غزوة بني قريظة وهو يغتسل في بيت أم سلمة، وما رجعت الآن إلا من طلب القوم، فانهض بمن معك إلى بني قريظة، فإني سائر أمامك أزلزل بهم حصونهم، فار جبريل في موكبه من الملائكة. وأمر رسول الله مؤذنا فأذن في الناس: من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا بيني قريظة، واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم، وقدمه إلى بني قريظة، فسار علي حتى إذا دنا من حصونهم، سمع منها مقالة قبيحة الرسول الله ﷺ وخرج رسول الله ﷺ في موكبه من المهاجرين والأنصار، حتى نزل على بشر من آبار قريظة، وتحركوا نحو قريظة، وأدركتهم العصر في الطريق، وقال بعضهم لم يرد منا ذلك، وإنما أراد سرعة الخروج فصلوها في الطريق، فلم يعنف واحدة من الطائفتين. وهم ثلاثة آلاف، فنازلوا حصون بني قريظة، وفرضوا عليهم الحصار. لقد تبين لكم أنه لنبي مرسل، وأنه الذي تجدونه في كتابكم ، حتى يظفروا بهم، لأنهم قد أمنوا أن يقاتلوهم فيه، فأبوا أن يجيبوه إلى واحدة من هذه الخصال الثلاث، وحينئذ قال سيدهم كعب بن أسد - في انزعاج وغضب : ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة واحدة من الدهر حازما. ولم يبق القريظة بعد رد هذه الخصال الثلاث، إلا أن ينزلوا على حكم رسول الله ، ولكنهم أرادوا أن يتصلوا ببعض حلقائهم من المسلمين، وقالوا. فمضى على وجهه، ولم يرجع إلى رسول الله ، حتى أتى الصير النبوي بالمدينة، فربط نفسه بسارية المسجد، وحلف ألا يحله إلا رسول الله ﷺ بيده، فلما بلغ رسول الله ﷺ خبره - وكان قد استبطأه، قال: «أما إنه لو جاني لاستغفرت له، فما أنا بالذي أطلقه من مكانه؛ حتى يتوب الله عليه». وبرغم ما أشار إليه أبو لبابة، ولأن المسلمين كانوا يقاسون البرد القارس والجوع الشديد وهم في العراء، مع شدة التعب الذي اعتراهم، لمواصلة الأعمال الحربية من قبل بداية معركة الأحزاب، إلا أن حرب قريظة كانت حرب أعصاب، فقد قذف الله في قلوبهم الرعب وأخذت معنوياتهم تنهار، وبلغ هذا الانهيار إلى نهايته أن تقدم علي بن أبي طالب، وصاح علي: يا كتيبة الإيمان والله لأذوقن ما ذاق حمزة، أو لأفتحن حصنهم. وحينئذ بادروا إلى النزول على حكم رسول الله ، وأمر رسول الله ﷺ باعتقال الرجال، وجعلت النساء والذراري بمعزل عن الرجال في ناحية، وقامت الأوس إلى رسول الله ، وهؤلاء موالينا، فأحسن فيهم، فقال: «ألا ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم ؟ قالوا : بلى. قال: فذاك إلى سعد بن معاذ»، الذي كان قد أصاب أكحله في معركة الأحزاب، فأركب حمارًا، أجمل في مواليك، قال: لقد آن لسعد ألا تأخذه في الله لومة لائم، فلما سمعوا ذلك منه، رجع بعضهم إلى المدينة فنعى إليهم القوم. فلما أنزلوه، قالوا: يا سعد، إن هؤلاء قد نزلوا على حكمك قال: وحكمي نافذ عليهم؟ قالوا: نعم. قال: وعلى المسلمين ؟ قالوا: نعم، وأشار إلى ناحية رسول الله ﷺ إجلالا له وتعظيما - قال: نعم، قال: فإني أحكم فيهم أن يقتل الرجال، وتقسم الأموال، وثلاثمائة درع، وخمسمائة ترس، وحجفة (١) ، وأمر رسول الله ﷺ فحبست بني قريظة في دار بنت الحارث - امرأة من بني النجار -، وحفرت لهم خنادق في سوق المدينة، ثم أمر بهم، فجعل يذهب بهم إلى الخنادق أرسالا أرسالا، والله القتل - وكانوا ما بين الستمائة إلى السبعمائة، الذين كانوا قد نقضوا الميثاق المؤكد، وعاونوا الأحزاب على إبادة المسلمين في أحرج ساعة كانوا يمرون بها في حياتهم، وكانوا قد صاروا بعملهم هذا من أكابر مجرمي الحروب، الذين يستحقون المحاكمة والإعدام. وقتل مع هؤلاء شيطان بني النضير، وأحد أكابر مجرمي معركة الأحزاب حيي بن أخطب والد صفية أم المؤمنين ، كان قد دخل مع بني قريظة في حصنهم حين رجعت عنهم قريش وغطفان، قال الرسول الله ﷺ : أما والله ما لمت نفسي في معاداتك، لا بأس بأمر الله، ثم جلس، وقتل من نسائهم امرأة واحدة، وترك من لم ينبت، فكان ممن لم ينبت عطية ظي، فترك حيا، واستوهب ثابت بن قيس، الزبير بن باطا وأهله وماله - وكانت للزبير يد عند ثابت -، فقال الزبير - بعد أن علم بمقتل قومه - : سألتك بيدي عندك يا ثابت، واستوهبت أم المنذر سلمى بنت قيس التجارية رفاعة بن سموأل القرظي، فوهبه لها، فاستحيته، وله صحبة. فرآه محمد بن سلمة قائد الحرس النبوي، فخلى سبيله حين عرفه، فلم يعلم أين ذهب. فأسهم للفارس ثلاثة أسهم؛ سهمان للفرس وسهم للفارس، فكانت عنده حتى توفي عنها وهي في ملكه، وماتت مرجعه من حجة الوداع، ولما ثم أمر قريظة، ليعوده من قريب، فلما تم أمر قريظة، انتقضت جراحته. قالت عائشة فانفجرت من لبته قلم يرعهم - وفي المسجد خيمة من بني غفار - إلا والدم يسيل إليهم، فقالوا: يا أهل الخيمة، ما هذا الذي يأتينا من قبلكم؟ ! فإذا سعد يغذو جرحه دما، فمات منها (۳). وفي الصحيحين عن جابر أن رسول الله ﷺ قال: اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذه (1). قال المنافقون: ما أخف جنازته، ۲۸۱ وهو خلاد بن سويد، ومات في الحصار أبو سنان بن مِحْصَن أخو عكاشة. فأقام مرتبطا بالجذع ست ليال، ثم نزلت توبته على رسول الله سحرًا، فقامت على باب حجرتها،