الدرس الرابع : الفرضية العلمية بين الطرح النظري و الإمبريقي لا يمكن للبحث العلمي أن يتم من دون وجود فرضيات ، فقد أشرنا سابقا أن عملية البحث تنطلق من وجود مشكلة يتم بلورتها في سؤال عام ، هذا السؤال العام يتم تدقيقه وتخصيصه مع الإشكالية ، و بالرغم من أهمية هذه المراحل إلى غاية الإشكالية من وجهة نظر خطوات البحث العلمي من الناحية الإجرائية لكنها تبقى على مستوى المساءلة أو على مستوى عرض المشكلة ، و إن تم تدقيقها و تخصيصها و إعطاءها نوع من الحصانة ضد الأفكار الشائعة العامية و إقحامها في تناول نظري مفاهيمي ، لذلك وجب على الباحث إيجاد الأسباب وراء حدوث الظواهر عن طريق وجود الفرضية كإطار أولي اقتراحي لتفسير الظاهرة. إذن فما هو مدلول الفرضية و ما هو دورها و أهميتها في منهجية البحث الاجتماعي؟ أولا ـــــ تعريف الفرضية : الفرضية عبارة عن توقعات الباحث لحل مشكلة البحث ، و لا يصوغ الباحث هذه الفرضية بشكل عشوائي ، و أنما في ضوء مهاراته العلمية و قراءاته و اطلاعا ته على الدراسات السابقة و خبراته العلمية في المجال المراد بحثه. و الفرض " لا يزيد عن كونه جملة لا هي صادقة و لا هي كاذبة ، و هي بمثابة العقد الذي يعقده مع نفسه للوصول إلى نتيجة مؤكدة لقبول الفرض أو رفضه ، و لابد للفرض أن يحتوي على علاقة بين متغيرين أو أكثر"(1) و هي عبارة 1 ـــــ أحمد جمال ظاهر ، ص. ص66-88. عن تصريح يوضح في جملة أو أكثر ، تصريح يتنبؤ بعلاقة بين عنصرين أو أكثر و يتضمن تحقيق إمبريقي"(1) و بذلك تعتبر تفسيرات مقترحة للعلاقة بين متغيرين أحدهما المتغير المستقل و هو السبب و الآخر المتغير التابع و هو النتيجة. ثانيا ـــــ دور الفرضية و أهميتها في البحث العلمي : يتمثل دور الفرضية في اكتشاف الأسباب الكامنة وراء حدوث الظواهر و هذا الذي يجعل البحث يأخذ وجهة علمية بمعنى أنه بمجرد أن يقوم الباحث بعملية البحث العلمي ، هذا معناه أنه سينتقل من المجرد إلى المحسوس، و من النظري إلى الإمبريقي ، و من المفاهيم إلى التعريفات الإجرائية ، و كل ذلك سيكون من خلال عملية الافتراض ، للتأكد من صحة ما سيصل إليه من نتائج. ثالثا ــــــ شروط صياغة الفرضيات : هناك عدة شروط لصياغة فرضية سليمة ، تتوقف عليها نتائج البحث و موضوعيتها ، حددها بعض الأساتذة على النحو التالي : ـــ أن يتوقع الباحث أن تعطي فروضه حلا فعليا للمشكلة التي يدرسها . ـــ الوضوح و الإيجاز : بمعنى أن تكون العبارات التي تصاغ فيها الفروض واضحة ومختصرة ، ـــ القابلية للاختبار بمعنى ألا تكون ذات عمومية بطريقة يستحيل التحقق منها. 1 ـــــ موريس أنجرس ، 2004 ، ص. 150. ـــ أن تكون صياغة الفروض خالية من التناقض ، و ألا تتناول العقائد ، فالعقائد لا تخضع للتحقق. 1) رابعا ـــــــ مكونات الفرضية : إن بنية الفرضية تتضمن عدة متغيرات يعتقد الباحث بإسهامها في إحداث الظاهرة أو المشكلة الاجتماعية ، وهذه المتغيرات هي : أ ــــ المتغير المستقل :أي العامل الذي يسبب الظاهرة . ج ــــ المتغيرات المتداخلة : أي العوامل الموجودة بين المتغير المستقل والمعتمد (2) . معناه أن الأول (المتغير المستقل) وهو السبب الذي يؤثر في الظاهرة محل الدراسة بينما الثاني (المعتمد) هو الظاهرة محل الدراسة أو النتيجة أو المتغير التابع ، بينما الثالث المتغيرات المتداخلة (الدخيلة ) أو المتغير الرائز في أغلب الأحيان هي التي تتوسط التأثير في دورها الأول والثاني . 