بظهور الإسلام انتشرت بين المؤمنين قيم جديدة تردّدت أصداؤها على ألسنة الأدباء. فالوعاظ في خطبهم والشعراء في قصائدهم الدين ويبشرون بتعاليمه مثلاً عليا تسدّد الخطى وتسعى الى خلاص النفوس. إنما ما يؤخذ على هذا العصر تفاوت أدبائه في دخول الأجواء الدينية الصافية؛ فالذين عاشوا في هذه الحقبة مخضرمون عرفوا عصرين متباينين، ومن الثاني قيما روحية واجتماعية جديدة. فبمقدار ما استطاع واحدهم أن يتخلى عن ذهنيته القديمة وأن يخلص للدين الجديد عقيدة ومسلكا، كان تمثيله لصدر الإسلام صادقاً وواضحا : الجدير ذكره أيضاً تفاوت قيم الجاهلية في ملاءمة روح العصر. فثمة عادات وأخلاق كانت شائعة مترسخة نقضها الدين الجديد وتبرأ منها من مثل التمسّك بالعصبيّة القبلية و وتمجيد القوة واقتناء العبيد وممارسة الغزو والسلب ووأد البنات؛ ولكنه بالمقابل تبنّى قيماً خيرة واستبقاها، وما الكلام على التسامح والوفاء والعفة والحلم والصبر ومساعدة المحتاجين إلا أمثلة تدرج في هذا السياق؛ انضمت الى مجموعة كبيرة من القيم البارزة عند الذين كانوا يؤمنون بالخالق وخلود النفس ويوم الحساب . فصدر الإسلام إذا عصر لم يقطع صلته بالماضي، مصححاً مسيره في نزعته القبلية وفي مثله المناقضة للدين الجديد. أما الأدب المعبر الصادق عن اهتمامات - أصحابه، فكان موقفه يختلف باختلاف . كان التزام مبادئ الإسلام - واضحاً وأكيداً ، فالخطب الدينية أملتها ) الأجواء الناشئة، والرسائل الإداريّة حتّمها . تنظيم الدولة وصاغها في قوانين وتعليمات مستحدثة ملائمة. ضمن هذا السياق يندرج كلام الخليفة عمر بن الخطاب في القضاء وخطبة الإمام علي في الوالي والرعية، وكلاهما يجسّد العدالة والحق كما فهمهما الإسلام، وكما تجليا في القرآن الكريم وفي خطب الرسول وأحاديثه. أما في الشعر فموقف الشعراء مختلف، لأنهم وإن تأثروا بالإسلام لم يخلصوا له كلياً، فقد ظل فريق منهم يعيش في أجوائه الخاصّة، غــيــر مـبـال بـالـتـيـار الـروحـي الـجـديـد، ولا بالأصوات الداعية الى اعتناقه ( الحطيئة ، أبو محجن الثقفي . ، إن لم نقل أن هناك من عارض الدين وتهجم على الداعين إليه (عبد الله بن الزبعرى، ولكن حتى الذين دخلوا الإسلام ودعوا الى نصرته، فانهم كانوا يكتفون بترجمة الآيات شعرا؛ يستوحون مضمونها وينقلونه معاني متفرقة يظلون معها عاجـزيـن عـن تـجـســيـد الـروح الجديدة السامية التي سعى الإسلام الى نشرها حسان بن ثابت كعب بن مالك، كعب بن فأدوا معانيهم الإسلامية بأسلوب شعري قديم ولأنهم عاشوا سني نضجهم في الجاهلية، تأثروا بأجوائها ومحصور بأبيات قليلة من القصيدة تفتقر الى حسن التمثيل، وإن ظهر في معجمها ألفاظ تتصل بالدعوة من مثل الجنة والنار، عايش الأجواء الروحية الناشئة، وبين طبقة وأخرى من وهو إن لم يحسن تمثيل الدعوة بعمق أفكاراً اراً ونشر قيماً أرشدت النفوس وهذبت وهذه على أي حال رسالة الأدب في مجالات التوجيه والإصلاح.