احتسى الشيخ قهوته على مهل، فمنذ وقت طويل أصبح الأكل يضايقه، وقد كانت لديه قنينة ماء في مقدم المركب، الآن عاد الصبي بالسّردين والطعمين الملفوفين في جريدة، قال الشيخ: وأخذ الشيخ يسمع ولوج مجاديفها في الماء ودفعها له، على الرغم من أنه لم يستطع رؤيتها بعد أن غاب القمر خلف التلال. ولاح لعينيه الوميض الفوسفوري لطحالب الخليج في الماء، فيما كان يجدف في ذلك الجزء من المحيط الذي كان الصيادون يدعونه بالبئر العظيم بسبب وجود انخفاض مفاجئ يبلغ عمقه سبعمائة قامة حيث تتجمع كل أنواع السمك؛ وهذا النوع من السمك يعلو مقتربا من سطح الماء في الليل حيث تتغذى عليه الأسماك السائبة جميعها. ولا تجد شيئًا على الإطلاق تقريبا. وفكر في نفسه: للطيور حياة أصعب من حياتنا، وتغطس لتصطاد - بأصواتها كما يدعوه الناسُ باللغة الإسبانية عندما يحبّونه، البحر بالمذكر (el mar). أو حتى عدوا، فالقمر يؤثر في البحر كما يؤثر في المرأة وما دام سطح البحر مستويًا باستثناء بعض دوامات التيار بين آونة وأخرى. ولم اليوم سأعمل بعيدًا حيث توجد مستوطنات أسماك البونيتو) و (الباكور)، والقطعة الثانية على عمق خمس وسبعين قامة، وكانت كل سمكة من سمكات الطعم مُعلّقة، وكان رأس الصنارة مخفيا في داخل سمكة الطعم، وكان كلُّ خيط مطويا على عصا غضة بثخن قلم رصاص كبير، ولكل خيط لفتان، كان الضّياء كافيًا والشمس بعيدةً عنه، وقد انتشرت عبر التيار، وقد حافظ عليها مستقيمةً أكثر مما يستطيعه أي صياد آخر، بحيث كان في كل مستوى من مستويات المجرى المظلم طعم ينتظر تماما في المكان الذي يرغب فيه، كانت ثلاثة قوارب فقط في ومع ذلك فهما ما تزالان جيّدتين، مع أن قوتها أكبر في تلك اللحظة بالذات، ثم عاد بهبوط سريع يحوم مرةً أخرى. ولكنه حاذى التيار قليلا لكي يظل بإمكانه الصيد بشكل صحيح، حلق الطير عاليا في الهواء، ثم أَسف فجأةً، وعندها رأى الشّيخ سمكات طائرةً تنط خارجةً من البحر، وتُبحر - في يأس- على سطح الماء. ثم ربطه إلى حلقة في مؤخر طعْمًا على صنارة ثانية، ثم وضع في ظل مقدم المركب، وفيما كان الشيخ يراقب الطير، اتجه الطير مرةً أخرى، وقال الشيخ في نفسه: «إنَّه تجمع كبير للدلافين؛ أما الطير فلا نصيب له؛ وهي تتحرك بسرعة فائقة». ولكنني رُبَّما ألتقط واحدةً ضالة، لا بد أن تكون سمكتي الكبيرة في مكان ما. وراقب خيوطه ليراها تمتد باستقامة إلى الأسفل حتّى تغيب في الماء، لأن ذلك يعني وجود الأسماك هناك، قال الشيخ: