بعد زوال السامانيين عن مسرح الأحداث في أواخر القرن الرابع الهجري، حلَّ الغزنويون محلهم. وكان السلاجقة خلال ذلك قد أنشأوا قوة عسكرية نظامية يُخشى بأسها ويُرهب جانبها. ويبدو أن إسرائيل الابن الأكبر لسلجوق، قد تبوأ مركز الزعامة، حيث نجد له ذكراً بوصفه حليف علي تكين الذي كان قد استولى على بخارى متحدياً سلطة محمود الغزنوي وقدر خان يوسف زعيم القراخانيين وملك المشرق، مما دفع الزعيم الغزنوي للقيام بحملة عسكرية ضد بلاد ما وراء النهر، مبرراً حملته هذه بأن سكان بخارى ومدن ما وراء النهر استنجدوا به ليخلصهم من ظلم علي تكين، كما أن هذا الأخير رفض السماح لرسله بالمرور عبر أراضيه في طريقهم إلى ملوك تركستان الشرقية.‎كانت نتيجة الحملة أن هرب علي تكين دون أن يصطدم بالقوات الغزنوية. أما إسرائيل فقد دخل المفازة مع أتباعه للاحتماء من جيش محمود الغزنوي أدرك محمود الغزنوي بعد هذه الحملة ما للسلاجقة من قوة وبأس، كما شعر بمدى الخطر الذي يمكن أن يشكّلوه على دولته؛ وشجعه قدرخان على ذلك. وعقد العاهلان اجتماعاً خارج سمرقند في عام (٤١٩ هـ / ۱۰۲۸م) لتحديد أسس التفاهم بينهما، وتحديد مناطق الحدود بين الدولتين الغزنوية والقراخانية، واتفقا بنتيجة المباحثات على:‎- توحيد قواتهما لانتزاع بلاد ما وراء النهر من يد علي تكين، وإعطائها لـ يغان تكين،‎- التقارب الأسري بالزواج، فيتزوج يغان تكين كريمة محمود، ويزوج قدرخان كريمته لمحمد الابن الثاني لمحمود.‎أما موضوع السلاجقة فقد جاء عرضاً فيما يبدو، حيث شكا قدرخان من ازدياد قوتهم وكثرة جنودهم واستيلائهم على المراعي الموجودة في نور بخاري والسعد وسمرقند، وطلب من محمود العمل على القضاء عليهم قبل نهوضه لغزو الهند. ويبدو أن محموداً لم يكن بحاجة إلى من يحثه على تحجيم قوة السلاجقة المتعاظمة لأنه كان قد وجه اهتمامه إليهم منذ بداية تواجدهم في المنطقة.‎وهكذا فإن ظهور السلاجقة كقوة جديدة على المسرح السياسي أصبح يُحسب حسابها في تقدير الموقف الذي سيسود هذه المنطقة من جراء التوسع السلجوقي. وأخذ الغزنويون يتوجسون خيفة من ذلك، لذا قرر محمود استعمال الحيلة للقبض على إسرائيل وتشتيت أتباعه. فأرسل إليه يدعوه للقائه بالقرب من شاطيء نهر جيحون لعقد اتفاق صداقة وتعاون بينهما. وصدقوا بما جاء في رسالة محمود، فهرع إسرائيل مع بعض خواصه وأعيان قومه إلى لقاء العاهل الغزنوي في المكان المحدد. وأحسن الأخير استقبالهم، ثم عرض عليه عقد ميثاق تحالف وتعاون للقضاء على كل ثائر على الدولة الغزنوية في خراسان. رحب إسرائيل بهذه الفكرة وهو يجهل ما يدبر له ولقومه، وتظاهر محمود بالمحبة وهو يضمر الخديعة والشر، وأجابه لن يكون منا تقصير في خدمتكم.‎وأقام محمود الولائم لأعضاء الوفد مدة ثلاثة أيام، حتى أسرفوا في الشراب واستغرقوا في نوم عميق. قيدهم بالحديد وحملهم إلى السجون. أما إسرائيل ف قد سُجن في قلعة كالنجر في بلاد الهند حيث بقي سبع سنوات رهينة تكفل لمحمود إخلاد السلاجقة إلى الهدوء والسكينة. ونكّب محمود ببعض أتباعه وهجر بعضهم الآخر إلى خراسان حيث وضع الخراج عليهم (۱).