والمجتمعات تقاس جديتها وتقدمها باهتمامها بالعمل، والدول المتقدمة في العصر الحاضر لم تصل إلى هذا المستوى من التقدم في العلوم والقضاء والتقنية إلا بجدية أبنائها في العمل، وأسلافنا المسلمون السابقون لم يبنوا حضارتهم الإنسانية - الكبيرة إلا بإخلاصهم في العمل. والدين الإسلامي يحث على العمل الجاد وقد قرر الإسلام منذ مطلع نوره أن قيمة الإنسان لا تقاس إلا بالسعي والعمل | ميزة للإنسان المسؤول، فالإسلام يعد العمل حنا لكل مسلم، وحارب البطالة لآثارها السلبية في المجتمعات، وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ [الملك: ١٥) وقوله تعالى: وَلَقَدْ مَكْتَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَيشَ : (الأعراف (١٠) كما أن السنة الشريفة تضمنت العديد من النصوص التي تحث على العمل والكسب الحلال فعن المقدام بن معدي كرب عن الرسول قال: ما أكل أحد طعاما قط (رواه البخاري ٢٠٧٢ ) . وقد أشار القرآن الكريم إلى بعض الأعمال والصناعات المفيدة دون أن يقصرها على فئة محددة فقد نوه القرآن الكريم بمادة الحديد التي لها أثر في مجال الصناعة اليوم وأزلنا الحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ) الحديد (١٥) كما أشار إلى صناعة اللباس في قوله : { وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشعارها أننا ومنها إلى حين ) (النحل (٨) وصناعة السفن * وَأَصْنَعِ الْمُلْكَ بِأَعْيُنِنَا تزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ ( الواقعة : ٦٣-١٤) . كما أشار إلى الزراعة (أَفَرَهَبْتُم مَا تَحْرُثُونَ وَأَنتُم وقد كان أنبياء الله قدوة حسنة للعاملين، فقد كانوا اعمالا يرتزقون من عمل أيديهم ، لو كان هذا في سبيل الله، فقال رسول الله ) وإن كان خرج يسعى على ولده صغارًا فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين ففي سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على ١٥٠١١]. وكان الخلفاء الراشدون يحنون الناس دائما على العمل وعدم التواكل. فهذا أبو بكر له امتهن التجارة، كما أن الصحابة عملوا في العديد من المهن فعمل خباب بن الأرت له في الحدادة، وفي الخدمة عمل بلال بن رباح ، والزبير بن العوام العمل في الخياطة، ومن منا لا يطيب له الاقتداء بالأنبياء والصحابة ؟! الإسلام بعد العمل ضروريًا للأفراد إلا العاجزين عنه، إذا كان القصد منه اكتساب الرزق وذلك لأن المحافظة على سلامة البدن أمر واجب لكون ذلك. وسيلة للبقاء الذي يؤدي للغاية التي خلق الإنسان لها، وهي عبادة الله التي تؤدي إلى رضاه وثوابه وَمَا خَلَقْتُ الْهِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ (القاريات (1) أما إذا كان الهدف من العمل هو الاكتساب لقضاء دين أو للإنفاق على العائلة فإنه يُعد واجبًا، فَلْفِقَ مِمَّا مَانَهُ اللَّهُ ) ( السلام ) في ١٣٤