لم تهاجمه الأقراش ثانيةً حتّى قبيل غروب الشَّمس، رأى الشّيخ زعنفتَيْن سمراوَيْن قادمتَيْن في اتّجاه المسار الواسع لتناول الهراوة من تحت مؤخَّر القارب، في الأصل مِقبضَ مجدافٍ أُحِذَتْ من محدافٍ مكسور، ونُشِرَتْ ليكون طولها حوالي قدمَيْن ونصف، وسعه استعمالها بصورةٍ مؤثّرةٍ إلّا إذا مسكها بيدٍ واحدةٍ؛ الـ(غالانو). ثمّ اقتربَ القرشان معًا، وحينما رأى الأقرب منهما إليه يفتح فكّيه، ويغرزهما في جانب السَّمكة الفضيّ رفعَ الهراوة عالیًا، مَطّاطيّة حين أصابته الهراوة، العظم، فيما والآن اقترب مرّةً أُخرى فاغِرًا فكّيه، وكان في وسع الشّيخ أن يرى قِطعًا من الشّيخ بالهراوة عليه مرَّةً أُخرى، فانسابَ مُبتعِدًا ليبتلع اللَّحم، فضربه الشّيخ، على السَّمكة، بشدَّة، فضربه مرَّة أُخرى في الموضع نفسه، ولكن لم يظهر أِّ من القرشَيْن، یرَ زعنفة الآخر. ولو كان في استطاعتي أن حتّى في أيّامي هذه». فهو يعلم أنَّ نصفها قد دُمِّر، قال: - «سرعان ما سيهبط الظَّلام، أضواء (هافانا)، أمّا إذا كنتُ بعيدًا جدًا في جهة الشَّرق، فإنَني سأرى أضواءَ أحد الشّواطئ الحديدة». وفكّرَ: «لا يمكن أن أكون بعيدًا إلى حدّ كبيرِ الآن، ولكنّي مُتأكّدٌ من أنَّه يثق بي، وأضاف قائلًا في طيِّبة». فقال: وحطَّمتُ نفسي، أنا كم قرشًا قتلتِ في حياتكِ، أيَّتها السَّمكة العجوز؟ فأنتِ لا تمتلكين ذلك الرُّمح في رأسكِ من دون غایة! وأحبٌّ أن يفكِّر في السَّمكة، وفكّرَ: «كان ينبغي عليّ أن أقطع رمحها لأقاتل به الأقراش، ولا سكّين». أحس كما وشَبَكَ یدَیْه معًا، ميّتتَيْن، وكان في إمكانه أن يستشعر ألمَ الحياة بمجرَّد فتحهما فأدرك أنّه ليس السَّمكة، ولكنَّني الآن متعبٌ جدًّا لدرجة أنّي لا أستطيع فعل شيء، وأمسكَ بالدّفة، قدوم وهج الأضواء في السّماء، ثمّ قال: «لا، عندما أوغلتَ بعيدًا جدًا في البحر». وابقَ متيقّظًا، وواصلِ القيادة، وقال: لقد حاولتَ أن تشتريه بأَربعة وثمّانين يومًا وكانت تلك الأيّام على وشك أن وفكّرَ: «يجب ألّا أُفكِّر في هذا الهراء، ومَن الّذي يستطيع أن يتعرَّف وفكّرَ: «أتمنّى لو أنّني أستطيع أن أرى وهجَ ولكن هذا هو الشَّيء وحاولَ أن يستلقي بوضعٍ مُريجٍ أفضل ليقود القارب، وأدرك من ألمه أنّه ليس مينًا. أنّه سرعان ما يبلغ حافّة المجرى. من المحتمل أن تهاجمني وأخذَتْ جراحه والأجزاء المتوتِّرة في جسمه تؤلمه بسبب برودة اللّيل، وفكّرَ آمل ألّا خاض الشّيخ غمار معركة، الأقراش، تخلِّفها زعانفها في الماء، تنقضُّ على السَّمكة، وأحس بشيءٍ يُمسك بالهراوة، ويأخذها من يده. وهو يُمسكه ويهوي به عليها المرَّةَ تلو الأُخرى، ولكنَّ الأقراش انقضَّ أحد الأقراش على رأس السّمكة نفسه، فطعن القرش بالعَقِب المُتشظّي، فأدرك أنّه حادٌّ، فطعنه به من جديد، فلم يعُد ثمّة شيءٌ يؤكَل. فخاف منه لحظة، ولكن لم يبقَ منه الکثیر. بصقَ الشّيخ في المحيط، ووجد أنَّ طرف المقبض المثلوم ووضعَ المركب في مساره، بخفّة الآن، ولم تُراودْه أيّةُ أفكار، ولم تُخالحْه أيَّةُ مشاعر من أيِّ نوع، مرفأه بأفضل وبأذكى ما في وسعه. وفي أثناء اللِّيل نهشت من المائدة، ولم يُبدِ اهتمامًا بأيِّ شيء ماعدا قيادة المركب، وفكّرَ: «إنَّه مركبٌ جيّد، ولم يتضرَّر بأيِّ شكلٍ أَحسَّ بأَنَّه داخل الّتيار حاليًا، الأضواء المُنبعثة من التّجمُّعات السُّكّانيّة الشّاطئيّة المُمتدَّة وفكّرَ: «الرّيح صديقتنا على أَيَّة حال»، ثمّ أضافَ: الفِراش لا غير . سيكون الفِراش شيئًا عظيمًا»، - «لا شيء . إنّي أوغلتُ بعيدًا جدًا». فأدركَ أنَّ كلَّ فردٍ قد أوى إلى فراشه، النَّسيم قد تصاعد باطْرادٍ، ثمّةَ مَن يساعده، ثمّ خرج منه، وربطه إلى صخرة من الصُّخور. خلعَ السّارية، وربطه، وأخذ بالصّعود، الرَّأس القاتمة مع الرُّمح البارز، راح يصعد مرَّةً أُخرى، ولكنّ مَرّتْ قطّةٌ تسعى في مناكبها، ثمّ جعل يراقب ووضعها على كتفه، وفي الظّلام وشربَ منها، وجرّ ونام فوق الجرائد، وكانت الرّيح تهبُّ بشدّةٍ بحيث تعذَّرَ على القوارب الخروجُ للصَّيد؛ ثمّ لمحَ يدَي الشّيخ، فأخذ يبكي، وخرجَ بهدوءٍ تامٌّ، وذهب وطَوالَ الطَّريق كان يبكي. كان مربوطًا إلى جانبه، وكان أحدهم في الماء، مطويٍّ إلى الأعلى، فقد كان هناك من قبل، وكان أحد الصَّيّادين يحافظ على المركب نيابةً عنه. وصاح أحد الصَّيادين: - «نائم». - «لا تدع أحدًا يزعجه». - «أُصدِّق ذلك». وطلبَ علبةَ القهوة: قال صاحب المقهى: اللّتان اصطدتَهما يوم أمس طيبتان كذلك». وسأله صاحب المقهى: قال الصَّبيّ: قُلْ لهم ألّا يزعجوا (سنتياغو)، اشربْ هذا». وقال: حقًّا، - «ليقطّعه (بدريكو) إلى أجزاء لتستعمل في مصايد - «احتفظُ به، إذا شئتَ». والمركب صغير، وقال: - «من الآن سنذهب للصَّيد معًا». أنا لسْتُ محظوظًا . لم أعُد محظوظًا». قال الصّبيّ: سأحلب الحظّ معي». اصطدْتُ سمكتَيْن أمس، وأجعلهم يشحذون كم يومًا ستستمر هذه الرّيح الشّديدة؟» «أعرف كيف أَعتني بهما، الذي تغیّبتُ فیه». - «يجب أن تتعافى بسرعة، استرِخْ حيّدًا، سأجلب الدّواء من الصَّيدليّة ليدَیْكَ». وسار في الطّريق الصَّخريّة راح يبكي مرَةً أُخرى. وعصْر ذلك اليوم، الميِّنة؛ في حين أخذتِ الرّيح الشّرقيّة تهبُّ بقوّةٍ وعنادٍ على البحر خارج مدخل فسألتِ المرأة نادلًا وهي تُشير إلى هيكل السَّمكة