كنت جالسا – ذات صباح- مع صديقي في مقهى عربي نتجاذب أطراف الأحاديث،شخص في أسماله البالية ولفت نظري وسام أخضر اللون يتدلى فوق صدره،عليه صديقي التحية بحرارة ودعاه إلى الجلوس، ولكن الرجل رفض وواصل طريقه في صمت.و ما كاد يتوارى عن الأنظار حتى ابتدرني صديقي قائلا :قلت : لا… لا أعرفه… من يكون؟…قال : هذا سي شعبان ثري الحرب.قلت : لكن هيأته لا تدل على الثراء في شيء…قال : كان ثريا ثراء فاحشا ولكنه اليوم لا يملك قوت يومه فقد ضيع كل شيء.قلت : المفهوم من كلامك أنه أثري أثناء الحرب، وعليه فقد رجع إلى حالته السابقة…« كان هذا الرجل قبل الحرب العالمية الأخيرة تاجرا بسيطا خاملا ؛يقضي كل نهاره وقسطا وافرا من ليله في متجره الصغير المنزوي في حي من الأحياء العربية.اندلعت الحرب العالمية الثانية ونشطت تجارة السوق السوداء التي فرضت دستورها على وانخرط شعبان في سلك هذه التجارة مدفوعا بوفرة الأرباح… وما كادت الحرب تضعأوزارها حتى وجد شعبان نفسه « سي شعبان » ووجد ثروته تضخمت فأصبحت تعد بالملايين. فأصبح حاد المزاج لا يحتمل مزاحا من أحد وإن كان مزاحا بريئا ؛ كما تغيّت هيأته وملابسه واحتلت سلسلة ذهبية سميكة صدرهتصرخ في وجوه الناس بثراء الرجل وجاهه. أما حجرته المتواضعة فأبدلت بفيلا أنيقة تكدسالأثاث والرياش في حجراتها تكديسا. ومما يلفت نظر الزائر مقعد ضخم وثير احتل صدر حجرةالاستقبال كان عرش سي شعبان لا يجلس عليه غيره،وشاعت شهرة سي شعبان في البلاد وقصدته جيوش من المحتالين والمرتزقة من كل حدبوصوب يعرضون مختلف المشاريع والصفقات التي كان سي شعبان يشارك فيها بكل سخاء.إلى أن تبددت الثروة وبيعت الأملاك في الديون وانفرط عقد الصحب والخلان وذهب الجاهوفرت زوجه حاملة معها ما خف وزنه وثقل ثمنه ولم يعثر لها على أثر. وها هو كما ترى أصبح في فاقة مدقعة،قلت : لعله لم يجد لهما شاريا يدفع فيهما فلسا واحدا.أرسل صديقي زفرة وقال : نعم. مع أنه دفع فيهما مئات الآلاف من الفرنكات. ما أشد خطرها إذا ما أحست شهواتها بجوع.