‎كان لتلك الحادثة أثرها المؤلم في نفوس السلاجقة الذين صمموا على الثأر الزعيمهم إسرائيل بالانتقام من الغزنويين، كما ازدادوا حذراً وحيطة.‎خلف ميكائيل بن سلجوق أخاه إسرائيل في زعامة السلاجقة، وأدرك بثاقب بصره أن قوة السلاجقة أضعف من قوة الغزنويين بعدما تفرقوا، وأن الصواب هو مهادنتهم. وأرسل إلى السلطان محمود يلتمس منه الإذن بعبور نهر جيحون إلى نسا وباورد لأن مقامهم ضاق بهم، وأن مراعيهم أضحت لا تفي بحاجة مواشيهم، وكان ذلك في عام ٤١٨ هـ وكان له رأي آخر، ووفرة أعدادهم‎تجاهل محمود نصيحة حاكم طوس ظناً منه أن السلاجقة قد ضعفوا بعد الأحداث الأخيرة، وبخاصة أنهم يفتقرون إلى قيادة قوية تؤمن استمرار مسيرتهم بعد أسر زعيمهم إسرائيل، وأنهم لم يثوروا احتجاجاً لما حل بقادتهم، كما توقفوا عن مضايقة الدولة الغزنوية. ولا خشية لي من أمثالهم. ثم سمح لهم فعبروا النهر واستقروا في إقليم خراسان بين نسا وباودر. ويبدو أن أتباع إسرائيل هم الذين عبروا النهر، وأن أتباع ميكائيل ظلوا في إقليم ما وراء النهر. وكان د خولهم في الإسلام، يحاولون تحت ضغط الأحداث السياسية السلاجقة بعامة، منذ د والأوضاع الاقتصادية، أن يجدوا لهم مخرجاً وأرضاً يهاجروا إليها، وقد حققوا هدفهم بعبور النهر إلى خراسان.‎والواقع أن محموداً أخطأ في الموافقة على السماح لجموع السلاجقة بعبور خراسان، لأن هذا العبور، يسر لهم حرية الحركة والانتشار في مرج دندانقان، وكان بداية لمرحلة جديدة في حياتهم النهر إلى سمحت لهم بتأسيس دولة ومضايقة الدولة الغزنوية.‎لم يكد السلاجقة يستقرون في المناطق الجديدة حتى راحوا ينمون قدراتهم العسكرية، ويتحينون الفرص للانقضاض على أراضي الدولة الغزنوية، ويبدو أنهم تخلوا عن حياة الهدوء والاستقرار، وعادوا إلى طبيعتهم البدوية. فقاموا بأعمال - الشغب ومضايقة الناس والإغارة على المدن والقرى المجاورة، ومهما يكن من أمر، فقد استجاب محمود لنداء الاستغاثة، وخرج من غزنة في عام (٤١٩هـ / ١٠٢٨م) على رأس جيش كبير قاصداً طوس عن طريق بست، واجتمع بحاكم المدينة الذي شرح له حقيقة الموقف، فأمره محمود بأن يخرج على رأس الجيش ويجلي السلاجقة عن المنطقة.‎والتقى الجيشان الغزنوي والسلجوقي في رباط فراوة، انتصر فيها جيش محمود، وقتل وأُسر عدد كبير منهم، وفرَّ من نجا إلى بلخان ودهستان وقُتِل ميكائيل في إحدى غزواته ضد الأتراك الوثنيين في إقليم ما وراء النهر. ويبدو أن وفاته حصلت قبل وفاة محمود في عام (٤٢١هـ / ۱۰۳۰م). وكان له ثلاثة أولاد هم بيغو وجفري وطغرلبك، وساعده أخوه جفري في تلك المهمة.‎وكان طغرلبك وجفري فارسين، وبغراخان في كاشغر، وتمتعا بنفوذ كبير داخل العشائر السلجوقية وبدا من أمرهما ما ينبىء بأنهما سوف يبلغان بالسلاجقة ذروة القوة، ووضعا نصب أعينهما هدفاً هو إقامة دولة للسلاجقة، فمضيا متحدين في العمل على تنفيذه وراحا يتحينان الفرص للانقضاض على الدولة الغزنوية في منطقة خراسان وإقليم ما وراء النهر،