1 ـــــ أحمد إبراهيم خضر ، فروض البحث : ماهيتها و أنواعها و شروطها و مصادرها ، على الساعة 17. 47. ط02 ، الجزائر، 2012 ، ص: 107 . خامسا ــــ أنواع الفروض و كيفية صياغتها: 1 ـــــ أنواع الفروض: تتحدد هذه الأخيرة حسب المتغيرات المدروسة وهناك أنواع للفروض تتحدد حسب معيار آخر كمعيار التخصص مثلا. ‌أ-الفرضية أحادية المتغيرات: وهي الفرضية التي تركز على ظاهرة واحدة بهدف التنبؤ بتطورها ومداها مثل: الفقر يزداد في العالم منذ عشر سنوات . ليس على الباحث سوى حصر كلمة الفقر وتقييمها. إنّه الشكل المتعود عليه بالنسبة إلى الفرضية العلمية التي تهدف إلى تفسير الظواهر مثل : التحصيل الدراسي في المدارس الثانوية يتأثر بشكل كبير بالتدريس الخصوصي خارج المدرسة ، ت-الفرضية متعددة المتغيرات : تجزم الفرضية متعددة المتغيرات بوجود علاقة بين ظواهر متعددة قد يصرّح مثلا أنّ النساء اللواتي لهن نسبة خصوبة أكثر انخفاضا ، هن الأكثر تعليما والأكثر مكافأة والأكثر تمدنا(1). وكباحثين في حقل العلوم الاجتماعية فإنّ الفرضية الأكثر شيوعا والتي يتم الاعتماد عليها هي النوع الثاني: ثنائية المتغيرات ذلك أن الهدف من دراسة الظواهر في مثل هذه الحالات هي العملية التفسيرية من خلال سرد أسبابها . منهجية العلوم الاجتماعية والبحث الاجتماعي ، دار الكتاب الحديث ، ط01 ، القاهرة ، 2012، ص38. ب ــــــ فرضا صفريا : الذي يعني العلاقة السلبية بين المتغير المستقل و المتغير التابع ، مثال : لا توجد علاقة بين التدريس الخصوصي و التحصيل الدراسي. فمهمة الفرضية و دورها الأساسي هو ضمان الانتقال من النظري المفاهيمي التجريدي إلى العملي الملموس الذي يسمح بعملية التحقق عن طريق العمل الامبريقي . ب ــــ الصياغة اللغوية : لا يجب أن تحتوي الفرضية على كلمة إن في بداية الجملة لأنه يعطيها نوع من التوكيد القائم على نوع من الحكم المسبق ، مثل : إنّ الرأسمال الثقافي يؤثر في التحصيل الدراسي للأبناء. كذلك لا تحتوي جملة الفرضية على كلمة قد حيث أنها قد تثير نوع من الشكوك حول إمكانية أو قدرة المتغير المستقر في تفسير مشكلة البحث. المحور الثالث : المفاهيم ، المتغيرات و المؤشرات الدرس الرابع : المفاهيم ، المتغيرات و المؤشرات و تتم عملية تحديد المفاهيم بطريقتين ، تتعلق الأولى منها بدراسة كل المفاهيم القديمة و الجديدة حول الموضوع من أجل استخلاص التعريف الإجرائي أو تحديد المفهوم الإجرائي انطلاقا من الميدان بفضل الدراسات الاستطلاعية و المقابلات الاستكشافية ، و تعتبر هذه العملية ضرورية لتحديد المفاهيم يقوم عليها التحليل فيما بعد. أولا ــــ تعريف المفهوم : فكل ما يستعمله " عالم الاجتماع من مفاهيم و تصورات محددة " كالطبقة الاجتماعية " ، و غير ذلك ، فهي بنية ذهنية تشمل المميزات الثابتة لهذه الحقيقة "(3) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 ــــ موريس انجرس ، منهجية البحث العلمي في العلوم الإنسانية ، ص.158. دار المعرفة الجامعية، الأزاريطة ، 2003، ص.23. 