية شن تركيا عملية عسكرية جديدة ضد الأكراد لإبعادهم عن حدودها الجنوبية، خاصةً مع تواصل القتال حول عين العرب "كوباني" والرقة واستمرار الاستهدافات في الحسكة. بيد أن شن مثل هذه العملية قد يتطلب من أنقرة الحصول على موافقة القوى الدولية الموجودة في سوريا، محفزات الصدام: في ظل الوجود الكردي المُسلح في شمال وشمال شرقي سوريا، تتعدد العوامل التي قد تدفع باتجاه تفاقم الصدام العسكري التركي الكردي، بأهمية استراتيجية، فهي تُعد "خزان النفط والغاز" في البلاد، بما فيها حقلا السويدية ورميلان في محافظة الحسكة، وبعد رحيل هذا النظام، تصاعدت المواجهات العسكرية بين فصائل عملية "فجر الحرية"، وإنهاء وجود "قسد" قرب حدود تركيا الجنوبية؛ ومن ثم فإن استمرار التدخلات العسكرية التركية في المستقبل، بعد رحيل نظام الأسد، يمكن أن يكون جزءاً من استراتيجية أنقرة لإعادة تشكيل مناطق النفوذ في الشمال السوري، أهداف أنقرة: سواء بتأثير العوامل الداخلية أم الخارجية، والتي ترى في وجود كيان كردي على حدودها الجنوبية تهديداً مباشراً لوحدة أراضيها. في 25 ديسمبر الماضي، إذا لم يتركوا أسلحتهم"، سبق أن أكد وزير الخارجية التركي، في مقابلة تلفزيونية، أن بلاده "تريد سوريا خالية من الإرهاب"، وأن هدفها الاستراتيجي هو إنهاء "وحدات حماية الشعب" التي وضع أمامها خيارين: إما أن تحل نفسها أو أن يتم القضاء عليها. وفي اتصال هاتفي مع نظيره الأمريكي أنتوني بلينكن، يوم 28 ديسمبر الماضي، وترى أنقرة أن وجود كيان كردي قوي في سوريا قد يُقلل من نفوذها الإقليمي، لذا، فإن الصدام مع الأكراد قد يكون جزءاً من استراتيجية تركيا، 3- كسب التأييد الداخلي: إن مسألة الصدام مع الأكراد ليست فقط قضية خارجية بالنسبة لتركيا؛ وفي ضوء التوترات المتزايدة مع حزب العمال الكردستاني (المُصنف إرهابياً لدى أنقرة)، ربما ترى الحكومة التركية في الصدام مع أكراد سوريا، موقف "قسد": أبرزها تركيا التي ترى فيها تهديداً مباشراً لأمنها القومي، ويمكن الإشارة إلى أهم هذه التحديات فيما يلي: حيث يُمكن لأنقرة تنفيذ مزيد من العمليات العسكرية لتعزيز نفوذها وإضعاف الوجود الكردي على حدودها الجنوبية. للحد من دعمها العسكري والسياسي لـ"قسد". ومن المُتوقع أيضاً أن تحاول تركيا فرض ترتيبات سياسية في سوريا الجديدة، تتضمن تهميش "قسد" وإضعافها. وقد تتعرض هذه القوات الكردية للضغوط لقبول تسويات سياسية، تفرض عليها التنازل عن مكاسبها التي حققتها خلال السنوات الماضية في شمال وشمال شرقي سوريا. تحظى الحكومة الانتقالية في سوريا بدعم قوي من تركيا؛ حيث تعمل الفصائل السورية المدعومة من أنقرة على استعادة السيطرة على مناطق تخضع حالياً لسيطرة "قسد"، وهو ما تشير إليه المواجهات المستمرة بين هذه الفصائل و"قسد". 2- خيارات متاحة: في ظل هذه التحديات والأوضاع الجديدة لتوازن القوى حالياً في سوريا، وخاصةً بالنسبة لتزايد النفوذ التركي؛ وهي تتمثل في الآتي: ومن ثم يمكن للأخيرة العمل على تعزيز علاقاتها مع واشنطن والدول الغربية الأخرى، وقد يوفر استمرار هذا الدعم الأمريكي لـ"قسد" ضمانة لبقائها كقوة مؤثرة في المشهد السوري. ب- بناء تحالفات داخلية: يمكن لـ"قسد" التوجه نحو بناء تحالفات مع فصائل محلية سورية أخرى، تعارض التدخل التركي، أو تسعى لتحقيق الاستقلال عن التأثيرات الخارجية. على أمل التوصل إلى تسوية سياسية، التقى الشرع، مفادها أن القوات الكردية ينبغي أن تنضوي تحت لواء الجيش السوري الموحد، مرهف أبو قصرة، في 17 ديسمبر الماضي، أن سيطرة السلطة الانتقالية ستشمل مناطق القوات الكردية في شمال شرقي سوريا. ومن جانبه، أكد قائد "قسد"، استعداده للاندماج في الجيش السوري الجديد بعد الاتفاق على "صيغة مناسبة عبر التفاوض"،