3-Benoit Goiter, Recherche sociale de la problématique à la collecte de données, édition-Canada, 1984, p.68. ــــــ أن يكون الباحث ملم بقدر الإمكان بكل المعاني المرتبطة بالمفهوم. ـــــ محاولة تقديم تعريف أولي. ــــــ يجب الاعتماد على التعاريف القديمة و الحديثة للمصطلح (المفهوم). ــــــ محاولة الوصول إلى لب المعنى الذي يشير إليه معظم هذه التعاريف. ــــــ يجب أن تعطى هذه المحاولة جميع المجالات و الأبعاد التي لها علاقة بأهداف الدراسة. ــــــ تحديد تعريف إجرائي للدراسة ، فتحديد المفهوم " يسمح لباحث و يساعده على طرح أسئلة حول الظاهرة محل الدراسة، حيث تتكون من المؤشرات الإمبريقية التي أفرزها التحديد الإجرائي للمفهومات سؤلا أو عدة أسئلة أو استمارة استبيان أو دليل للمقابلة أو أية أداة أخرى من أدوات البحث ، حيث ينبغي أن يتحول المصطلح إلى مفهوم كمي يمكن قياسه بالأرقام، لذلك لابد أن ترتبط بالمفهوم أبعاد و مؤشرات ذات صبغة كمية في المعالجة والتحديد. إذا كانت الفكرة تعبر عن معرفة أولية عن الشيء ، ويشكل المصدر الأساسي لمختلف الملاحظات البحثية فيما بعد ، حيث يتم في البداية إعطاء ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 ــــــ علي عبد الرزاق جبلي و آخرون، مرجع سابق ، ص. 28. تعريف مؤقت للمفهوم ، و هو عبارة عن وضع مكان التصور الأول تصور واضح إلى حد ما، يتم التدقيق فيه تدريجيا مع بناء الموضوع. ـــــــ يتميز الأساتذة الجامعيون بالإنتاج الفكري و التجربة البيداغوجية (فكرة) فمن خلال الطريقة الأولى يذهب الباحث إلى الميدان لملاحظة الظاهرة المعالجة ما هي؟ أما الطريقة الابستمولوجية فيقوم الباحث من خلالها بأخذ عدة تعاريف ثم يستخلص العناصر المشتركة في التعاريف مع مراعاة الواقع. ثالثا ـــــ كيفية صياغة المفاهيم يمكن للباحث في علم الاجتماع أن يلجأ إلى ذلك الإجراء العملي الذي وضعه " بول لازار سفيلد " (1901-1976) و الذي يساعد عمليا على الانتقال من المفهوم التجريدي النظري إلى المفهوم العملي الملموس ، و يتكون هذا الإجراء من ثلاثة خطوات أساسية وهي(1): 1 ــــ تصور المفهوم و تمثله في صورة ذهنية : و نعني بذلك أن المفهوم يدرك و يتم ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1-Boudon Raymond, Les méthodes en sociologie, Collectio "Que Sais-je?" n°1334, 1980, p.48-52. استيعابه ذهنيا ، فعلى سبيل المثال ، مفهوم الاندماج الاجتماعي ، هو مفهوم ذهني مجرد ، فمثلا يمكن أن نحدد لمفهوم التغير الاجتماعي الأبعاد الآتية : سياسي، اقتصادي، اجتماعي. 3 ــــــ مؤشرات بعد المفهوم : إن المؤشر " هو التجلي الملاحظ في الواقع لبعد المفهوم ، يسمح من الانتقال من المجرد على الواقع الملموس و هذا ما يسمح في الشروع في التحقق من الفرضية"(2)، فهنا يبرز دور المؤشر خاصة في مرحلة استعمال تقنيات جمع البيانات ــــ خاصة الاستمارة والمقابلة ـــ من أجل التحقق من الفرضيات ، و بهذا يكون ترجمة خطاب و لغة مجردة على لغة ملموسة تعكس ظواهر يمكن ملاحظتها في الواقع و نتحقق بفضلها من الفرضيات. و في الأخير يبدو جليا أن تحديد المفاهيم يكتسي أهمية كبرى في البحث الاجتماعي، و يظهر ذلك جليا على مستوى تحديد مشكلة البحث أو ضبط الفروض المفسرة لها أو من خلال المؤشرات ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 2 ـــ سعيد سبعون ، مرجع سابق ، ص. 18. الامبريقية ـــ كأدوات لقياس هذه المفهومات ـــــ حيث تعمل هذه الأخيرة على ربط التصورات أو المفهومات بعالم الواقع ، مما يزيد من قدرتها على التفسير، التنبؤ و الضبط، الأمر الذي يساعد الباحث على رسم و تحديد معالم دراسته الميدانية بكل عناصرها و أبعادها بدقة ووضوح. و للتوضيح أكثر نحاول إعطاء مثال عن إستخراج أبعاد و مؤشرات المفهوم للمؤلف سعيد سبعون. لتكن الفرضية الآتية : يتحدد التحصيل الدراسي للأبناء على أساس الرأسمال الثقافي للوالدين ، نقوم في بداية الأمر بتعيين المفاهيم المحتواة في هذه الفرضية و هما : التحصيل الدراسي ويمثل المتغير التابع و الرأسمال الثقافي للوالدين الذي يمثل المتغير المستقل . هذان المتغيران هما في علاقة و حتى نتمكن من اختبار هذه الفرضية علينا أن نترجم مفهوميها إلى مؤشرات واقعية ملموسة يمكن ملاحظتها. المفهوم البعد المؤشر التعليم المستوى التعليمي للوالدين شهادات الوالدين التكوين خارج المؤسسات التعليمية ثقافة عامة عادات القراءة للوالدين زيارة المتاحف نوع الموسيقى المستمع إليه رأسمال الثقافي للوالدين الانخراط في نواد ثقافية حضور عروض مسرحية لغة التحكم في اللغات الأجنبية استعمال لغة أجنبية في البيت مساعدة الأبناء عللا انجاز فروضهم محيط ثقافي وجود مكتبة في البيت توفر الأنترنت في البيت تسجيل الأبناء في المكتبات المسرح وجود أجهزة الإعلام الآلي الانتقال إلى السنة الموالية تقدير في كشوف النقاط(لوحةشرف، تشجيع، الدرس الخامس : الدراسات السابقة يشمل هذا الجزء استعراض الدراسات العلمية ذات الصلة بموضوع البحث التي تنشرها الدوريات العلمية المحكمة، والتي تتضمنها أعمال المؤتمرات المتخصصة، وغير ذلك الهدف من استعراض الدراسات السابقة هو توسيع مدارك الباحث، وزيادة حصيلته من المعرفة عن الموضوع، والتعرف على تجارب الآخرين والإلمام بجهودهم والاستفادة من النتائج التي توصلت إليها تلك الدراسات. ينبغي أن يورد الباحث البيانات الببليوجرافية عن تلك الدراسات كاملة، بحيث يمكن لمن يريد الاستزادة حول موضوع معين الرجوع لتلك الدراسات. أولا ـــــ تعريف الدراسات السابقة المقصود بالدراسات السابقة الدراسات و الرسائل و الأطروحات الجامعية في القطر الذي تعيش فيه ، و عليك أن تطلع عليها جيدا من خلال متابعتك لموضوع بحثك إن كان سبقك باحث فيه ، لذلك ينبغي بذل الجهد و الاطلاع على الدراسات السابقة ، من خلال الاطلاع المتواصل على مستخلصات الرسائل و الأطروحات تجنبا لموقف يصعب تصوره. إلا أن المرجح أن الدراسة بعد مضي عشر سنوات ، تكون قد استنفذت أهدافها و نتائجها ، و يمكن للباحث أن يقدم المسوغات التي دفعته لدراية الموضوع نفسه ، من خلال عنوان الدراسة و إطارها النظري، و أهدافها و منهجها و استنتاجاتها ، والباحث و هو يدرج الدراسات السابقة و عليه مناقشتها تفصيليا موضحا الاختلاف الجوهري. يستخدم الباحث أدوات متعددة ، و من تلك محركات البحث و الفهارس و الكشافات وغيرها للوصول إلى المادة العلمية المتعلقة بموضوع البحث ، فيتولى قراءتها قراءة متأنية فاحصة ، ويستخلص منها التجارب و المؤشرات التي يمكن أن تفيده فيقوم بربطها ببحثه. عادة ما يشمل هذا الجزء ملخصا بأهم النتائج التي توصلت إليها الدراسات السابقة، وأوجه التشابه والاختلاف بين بحثه والبحوث والدراسات الأخرى. يتم ترتيب الدراسات التي يقوم الباحث باستعراضها بعدة طرق منه : 1-حسب نوع الدراسات : دراسات إدارية،